559
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

عُمَيْرٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ ، قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : الْمَعْرِفَةُ) أي المعرفة التي لا يلزم حجّته تعالى إلّا بها، وهي معرفة الأحكام التكليفيّة التي يعذّب ويُثاب على مخالفتها وموافقتها .
(مِنْ صُنْعِ مَنْ هِيَ؟) أي أهي ممّا يمكن للعباد تحصيلها وكسبها بعقولهم ونظرهم بدون توقيف من اللّه تعالى أم لا؟
و«من» الاُولى بكسر الميم حرف جرّ، والثانية بفتحها اسم استفهام مجرور المحلّ بالإضافة.
وقوله: «هي» مبتدأ، والظرف قبله خبره، والمجموع خبر «المعرفة ». ويحتمل أن يكون «هي» فاعلَ الظرف .
(قَالَ : مِنْ صُنْعِ اللّهِ ، لَيْسَ لِلْعِبَادِ فِيهَا صُنْعٌ) أي لا يمكن إلّا بتعريف اللّه وتوقيفه .
وفيه ردّ على المعتزلة وعلى جمع توهّموا من صدق قاعدة التحسين والتقبيح العقليّين أنّ العقل يستقلّ بمعرفة الأحكام العقليّة الواقعيّة بل الشرعيّة أيضا. 1 وتفصيله في محلّه .
الثالث : (عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ ، عَنِ ابْنِ فَضَّالٍ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّيَّارِ : عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) في سورة التوبة :
( «وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ» 2 ) . يُقال : ما كان زيد ليفعل كذا: إذا بعد صدوره عنه لقبح الفعل وحكمة الفاعل . واللام لتأكيد النفي .
(قَالَ : حَتّى يُعَرِّفَهُمْ) ؛ بصيغة معلوم باب التفعيل .
(مَا يُرْضِيهِ وَمَا يُسْخِطُهُ) . كلّ من «يرضيه» و«يسخطه» من باب الإفعال ، فالمستتر

1.اُنظر الوافية للفاضل التوني ، ص ۱۷۱ . ولا بأس بالنظر لرسالة في التحسين والتقبيح للشيخ جعفر السبحاني ، ص ۱۲۰ .

2.التوبة (۹) : ۱۱۵ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
558

والمقصود بهذا الباب أنّ اللّه بيّن وعرّف لمن أراد تكليفه، ولولا بيانه وتعريفه لدحضت حجّته .
الأوّل : (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى وَغَيْرُهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، عَنِ ابْنِ الطَّيَّارِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : إِنَّ اللّهَ احْتَجَّ عَلَى النَّاسِ بِمَا آتَاهُمْ وَعَرَّفَهُمْ) . «ما» مصدريّة أو موصولة ، والمفعول الثاني محذوف فيهما، وهو العائد إلى الموصول؛ أي آتاهم إيّاه وعرّفهم إيّاه ؛ يُقال: آتى زيد فلانا شيئا على أفعل، أي أعطى .
وهذا إشارة إلى أمثال قوله تعالى في سورة البلد : «أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ» 1 ، أي نجد الخير والشرّ، كما يجيء في رابع الباب .
وهذا ردّ على الأشاعرة في قولهم: يجوز التكليف بما لا يطاق، 2 وفي قولهم: الوجوب عندنا ثابت بالشرع، نظر أو لم ينظر، ثبت الشرع أو لم يثبت ؛ لأنّ تحقّق الوجوب لا يتوقّف على العلم به، وإلّا لزم الدور. وليس ذلك من تكليف الغافل في شيء، فإنّه يفهم التكليف وإن لم يصدّق به . انتهى . 3
وأرادوا بالدور شبه الدور في الاستحالة؛ لأنّ العلم لا يتوقّف على المعلوم، بل هو تابع له.
واستدلالهم هذا سخيف؛ لأنّ عدم توقّف الوجوب على العلم به لا ينافي توقّفه على مقتضى للعلم به كالبيان والتعريف والنظر ونحو ذلك «لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ» 4 ولم يدحض احتجاجه تعالى على أهل النار .
الثاني : (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى وَغَيْرُهُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي

1.البلد (۹۰) : ۸ ـ ۱۰ .

2.شرح المواقف ، ج ۸ ، ص ۲۰۱ و ۲۳۰ . وحكاه عن الأشاعرة العلّامة في نهج الحقّ ، ص ۱۳۶ .

3.في حاشية «أ» : «قاله شارح مختصر الاُصول (منه)» .

4.الأنفال (۸): ۴۲.

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 78072
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي