69
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

واعلم أنّ المشهور أنّ قوله تعالى في سورة الأنبياء: «أَمْ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنْ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَا اللّهُ لَفَسَدَتَا»۱ ، وقوله تعالى في سورة المؤمنين: «مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ»۲ لنفي الشريك في صنع العالم، وذلك بإرجاع قوله: «لفسدتا» وقوله: «لذهب» إلى الدليل الثاني، وإرجاع قوله: «ولعلا» إلى الدليل الأوّل.
وهو ممنوع؛ لاحتمال ۳ كون الآيتين كقوله تعالى في سورة التوبة: «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللّهِ»۴ نفيا للشريك في الحكم في اُمور الدِّين، ونهيا عن الاختلاف فيها، ۵ بأن يُراد بالإله من يحكم فيها من عند نفسه، ويُتَّبعُ بدون إجازة الأعلى منه، وبالفساد ما يترتّب على الاختلاف فيها، وبالولد من يحكم فيها من عند نفسه مع الإجازة، وبالذهاب بما خلق الفرحُ به، كقوله تعالى في سورة المؤمنين: «كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»۶ ، وبالخَلَق الكذبُ، وبالعلوّ الاستعلاء، كقوله تعالى في سورة القَصَص: «تِلْكَ الدَّارُ الْاخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»۷ .
(قَالَ هِشَامٌ: فَكَانَ مِنْ سُؤَالِ الزِّنْدِيقِ أَنْ قَالَ: فَمَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؟) يعني ثبت أنّه لو كان للعالم محدثِ مثبِت لكان واحدا، ولكن ما الدليل على أصل وجوده؟

1.الأنبياء (۲۱) : ۲۱ ـ ۲۲ .

2.المؤمنون (۲۳) : ۹۱ .

3.في حاشية «أ» : «قوله قدّس سرّه : (لاحتمال) إلى آخره . هذا الاحتمال موافق لما ذكره في توضيح خطبة عند قوله : وجعل بقاء أهل الصحّة والسلامة بالأدب والتعليم ؛ فتذكر . (مهدي)» .

4.التوبة (۹) : ۳۱ .

5.في حاشية «أ» : «في ثاني السادس والثلاثين من كتاب التوحيد لابن بابويه عن هشام بن الحكم قال : قلت لأبى عبد اللّه عليه السلام : ما الدليل على أنّ اللّه واحد . قال : اتّصال التدبير وتمام الصنع ، كما قال عزّوجلّ : «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَا اللّه ُ لَفَسَدَتَا» ولا يبعد حمله على ما ذكره الشارح ـ أيّده اللّه ـ بأن يكون المراد أنّ اتصال التدبير وتمام الصنع يدلّ على وحدة الحاكم المستحقّ للعبادة ، ويؤيّده أنّ السائل إنّما سأل عن دليل وحدة المستحقّ للعبادة ، لا عن دليل وحدة صانع العالم» . التوحيد ، ص ۲۵۰ باب (۳۶) الردّ على الثنوية والزنادقة ، ح ۲ .

6.المؤمنون (۲۳) : ۵۳ .

7.القصص (۲۸) : ۸۳ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
68

بوجوب سابق، وإلّا لم يوجد. وأيضا يلزم أن يكون الثالث ناقصا ومن أجزاء العالم، وهذا باطل؛ لأنّه كالحاكم على الأوّلين، فهو أولى بأن يكون مدبّرا للعالم منهما.
(فَإِنِ ادَّعَيْتَ) أي بعد لزوم الثالث (ثَلَاثَةً، لَزِمَكَ مَا قُلْتُ فِي الِاثْنَيْنِ) ؛ أي ثمّ ننقل الكلام إلى الثلاثة، فنقول: لابدّ من الفرجة بينهم حتّى يكونوا ثلاثة.
(حَتّى يَكُونَ بَيْنَهُمْ فُرْجَتَانِ۱) أي فلابدّ من فرجتين بينهم إحداهما لتمييز أثر أوّلهم عن ثانيهم، ۲ والاُخرى لتمييز أثر ثانيهم عن ثالثهم. ۳(فَيَكُونُوا خَمْسَةً) أي فيلزم خلاف الفرض. وإنّما لم يكتف عليه السلام بعد نقل الكلام إلى الثلاثة بالاحتياج إلى فرجة واحدة للتمييزين حتّى يكون المجموع أربعة لا خمسة، وإن كان المطلوب ـ وهو لزوم خلاف الفرض والإفضاء إلى التسلسل ـ حاصلاً به أيضا؛ تشبيها لهم بالأجسام المترتّبة وضعا؛ أو لأنّ هناك ثلاثةَ تمييزات، وتخصيصُ واحد منها بمميّز كما هو اللازم أوّلاً، وإشراك اثنين منها بواحد مع اتّحاد النسبة تحكّم.
(ثُمَّ يَتَنَاهى) أي يبلغ (فِي الْعَدَدِ إِلى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي الْكَثْرَةِ) أي ثمّ ننقل الكلام إلى الخمسة وهكذا، ويلزم خلاف الفرض في كلّ مرتبة، ويلزم التسلسل أيضا. هذه هي الأدلّة الثلاثة على نفي الشريك له تعالى في صنع العالم. ۴

1.في الكافي المطبوع : «حتّى تكون بينهم فرجة» .

2.في حاشية «أ» : «وهو الفرجة المذكورة سابقا» .

3.في حاشية «أ» : «وأمّا تمييز أثر أوّلهم عن ثالثهم فهو فعل ثانيهم» .

4.في حاشية «أ» : «وأما الردّ على الثنوية من الكتاب فقوله عزّوجلّ : «مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَ مَا كَانَ مَعَهُ و مِنْ إِلَـهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـهِ بِمَا خَلَقَ وَ لَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَـنَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ» فأخبر اللّه تعالى أن لو كان معه آلهة لا نفرد كلّ منهم بخلقه، ولأبطل كلّ منهم فعل الآخر ، وحاول منازعته فأبطل تعالى إثبات إلهين خلاقين بالممانعة وغيرها ، ولو كان ذلك لثبت الاختلاف وطلب كلّ إله أن يعلو على صاحبه ، فإذا شاء أحدهم أن يخلق إنسانا وشاء الآخر أن يخلق بهيمة اختلفا وتباينا في حال واحد ، واضطرّهما ذلك إلى التضادّ والاختلاف والفساد ، وكلّ ذلك معدوم ، فإذا بطلت هذه الحال كذلك ثبتت الوحدانيّة بكون التدبير واحدا والخلق متّفقا غير متفاوت ، والنظام مستقيما . وأبان سبحانه لأجل هذه المقالة ومن قاربهم إلى أنّ الخلق لا يصلحون إلّا بصانع واحد ، فقال : «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَا اللّه ُ لَفَسَدَتَا» ثم نزّه نفسه فقال : «سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ» فالدليل على أنّ الصانع واحد ، حكمة التدبير وبيان التقدير. رسالة المحكم والمتشابه لعلم الهدى رحمه اللّه » .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 79446
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي