543
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

الدليل الثاني ـ وهو مشتمل على أدلّة لا تحصى ـ : ما ورد في الشرع ممّا يدلّ على أنّ العبد أعجز من أن يكون مستقلّاً في القدرة، وأنّه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا. وهو أكثر من أن يحصى، كقوله تعالى في سورة الكهف : «وَلَا تَقُولَنَّ لِشَىْ ءٍ إِنِّى فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدا * إِلَا أَنْ يَشَاءَ اللّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ»۱ ، وقوله تعالى في سورة لقمان : «وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدا»۲ .
واعلم أنّ الباعث للمعتزلة وأتباعهم على القول بالتفويض الثاني شُبَهٌ:
الاُولى: أنّ القدرة وكونها مع الفعل متنافيان؛ لأنّ القدرة يلزمها كونها محتاجا إليها لأن يدخل الفعل من العدم إلى الوجود، وكونها مع الفعل يلزمه أن يستغنى عنها ؛ لأنّ الفعل في حال وجوده صار موجودا، فلا حاجة إليها لأن يدخل من العدم إلى الوجود، وتنافي الملزومات لازم للتنافي بين اللوازم ؛ فالقدرة لا تكون مع الفعل .
والجواب: النقض بالفاعل ونحوه . والحلّ: منع قولهم: «إنّ القدرة يلزمها كونها محتاجا إليها» إلى آخره؛ إذ فيه خلط بين آلة القدرة ونفس القدرة . ثمّ منع قولهم: «فلا حاجة» إلى آخره . ثمّ إنّ هذا مبنيّ على عدم معرفتهم معنى وقت الفعل وقد بيّنّاه عند قوله عليه السلام : «وقت الفعل مع الفعل» إلى آخره .
الثانية: أنّ القدرة يلزمها إمكان صدور الفعل وإمكان صدور الترك، فلا تتحقّق في وقت الفعل ؛ لأنّه إن كان الواقع فيه الفعلَ امتنع الترك، وإن كان الواقع فيه التركَ امتنع الفعل ؛ فالقدرة في الحال على الفعل في ثاني الحال .
والجواب: منع امتناع شيء من الفعل والترك في وقت يكون الواقع فيه الآخر . نعم يمتنع بشرط الآخر، والفرق بينهما بيّن لا يخفى .
ثمّ لا نسلّم أنّ هذا الامتناع ينافي القدرة، فإنّه ليس امتناعا سابقا .
الثالثة : أنّه لولاه لزم حدوث قدرة اللّه .

1.الكهف (۱۸) : ۲۳ ـ ۲۴ .

2.لقمان (۳۱) : ۳۴ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
542

روى ابن بابويه في توحيده في «باب الاستطاعة» عمّن سأل أبا عبداللّه عليه السلام فقال له : إنّ لي أهلَ بيت قدريّة يقولون: نستطيع أن نعمل كذا وكذا، ونستطيع أن لا نعمل؟ قال : فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «قل له: أتستطيع ۱ أن لا تذكر ما تكره، ولا تنسى ۲ ما تحبّ؟ فإن قال: لا، فقد ترك قوله ، وإن قال: نعم، فلا تكلّمه أبدا، فقد ادّعى الربوبيّة» انتهى . ۳
وقولهم : نستطيع أن نعمل معناه: نستطيع الحالَ أن نعمل في ثاني الحال .
إن قلت : ليس مذهب المعتزلة أنّا نتمكّن في الحال على فعل في ثاني الحال تمكّنا يكون مع استجماع العلّة التامّة له حقيقةً أو حكما؛ إنّما مذهبهم تقدّم آلة التمكّن، وهي ما يظنّ معه حصول التمكّن في وقت الفعل كما ذكرتم عند قوله عليه السلام : «فجعل فيهم آلة الاستطاعة »، وهذا مناط صحّة تعلّق التكليف الظاهري ، ولذا وجب الشروع في السير إلى مكّة على من استطاع له وإن علم اللّه منه أنّه يموت قبل الوصول . وأمّا التمكّن الذي هو مناط صحّة تعلّق التكليف الواقعي المنجّز الذي يدور معه استحقاق العقاب على المخالفة وجودا وعدما، فلا يحصل إلّا في وقت الفعل .
قلت : هذا توجيه حسن من جانبهم لو رضوا بذلك، ولم يصرّحوا بنقيضه، ولا يبقى لنا حينئذٍ نزاع معهم فيه، ولكن صرّحوا بالنقيض؛ فإنّ جماهيرهم يقولون: لا تتحقّق القدرة في وقت الفعل، وباقيهم يقول: إنّه تبقى القدرة إلى وقت الفعل، لكنّ الفعل لا يصدر عن الفاعل بها؛ إنّما يصدر بالقدرة المقدّمةُ كما ذكره شارح المواقف، ۴ وسيظهر من اُولى شبههم وثانيتها . فعلى هذا التوجيه يلزم أن لا يتحقّق في المكلّفين في الواقع التمكّنُ ـ الذي هو مناط جواز التكليف الواقعي أصلاً على رأي جماهيرهم ـ ويتحقَّقَ على احتمال لغوا على رأي باقيهم .

1.في «ج» : «تستطيع» بدون همزة الاستفهام . وفي المصدر : «هل تستطيع» .

2.في المصدر : «وأن لا تنسى» .

3.التوحيد ، ص ۳۵۲ ، ح ۲۲ .

4.شرح المواقف ، ج ۶ ، ص ۱۵۴ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 67360
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي