553
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

(لِعِلْمِهِ فِيهِمْ) أي ليس إطلاق الإرادة على فعل اللّه أو تركه إلّا لاجتماعه مع هذا العلم،وليست الإرادة موجبة للكفر إلّا باعتبار اشتمال مفهومها على هذا العلم، وليس المراد بالإرادة ما أراد السائل بها .
(وَلَيْسَتْ۱إِرَادَةَ حَتْمٍ ، إِنَّمَا هِيَ إِرَادَةُ اخْتِيَارٍ) ؛ بالمعجمة والخاتمة ومهملة .
وإرادة الحتم ما يكون مع عدم استجماع العبد العلّة التامّة لصدور ضدّ ما أراد اللّه صدورَهُ عن العبد أصلاً، لا حقيقةً ولا حكما .
وإرادة الاختيار ما يكون مع الاستجماع حقيقةً أو حكما .
وفي بعض النسخ بالموحّدة بدل الخاتمة، وهو الابتلاء والفتنة في التكاليف، فإنّ اللّه تعالى قد يشدّد الفتنة في تكليف، فيكفر جمع أكثر من أن يعدّ ويحصى. وليس للمعتزلة عليه تعالى اعتراض، تبارك وتعالى عمّا يصفون .
واعلم أنّه قد يُظنّ المنافاة بين هذين الحديثين ـ أي ثاني الباب وثالثه ـ وبين روايات كثيرة رواها ابن بابويه في كتاب التوحيد ذكر فيها أنّ الاستطاعة تتعلّق بكلّ من الفعل والترك، ۲ وذلك لظنّ أنّ الاستطاعة فيهما وفيها بمعنى واحد.
وليس كذلك ؛ لأنّ الاستطاعة فيها بالمعنى الأوّل، فيصحّ أنّها تتعلّق بكلّ من الفعل والترك ردّا على المجبّرة، وفيهما بالمعنى الثاني. ومرّ بيان المعنيين في شرح عنوان الباب؛ فلا منافاة .
إن قلت : في بعضها منافاة اُخرى مع الحديثين؛ لأنّه يدلّ على أنّ القدرة تتقدّم على حال الفعل والترك:
من ذلك ما رواه عن هشام بن سالم عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «ما كلّف اللّه العباد كَلْفَة فِعلٍ، ولا نهاهم عن شيء حتّى جعل لهم استطاعة، ثمّ أمرهم ونهاهم؛ فلا يكون العبد آخِذا ولا تاركا إلّا باستطاعة متقدّمة قبل الأمر والنهي، وقبل الأخذ والترك، وقبل

1.في الكافي المطبوع : + «هي» .

2.التوحيد ، ص ۳۴۶ ، بيانه في مشيّة اللّه تعالى وإرادته .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
552

ذلك الفعل أو الترك من الأفعال أو التروك، اختار العبد ترك ذلك الفعل ، فإطلاقنا الإرادة على هذا الفعل من اللّه أو الترك منه تعالى إنّما هو باعتبار اجتماعه مع هذا العلم وهذه القدرة ، وكذا قولنا: إنّ إرادة اللّه لفعل عبدٍ يستلزم ذلك الفعل إنّما هو باعتبار اجتماعه مع هذا العلم بدليل أنّ الفعل أو الترك من اللّه تعالى إذا كان خارجا عن العلّة التامّة لفعل عبد لا يوجب ذلك الفعل من العبد إذا لم يكن معه العلم بالإفضاء، ولا شكّ أنّ التابع لأمر إذا اعتبر في مفهوم شيء، كان ذلك الشيء تابعا لذلك الأمر من هذه الحيثيّة، وإن كان متبوعا له باعتبار آخر، وهو هنا جزؤه، أي أصل الفعل أو الترك المفضي إلى فعل العبد بلا جبر بدون ملاحظة انضمام العلم إليه .
(وَهُمْ) . ضمير الجمع لرعاية جانب المعنى .
(فِي إِرَادَةِ اللّهِ وَفِي عِلْمِهِ أَنْ لَا يَصِيرُوا إِلى شَيْءٍ مِنَ الْخَيْرِ) . ذكر قوله: «وفي علمه» للإشارة إلى ما ذكرنا آنفا من أنّ العلم معتبر في مفهوم الإرادة، وأنّ وجوب المراد بالنسبة إلى الإرادة وجوب لاحق؛ فإنّ الوجوب هنا باعتبار اشتمال الإرادة على العلم فقط .
(قُلْتُ : أَرَادَ مِنْهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا؟) . الاستفهام مقدّر؛ لما كان مصداق إرادة العباد فعل غيرهم بدون طلبهم له الشوق والميل ونحو ذلك، أطلقها السائل في هذا السؤال على أحد هذه المعاني، فإنّه المتبادر إلى أذهان الذين لم يعرفوا غيره حقّ المعرفة، كما أنّ الخبز إذا اُطلق عند من يتناول خبز الاُرزّ ولم ير خبز الحنطة، لم ينصرف ذهنه إلّا إلى خبز الاُرزّ .
(قَالَ : لَيْسَ هكَذَا أَقُولُ) أي ليس قولي هكذا، اُقيم الفعل مقام المصدر، كما في قولهم : «تسمع بالمُعَيدي خيرٌ من أن تراه». والمعنى: لا أقول هذا اللفظ بهذا المعنى الذي استعملت أنت فيه .
(وَلكِنِّي أَقُولُ : عَلِمَ أَنَّهُمْ سَيَكْفُرُونَ) أي باختيارهم مع استجماعهم للعلّة التامّة لكلّ من الكفر والإيمان، وبسبب فعل أو ترك من اللّه خارج عن العلّة التامّة .
(فَأَرَادَ الْكُفْرَ ) أي فتحقّقت إرادته للكفر بهذا المعنى .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 67336
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي