واعلم أنّ المشهور أنّ قوله تعالى في سورة الأنبياء: «أَمْ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنْ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَا اللّهُ لَفَسَدَتَا»۱ ، وقوله تعالى في سورة المؤمنين: «مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ»۲ لنفي الشريك في صنع العالم، وذلك بإرجاع قوله: «لفسدتا» وقوله: «لذهب» إلى الدليل الثاني، وإرجاع قوله: «ولعلا» إلى الدليل الأوّل.
وهو ممنوع؛ لاحتمال ۳ كون الآيتين كقوله تعالى في سورة التوبة: «اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابا مِنْ دُونِ اللّهِ»۴ نفيا للشريك في الحكم في اُمور الدِّين، ونهيا عن الاختلاف فيها، ۵ بأن يُراد بالإله من يحكم فيها من عند نفسه، ويُتَّبعُ بدون إجازة الأعلى منه، وبالفساد ما يترتّب على الاختلاف فيها، وبالولد من يحكم فيها من عند نفسه مع الإجازة، وبالذهاب بما خلق الفرحُ به، كقوله تعالى في سورة المؤمنين: «كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»۶ ، وبالخَلَق الكذبُ، وبالعلوّ الاستعلاء، كقوله تعالى في سورة القَصَص: «تِلْكَ الدَّارُ الْاخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ»۷ .
(قَالَ هِشَامٌ: فَكَانَ مِنْ سُؤَالِ الزِّنْدِيقِ أَنْ قَالَ: فَمَا الدَّلِيلُ عَلَيْهِ؟) يعني ثبت أنّه لو كان للعالم محدثِ مثبِت لكان واحدا، ولكن ما الدليل على أصل وجوده؟
1.الأنبياء (۲۱) : ۲۱ ـ ۲۲ .
2.المؤمنون (۲۳) : ۹۱ .
3.في حاشية «أ» : «قوله قدّس سرّه : (لاحتمال) إلى آخره . هذا الاحتمال موافق لما ذكره في توضيح خطبة عند قوله : وجعل بقاء أهل الصحّة والسلامة بالأدب والتعليم ؛ فتذكر . (مهدي)» .
4.التوبة (۹) : ۳۱ .
5.في حاشية «أ» : «في ثاني السادس والثلاثين من كتاب التوحيد لابن بابويه عن هشام بن الحكم قال : قلت لأبى عبد اللّه عليه السلام : ما الدليل على أنّ اللّه واحد . قال : اتّصال التدبير وتمام الصنع ، كما قال عزّوجلّ : «لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَا اللّه ُ لَفَسَدَتَا» ولا يبعد حمله على ما ذكره الشارح ـ أيّده اللّه ـ بأن يكون المراد أنّ اتصال التدبير وتمام الصنع يدلّ على وحدة الحاكم المستحقّ للعبادة ، ويؤيّده أنّ السائل إنّما سأل عن دليل وحدة المستحقّ للعبادة ، لا عن دليل وحدة صانع العالم» . التوحيد ، ص ۲۵۰ باب (۳۶) الردّ على الثنوية والزنادقة ، ح ۲ .
6.المؤمنون (۲۳) : ۵۳ .
7.القصص (۲۸) : ۸۳ .