541
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

بعدُ عنه إن كان ما لم يتحقّق واحدا أو غير مترتّب، وإن تعدّد مترتّبا كان ما ذكرنا من الاستجماع حقيقةً؛ لعلّة الأوّل، ثمّ بتوسّطها كان مستجمعا حكما؛ لعلّة الثاني وهكذا ؛ لأنّ التمكّن من الموقوف بدون التمكّن من الموقوف عليه ـ الذي لم يحصل بعد، وكان ممكنا بالإمكان المقابل للوجوب الذاتي والوجوب السابق معا ـ بديهيّ الاستحالة .
ونقول في التنبيه عليه: إنّه لو تحقّق مع عدم الاستجماع حقيقةً ولا حكما، لكان بمحض حصول بعض الأجزاء في الحال، وجواز حصول الباقي في ثاني الحال، فيلزم أن يكون فاقد القوّة والصحّة والآلة في الحال قادرا في الحال على فعل يتوقّف على القوّة والصحّة والآلة في ثاني الحال؛ لجواز حصول القوّة والصحّة والآلة له في ثاني الحال، فيكون زيد قادرا في الحال على الطيران في ثاني الحال؛ لجواز حصول الجناح له في ثاني الحال. وهذا سفسطة .
إن قلت : لا يكفي جواز الحصول في ثاني الحال، بل يعتبر ظنّ القادر، أو علم اللّه تعالى في الحال بالحصول في ثاني الحال.
قلت: قد ذكرنا أنّ معنى القدرة مفهوم بديهىّ هو التمكّن، والتمكّن في الحال من فعل في ثاني الحال لا يختلف باختلاف الظنّ أو العلم في الحال بحصول شيء في ثاني الحال. وهذا بديهيّ .
ثمّ نقول: والاستجماع حقيقة في الحال للعلّة التامّة لفعل في ثاني الحال غير ممكن ؛ لأنّ من أجزاء العلّة التامّة له بقاء الفاعل إلى ثاني الحال، وعدم المانع فيه، وعدم النسيان للفعل فيه ونحو ذلك، ولم يحصل بعدُ.
والاستجماع حكما في الحال للعلّة التامّة لفعل في ثاني الحال إمّا بانحصار ما لم يحصل بعد من أجزاء العلّة التامّة في الواجب التحقّق بالذات، أو بالوجوب السابق. وهذا باطل في أفعال العباد؛ لأنّ بقاءهم وذكرهم ليس واجبا بالذات وهو ظاهر، ولا بالوجوب السابق؛ لما مرّ في أوّل «باب الجبر والتفويض والأمر بين الأمرين» من أنّ ذلك يستلزم عدم استحقاق فاعله المحمدة ، وقد فصّلناه في حواشي العدّة . وإمّا بغيره، وهو يستلزم الاستقلال بديهةً، ودعواه دعوى الربوبيّة .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
540

المعلوم شخصه في كلّ زمان بدلالة المحكمات الناهية عن الحكم بالظنّ والاجتهاد، وظهور أنّ غاية دعوى غيره الاجتهادُ ، فالجمهور المشركون إنّما أتوا من قبل أنفسهم، والأقلّون سكتوا في زمننا إلى ظهور الحجّة ، ولو انحصر الدنيا فيهم أو كثروا، لخرب الدنيا، أو ظهر الحجّة عليه السلام .
واعلم أنّه يحتمل أن يكون لفظة «شاء» في كلام المشركين جاريا مجرى اللازم ، فمقصودهم أنّه تعالى موجَب كما زعمته الفلاسفة الزنادقة، وأنّ الموجَب لا يستحقّ عبادة بدون شريك من العقول ـ مثلاً ـ وهم الملائكة عندهم . ثمّ إنّه يجيء في ثالث «باب الهداية أنّها من اللّه » ما يظهر به الجواب عن شبهة اُخرى لهم .
وأمّا في التفويض الثاني ـ وهو الإقدار في الحال على فعل في ثاني الحال ـ فبأدلّة:
الدليل الأوّل: أنّه يستلزم أن يكون العبد مستقلّاً في القدرة ، أي أن لا يقدر تعالى على أن يسلب في ثاني الحال بدون مشيّة العبد شيئا ممّا يتوقّف عليه مقدور العبد، وكونُه مضادّة للّه تعالى في ملكه ظاهر .
أمّا بيان اللزوم فبأنّ معنى القدرة هو التمكّن الذي هو مناط جواز التكليف الواقعي، أي الذي لو خولف استحقّ عليه العقاب، وهو مفهوم بديهيّ نسبيّ يختلف باختلاف ما نسب إليه، فإنّ العبد متمكّن من فعلٍ غيرُ متمكّن من آخر، وهو مشترك معنىً بين اللّه المتمكّن من كلّ شيء وعبده بالنسبة إلى ما هو متمكّن منه .
فنقول : هذا المعنى لا يتحقّق في شخص بالنسبة إلى فعل إلّا مع استجماعه للعلّة التامّة لصدور ذلك الفعل عنه؛ إمّا استجماعا حقيقةً، وهو ظاهر ؛ وإمّا استجماعا حكما، وهو أن يكون ما لم يتحقّق بعدُ من أجزاء العلّة التامّة واجبَ التحقّق بالذات كبقاء اللّه تعالى، أوبالنظر إلى علّته، كما هو عند بعض المجبّرة القائلين بأنّ كلّ حادث له وجوب سابق ، ۱ أو أن يكون ذلك الشخص مستجمعا حقيقةً للعلّة التامّة لصدور ما لم يتحقّق

1.اُنظر شرح الاُصول الخمسة ، ص ۳۹۰ . وحكاه السيّد المرتضى في الذخيرة ، ص ۸۸ ؛ والشيخ الطوسي في الاقتصاد ، ص ۱۰۴ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 67370
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي