الدليل الثاني ـ وهو مشتمل على أدلّة لا تحصى ـ : ما ورد في الشرع ممّا يدلّ على أنّ العبد أعجز من أن يكون مستقلّاً في القدرة، وأنّه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا. وهو أكثر من أن يحصى، كقوله تعالى في سورة الكهف : «وَلَا تَقُولَنَّ لِشَىْ ءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدا * إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ»۱ ، وقوله تعالى في سورة لقمان : «وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدا»۲ .
واعلم أنّ الباعث للمعتزلة وأتباعهم على القول بالتفويض الثاني شُبَهٌ:
الاُولى: أنّ القدرة وكونها مع الفعل متنافيان؛ لأنّ القدرة يلزمها كونها محتاجا إليها لأن يدخل الفعل من العدم إلى الوجود، وكونها مع الفعل يلزمه أن يستغنى عنها ؛ لأنّ الفعل في حال وجوده صار موجودا، فلا حاجة إليها لأن يدخل من العدم إلى الوجود، وتنافي الملزومات لازم للتنافي بين اللوازم ؛ فالقدرة لا تكون مع الفعل .
والجواب: النقض بالفاعل ونحوه . والحلّ: منع قولهم: «إنّ القدرة يلزمها كونها محتاجا إليها» إلى آخره؛ إذ فيه خلط بين آلة القدرة ونفس القدرة . ثمّ منع قولهم: «فلا حاجة» إلى آخره . ثمّ إنّ هذا مبنيّ على عدم معرفتهم معنى وقت الفعل وقد بيّنّاه عند قوله عليه السلام : «وقت الفعل مع الفعل» إلى آخره .
الثانية: أنّ القدرة يلزمها إمكان صدور الفعل وإمكان صدور الترك، فلا تتحقّق في وقت الفعل ؛ لأنّه إن كان الواقع فيه الفعلَ امتنع الترك، وإن كان الواقع فيه التركَ امتنع الفعل ؛ فالقدرة في الحال على الفعل في ثاني الحال .
والجواب: منع امتناع شيء من الفعل والترك في وقت يكون الواقع فيه الآخر . نعم يمتنع بشرط الآخر، والفرق بينهما بيّن لا يخفى .
ثمّ لا نسلّم أنّ هذا الامتناع ينافي القدرة، فإنّه ليس امتناعا سابقا .
الثالثة : أنّه لولاه لزم حدوث قدرة اللّه .