بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيا بَيْنَهُمْ» 1 . والمقصود أنّه لو لم يكن أخذ العهد على العلماء ببذل العلم قبل أخذ العهد على الجهّال بالطلب في كلّ شريعة وكتابٍ إلهي لما جاء جميع الذين اُوتوا الكتاب ذلك العلم قبل اختلافهم بسبب جهالاتهم الاجتهاديّة ، أي لم يحصل لهم العلم بحظر الاختلاف .
ويظهر بهذا التقرير أحد وجوه دفع المنافاة بين هذا الحديث وما يجيء في «كتاب الحجّة» في الثالث والتاسع من العشرين . 2
الثاني : (عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَرْقِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام فِي هذِهِ الْايَةِ) في سورة لقمان : ( «وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّاسِ» 3 قَالَ : لِيَكُنِ النَّاسُ عِنْدَكَ فِي الْعِلْمِ) أي في تعليم العلم (سَوَاءً) ؛ فإنّ الصَعَر محرّكةً : ميل في الوجه أو في العنق من الكِبر ، ويُنسب إلى الخدّ لأنّه جزء الوجه 4 ، أو داء في البعير يلوي عنقه منه . وتصعير الخدّ لأحد صرف الوجه عنه تهاونا به وتكبّرا ، 5 وتعديته باللام لتضمين معنى الإبداء ، أي لا تمل خدّك عن الاستقامة مبديا إيّاه للناس . وأصله أنّ من يصرف وجهه عن أحد يُبدي أحد خدّيه له بتمامه ، ومنه ما في «كتاب الروضة» قبيل خطبة عليّ بن الحسين : «مَن أبدى صفحته للحقّ هلك» 6 أي مَن صرف وجهه عن الحقّ هلك .
ولمّا كان المراد بالعلم هنا الآيات البيّنات المحكمات موافقا لما مضى في شرح سابع العاشر 7
، لم يناف هذا ما يجيء في أوّل الثاني والعشرين من تخصيص رسول
1.آل عمران (۳) : ۱۹ .
2.أي الحديث ۳ و ۹ من باب أنّ أهل الذكر الذين أمر اللّه الخلق بسؤالهم هم الأئمة عليهم السلام .
3.لقمان (۱۸) : ۱۸ .
4.ترتيب كتاب العين ، ج ۲ ، ص ۹۸۹ ؛ النهاية ، ج ۳ ، ص ۳۱ (صعر) .
5.الإفصاح في فقه اللغة ، ج ۲ ، ص ۷۶۲ (الصعر) .
6.الكافي ، ج ۸ ، ص ۶۸ ، ح ۲۳ .
7.أي الحديث ۷ من باب سؤال العالم وتذاكره .