551
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

الترك، أي العلّة التامّة للفعل، والعلّة التامّة للترك، وهي مساوقة للقدرة ؛ يُقال: ركّب الفصّ في الخاتم تركيبا: إذا جعله فيه ، وحمله عليه .
(إِنَّ) ؛ بكسر الهمزة استئنافٌ لبيان عدم المانع .
(اللّهَ لَمْ يَجْبُرْ أَحَدا عَلى مَعْصِيَتِهِ) ، بصيغة معلوم باب نصر، أو باب الإفعال، وهذا لدفع توهّم مذهب جهم والأشاعرة، وهو أنّ فاعل أفعالنا هو اللّه تعالى . ۱(وَلَا أَرَادَ إِرَادَةَ حَتْمٍ) ؛ بفتح المهملة، وسكون المثنّاة فوق .
(الْكُفْرَ مِنْ أَحَدٍ) . هذا لدفع توهّم مذهب أبي الحسين البصري تبعا للفلاسفة، وهو أنّ أفعالنا صادرة عنّا، لكن يجب صدورها عنّا وجوبا سابقا؛ لاستحالة تخلّف المعلول عن العلّة التامّة . ۲
والمراد بإرادة الحتم ما لا يكون معه سبيل للعبد إلى غير ما أراد اللّه ، بأن لا يكون مستجمعا لعلّته التامّة، لا حقيقة ولا حكما .
والسرّ في أنّ العبد غير مجبور على ما أراده اللّه تعالى إرادة عزم لا حتم أنّ تحقّق المانع العلمي عن شيء لا ينافي ارتفاع جميع الموانع العقليّة، ولا حصول جميع الشرائط والاُمور المحتاج إليها عقلاً ؛ وبالجملة لا ينافي تحقّق علّته التامّة .
(وَلكِنْ حِينَ كَفَرَ) أي لمّا كفر باختياره بدون جبر .
(كَانَ فِي إِرَادَةِ اللّهِ أَنْ يَكْفُرَ) ؛ يعني أنّ إرادة اللّه الكفر من أحد تابع لكفره، وإن كان الكفر تابعا لإرادة اللّه من حيثيّة اُخرى .
وتوضيح ذلك: أنّ المراد هنا بإرادة اللّه فعلاً من عبدٍ فعلُه تعالى أو تركه المفضي إلى فعل عبد المجتمِعُ مع علمه تعالى بأنّ العبد ـ مع استجماعه للعلّة التامّة للفعل، وللعلّة التامّة للترك ـ يختار ذلك الفعل، مع قدرته تعالى على ما علم أنّه لو صدر عنه تعالى بدلَ

1.حكاه السيّد المرتضى في رسائله ، ج ۲ ، ص ۱۸۰ عن جهم ، وفي ج ۳ ، ص ۱۸۷ عن المجبرة . وانظر تفسير الرازي ، ج ۱۲ ، ۲۳۸ ، وج ۱۵ ، ص ۶۰ ، وص ۱۲۸ ، وج ۱۹ ، ص ۳۲ .

2.حكاه عنه الإيجي في المواقف ، ج ۳ ، ص ۲۲۱ ؛ وشرح المواقف ، ج ۸ ، ص ۱۵۳ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
550

(كَانَ) أي في مجموع هذا الوقت .
(مُسْتَطِيعا لِتَرْكِهِ) أي لا لفعل الزنى .
(إِذَا تَرَكَ) أي حين ترك لا قبله .
(قَالَ : ثُمَّ قَالَ : لَيْسَ لَهُ) أي للزنىّ .
(مِنَ الِاسْتِطَاعَةِ قَبْلَ الْفِعْلِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ) . بيان لفذلكة المبحث، وتصريح بالجواب عمّا سأل السائل عنه، ووجهه أنّ القدرة المعتبرة في مفهوم الاستطاعة هي التمكّن من الشيء، وهذا لو تحقّق قبل وقت الفعل قويّا أو ضعيفا، لزم مضادّة اللّه في ملكه، كما مرّ في شرح ثاني الباب .
(وَلكِنْ مَعَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ) أي في وقت الفعل والترك ، والمراد الوقت الذي اعتبرت نسبة الاستطاعة إلى فعل الزنى وتركه باعتبار هذا الوقت، سواء كان الواقع فيه الفعل أو الترك .
(كَانَ مُسْتَطِيعا) أي لأحدهما .
(قُلْتُ : فَعَلى مَاذَا يُعَذِّبُهُ؟) . الضمير المنصوب للزنيّ ، ويحتمل العاصي المطلق.
توهّم من نفي استطاعة الزاني لترك الزنى نفي قدرته على ترك الزنى، أي فبأيّ علّة يعذّبه وهو غير مستطيع للترك ؟
(قَالَ : بِالْحُجَّةِ الْبَالِغَةِ وَالْالَةِ الَّتِي رَكَّبَ فِيهِمْ) أي بوجود المقتضي للعذاب وعدم المانع.
أمّا المقتضي، فالحجّة البالغة للّه تعالى، كما في قوله تعالى في سورة الأنفال : «ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ»۱ فإنّ ظاهره أنّ العفو عنهم ظلم ؛ أي وضع للشيء في غير موضعه بل ظلاميّة . وتفصيله في محلّه . وعدم علمنا بخصوصيّات حججه البالغة لا يستلزم عدمها .
وأمّا عدم المانع، فلأنّه لا يتصوّر هنا مانع يكون بديهيَّ المنع إلّا الجبر، والجبر منتف بالآلة ، والمراد بها هنا جميع ما يتوقّف عليه الفعل، وجميع ما يتوقّف عليه

1.آل عمران (۳) : ۱۸۱ ـ ۱۸۲ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 67341
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي