83
الشّافي في شرح أصول الكافي 2

يَقُولُ: إِنَّ اللّهَ خِلْوٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَخَلْقَهُ خِلْوٌ مِنْهُ، وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ «شَيْءٍ» مَا خَلَا اللّهَ، فَهُوَ مَخْلُوقٌ) . مضى معناه آنفا.
(وَاللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) أي ما خلا اللّه تعالى. وضمّ هذا للتصريح بأنّ المراد بقوله: «مخلوق» إنّه مخلوق للّه تعالى.
(تَبَارَكَ الَّذِي) . البركة بفتحتين: كثرة النماء والسعادة، ونقْله إلى التفاعل يفيد مبالغة، ويُقال: تبارك اللّه بمعنى اتّصف بكلّ كمال، كما أنّ «تعالى اللّه » بمعنى تنزّه عن كلّ نقص، فلا يستعملان في غير اللّه ، وضمّ هذا لدفع ما يتوهّم من السابق، وهو اشتراك الوجود معنىً بينه وبين خلقه من التشبيه، وللإشارة إلى حسن التجوّز في التعميم في خالق كلّ شيء، وهذا التعميم وقع في القرآن أيضا؛ أي ليس يُقاس تعالى بغيره، فهو مستثنى استثناءً ظاهرا وإن لم يذكر الاستثناء.
ونظير هذا ما رواه ابن بابويه في معاني الأخبار عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سأله رجل عن قول رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء 1 على ذي لهجةٍ 2 أصدق من أبي ذرّ» وقال: فأين رسول اللّه وأمير المؤمنين؟ وأين الحسن والحسين؟ قال عليه السلام : «إنّا أهلُ بيتٍ لا يُقاس بنا أحد». 3 (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) . اقتباس من سورة الشورى، 4 والكاف للتشبيه.
و«مثل» مُقحمٌ للمبالغة وكونه كدعوى شيء ببرهانه كقولك: مثلك لا يبخل، أي أنت لا تبخل لأنّك على صفةِ كذا، وكلّ من كان على صفةِ كذا لا يبخل، فهو كدعوى له ببرهان. ومثل الشيء ما كان متّفقا معه في كلّ واحدةٍ من صفاته بأن يكون علمه ـ مثلاً ـ على قدر علمه لا ينقص عنه، وكذا قدرته ونحوهما.
والمراد بشبيه مثله تعالى شيء يصلح لأن يكون زوجا له بأن يكون كلّ منهما جسمانيّا، أو يكون كلّ منهما مجرّدا، بقرينة قوله فيما قبل: «جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجا

1.الخضراء: كناية عن السماء . والغبراء. كناية عن الأرض . وأقلّت، أي حملت ورفعت .

2.في حاشية «أ» : «اللهجة، ويحرّك : اللسان» . الصحاح ، ج ۱ ، ص ۳۳۹ (لهج) .

3.معاني الأخبار ، ص ۱۷۸ ، باب معنى قول النبي صلى الله عليه و آله ما أظلّت الخضراء و . . . ، ح ۲ .

4.الشورى (۴۲) : ۱۱ .


الشّافي في شرح أصول الكافي 2
82

الثالث: (عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ يُونُسَ، عَنْ أَبِي الْمَغْرَاءِ) ؛ بفتح الميم وسكون المعجمة والمهملة والقصر أو المدّ، اسمه: حميد بن المثنّى. 1 (رَفَعَهُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ: قَالَ: «إِنَّ اللّهَ خِلْوٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَخَلْقَهُ خِلْوٌ مِنْهُ) . الخلو ـ بكسر المعجمة وسكون اللام: الخالي، والمراد بالخلق المخلوق. والفقرة الاُولى ردّ على القائلين بحلول الحوادث فيه تعالى، 2 والفقرة الثانية ردّ على الحلوليّة من الصوفيّة القائلين بأنّه تعالى يحلّ في الأولياء، 3 ومن النصارى القائلين بأنّه تعالى حلَّ في عيسى، 4 وكلتا الفقرتين ردّ على الاتّحاديّة من الصوفيّة القائلين بأنّه تعالى متّحد مع كلّ مخلوق، ومن النصارى القائلين بأنّه تعالى متّحد مع عيسى. 5 (وَكُلُّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ «شَيْءٍ») أي كائن في نفسه (فَهُوَ مَخْلُوقٌ) أي محدث زمانا، سواءً كان باعتبار وجوده في نفسه في الخارج، أم في الذهن عند القائلين بالوجود الذهني.
(مَا خَلَا اللّهَ) ؛ بالنصب على الاستثناء. وهذه الفقرة إبطال للتعطيل، فإنّها تدلّ على أنّه يقع عليه تعالى اسم «شيء» كما يقع على مخلوقه، فهو شيء بحقيقة الشيئيّة، أي له تعالى مائيّة وإنّيّة متغايران حقيقةً كالمخلوقات، وهي منضمّةً إلى سابقها تدلّ على إبطال حلول المعاني القديمة فيه تعالى.
الرابع: (عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى الْحَلَبِيِّ، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَعْيَنَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام

1.رجال النجاشي ، ص ۱۳۳ ، الترجمة ۳۴۰ ؛ الفهرست للطوسي ، ص ۱۱۴ ، الترجمة ۲۳۶ ؛ رجال الطوسي ، ص ۱۹۲ ، الترجمة ۲۴۵ . وانظر معجم رجال الحديث ، ج ۷ ، ص ۳۰۹ ، الترجمة ۴۰۹۷ .

2.مثل الكرامية ، كما حكاه عنهم الأسفرائيني البغدادي في الفرق بين الفرق ، ص ۱۷۳ ، والعلّامة في معارج الفهم في شرح النظم ، ص ۳۶۱ .

3.حكاه عنهم الرازي في تفسيره الكبير ، ج ۱۱ ، ص ۱۹۱ ، و ج ۲۴ ، ص ۱۲۸ . وانظر الفتوحات المكيّة ، ج ۲ ، ص ۳۳۴ .

4.حكاه الرازي في تفسيره ، ج ۱۶ ، ص ۲۸ .

5.تفصيل الكلام في معارج الفهم في شرح النظم ، ص ۳۶۳ ؛ تلخيص المحصّل للطوسي ، ص ۲۶۰ .

  • نام منبع :
    الشّافي في شرح أصول الكافي 2
    المساعدون :
    الدرایتي، محمد حسین
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دار الحدیث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1430ق / 1388 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 79537
الصفحه من 584
طباعه  ارسل الي