539
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَا تَخْرُصُونَ * قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ» 1 ، وقوله تعالى في سورة النحل : «وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَىْ ءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَىْ ءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ * وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ» إلى قوله : «لِيُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِى يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ» 2 ، وقوله تعالى في سورة الزخرف : «وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَا يَخْرُصُونَ * أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ» 3 .
وجوابها : أنّ مراد المشركين بالمشيّة في المحكيّ بهذه الآيات الجدّ في التكليف بعدم الإشراك ببيان جميع الأحكام في محكمات الكتاب وعدم إدخال المتشابهات في بيان الأحكام، لا ما نحن فيه؛ بقرينة نحو قوله تعالى في سورة الأنعام : «وَلَوْ شَاءَ اللّهُ مَا أَشْرَكُوا» ، ومرادهم بالإشراك الاختلاف واتّباع الظنّ بالاجتهادات، فإنّه كإشراك الذين اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون اللّه ، فمقصودهم الاستدلال على جواز الإشراك، أي الاجتهاد دائما بأنّه لو شاء اللّه عدم إشراكنا لأتى الرسل في جميع الأحكام بالمحكمات، فما اضطررنا إلى الإشراك فيما أشركنا ؛ ففيه وضع اللازم موضع الملزوم .
ويظهر في تتمّة الآيات ثلاثة أجوبة عن استدلالهم هذا:
الأوّل : أنّه تكذيب لجميع الرسل في دعواهم في محكمات كتبهم أنّهم ما بُعثوا إلّا لرفع الاختلاف ببيان المختلف فيه .
الثاني : أنّه حكم بالظنّ والخرص في مسألة أصليّة، ففيه أقبح مصادرة بالمطلوب .
الثالث : الحلّ بمنع قولهم: «لو شاء اللّه عدم إشراكنا لأتى» إلى آخره ؛ لأنّه يكفي الإتيان في بعض الأحكام بالمحكمات، وحوالةُ باقيها إلى العالم بجميع المتشابهات

1.الأنعام (۶) : ۱۴۸ ـ ۱۴۹ .

2.النحل (۱۶) : ۳۵ ـ ۳۹ .

3.الزخرف (۴۳) : ۲۰ ـ ۲۱ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
538

باطل؛ لأنّه لا معنى للرضا بشيء إلّا الرضا بما تعلّق به من صفات الفعل، كالإيجاد والقضاء ونحوهما .
الشبهة الرابعة : أنّ الطاعة موافقة الإرادة ، فلو أراد اللّه تعالى كفر الكافر، لكان الكافر مطيعا له بكفره .
وجوابها : أنّ لفظ الإرادة قد يُطلق على الطلب، وهو المراد في تفسير الطاعة ، والمراد به في هذا النزاع معنى آخر، كما مرّ بيانه في شرح أوّل الخامس والعشرين . 1
الشبهة الخامسة : أنّ الأمر يدلّ على الإرادة، فإيمان الكافر مراد اللّه تعالى .
وجوابها : أنّ الأمر إنّما يدلّ على الإرادة بمعنى الطلب، وهو غير مراد كما مرّ آنفا .
الشبهة السادسة : أنّ مشيّة المعاصي قبيحة في نفسها، فتمتنع على اللّه تعالى .
وجوابها : أنّ الحكم بقبحها مبنيّ على عدم معرفة معنى المشيّة، وقد مرّ بيانه في رابع «باب الجبر والقدر» عند قوله عليه السلام : «هي الذكر الأوّل» ويجيء في ثاني الباب أيضا .
الشبهة السابعة : أنّ الأمر بما لا يشاء والنهيَ عمّا يشاء قبيح .
وجوابها : أنّ هذا أيضا مبنيّ على عدم معرفة معنى المشيّة .
الشبهة الثامنة : أنّه لو لم يقع إلّا ما شاء اللّه ، لكان العباد مجبورين .
وجوابها: أنّ هذا أيضا مبنيّ على عدم معرفة معنى المشيّة، وتوهّم أنّ كلّ مشيّة حتم . ويجيء بُعيد هذا بيانه .
واعلم أنّ الخمسة الأخيرة من شبههم على تقدير تمامها لا يثبت مطلوبهم المتنازعَ فيه هنا، وهو التفويض الأوّل، كما يظهر بالرجوع إلى ما مضى في رابع «باب الجبر والقدر» .
الشبهة التاسعة : تمسّكهم بقوله تعالى في سورة الأنعام : «سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَىْ ءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا

1.أي في الحديث ۱ من باب في أنّه لا يكون شيء في السماء والأرض إلّا بسبعة .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 67376
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي