547
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

مقالات قدريّة البصرة كالحسن البصري وأصحابه، وقولهم: إنّا قبل وقت الفعل نستطيع أن نعمل كذا ونستطيع أن لا نعمل ، وسمع شبههم، وعرف من هذا البيان أنّه ليس على مجرى العادة في أفكار المتكلّمين من عند أنفسهم، بل هو مستندٌ إلى سرّ مستودَع من مشكاة النبوّة والرسالة، وأنّه بيان للحقّ الذي لا يعلمه إلّا العالم أو من علّمه إيّاه العالم، كما مضى في عاشر «باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين».
وفيه دلالة على أنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام هم سفينة النجاة

فاُقسم لولا أنّكم سبل الهدىلضلّ الورى عن لاحب۱النهج ظاهر۲
وقال صاحب كتاب الجواهر من المعتزلة :
قيل : إنّ الحسن البصري كتب إلى الإمام الحسن بن عليّ عليهماالسلام: من الحسن البصري إلى الحسن بن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أمّا بعد، فإنّكم معاشرَ بني هاشم الفلك الجارية في اللجج الغامرة، مصابيح الدجى، وأعلام الهدى، والأئمّة القادة، الذين مَن تبعهم نجا، والسفينة التي تؤول إليها المؤمنون، وتنجو فيها المتمسّكون، قد كثر يابن رسول اللّه عندنا الكلام في القدر، واختلافنا في الاستطاعة، فتُعلمنا ما ترى عليه رأيك ورأي آبائك، فإنّكم ذرّيّةٌ بعضها من بعض، من عِلم اللّه علِمتُم، وهو الشاهد عليكم وأنتم الشهداء على الناس؛ والسلام .
فأجابه الحسن بن عليّ عليهماالسلام : «من الحسن بن عليّ إلى الحسن البصري: أمّا بعد، فقد انتهى إليَّ كتابك عند حيرتك وحيرة مَن زعمت من اُمّتنا، وكيف ترجعون إلينا وأنتم بالقول دون العمل ، واعلم أنّه لولا ما تناهى إليَّ من حيرتك وحيرة الاُمّة من قِبلك، لأمسكتُ عن الجواب، ولكنّي الناصح بن الناصح الأمين، والذي أنا عليه أنّه من لم يؤمن بالقدر خيره وشرّه فقد كفر، ومن حمل المعاصي على اللّه عزّ وجلّ فقد فجر، إنّ اللّه سبحانه لا يُطاع بإكراه، ولا يُعصى بغلبة، ولا أهمل العباد من الملكة، ولكنّه عزّ وجلّ المالك لما ملّكهم، والقادر على ما عليه أقدرهم، فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن اللّه عزّ وجلّ لهم صادّا، ولا عنها مانعا ، وإن ائتمروا بالمعصية، فشاء سبحانه أن يمنَّ عليهم،

1.اللاحب : الطريق الواسع المنقاد الذي لا ينقطع . النهاية ، ج ۴ ، ص ۲۳۵ (لحب) .

2.الروضة المختارة (شرح القصائد العلويّات السبع) لابن أبي الحديد المعتزلي ، ص ۱۳۲ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
546

(قَالَ : عَلِمَ) ؛ بصيغة الماضي المعلوم المجرّد، وفيه ضمير اللّه .
(مِنْهُمْ فِعْلاً) أي علم اللّه تعالى من المكلّفين أنّهم يختارون فعل كذا إذا جعل فيهم أمر كذا، فيصير الأمر آلة لفعلهم بدون أن يكون موجبا لفعلهم بالوجوب السابق، سواء كان الأمر وجوديّا كخلق الشمس والبصر لعابديها، أو عدميّا كترك جعله للمؤمنين باللّه الموحِّدين له لبيوتهم سقفا من فضّة، وعلم اللّه تعالى من المكلّفين أنّهم يختارون ضدّ ذلك الفعل إذا جعل فيهم أمرا آخر بدل الأوّل، فيصير الأمر الآخر آلةً لفعلهم الضدّ بدون وجوب سابق .
(فَجَعَلَ) ؛ بصيغة الماضي المعلوم من باب منع. وفيه ضمير اللّه ، أي فخلق باختياره وعلمه بوجوه المصالح والمفاسد .
(فِيهِمْ) . إنّما قال ذلك مع أنّ الآلة قد تكون أمرا مباينا لهم كالشمس بالنسبة إلى عابديها؛ لأنّ المباين لا يصير آلة إلّا باعتبار وصف فيهم كالبصر ونحو ذلك .
(آلَةَ الْفِعْلِ) أي ما أفضى إلى الفعل بدون وجوب سابق، مع قدرته تعالى على آلة ضدّ ذلك الفعل.
ولا يجوز الاقتراح بالسؤال عليه تعالى بأنّه إذا علم منهم فعلاً قبيحا، فلِمَ جعل فيهم آلتَهُ، كما مضى الإشارة إليه في شرح ثاني «باب السعادة والشقاء» وثاني «باب الخير والشرّ » ومعلومٌ لنا أنّه تعالى لا يفعل إلّا الأوفق بالحكمة، والراجح على ضدّه في نفس الأمر من آلتي الفعل وضدّه.
وهذه الفقرة مشتملة على نفي الفرد الأوّل من التفويض .
(فَإِذَا فَعَلُوهُ۱كَانُوا مَعَ الْفِعْلِ) أي لا قبله (مُسْتَطِيعِينَ) أي قادرين على ما لم تتعلّق بمنافيه مشيّة اللّه .
وهذه الفقرة مشتملة على نفي الفرد الثاني من التفويض .
(قَالَ الْبَصْرِيُّ : أَشْهَدُ أَنَّهُ الْحَقُّ ، وَأَنَّكُمْ أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ) . سمع البصريّ

1.في الكافي المطبوع : «فعلوا» .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 67346
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي