21
الكافي ج1

وكان الصراع بين المدرستين يشتدّ تارة ويخفّ أو يتلاشى اُخرى بحسب مواقف السلطة ومبتنياتها الفكريّة، ولهذا نجد انتعاش المدرسة العقليّة في عهد المأمون (198 ـ 218 ه ) لميله إليها، وحتّى عهد الواثق (227 ـ 232 ه )، ولمّا جاء المتوكّل (232 ـ 247ه ) أظهر ميله إلى المدرسة السلفيّة، وأرغم الناس على التسليم والتقليد، ونهاهم عن المناظرة والجدل ، وعمّم ذلك على جميع بلاد الإسلام ۱ ، وسار على نهجه المعتمد والمعتضد ۲ .
وممّن عرف من رجال المدرسة السلفيّة في بلاد الريّ الفضل بن غانم الخزاعي. ومن أنصار المعتزلة في الريّ قاضيها جعفر بن عيسى بن عبداللّه‏ بن الحسن بن أبي الحسن البصري (م 219 ه )، حيث كان يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن أيّام المحنة ببغداد.
ويكفي أنّ أشهر المعتزلة القاضي عبد الجبّار المعتزلي المولود بالريّ سنة (325ه) قبل وفاة ثقة الإسلام الكليني رحمه‏اللهبأربع سنين قد تقلّد منصب قاضي القضاة في الريّ .

4 ـ الزيديّة:

كان للزيديّة وجود في بلاد الريّ، ويدلّ عليه دخول جماعة من أهل الريّ على الإمام أبي جعفر الجواد عليه ‏السلام ببغداد، وكان فيهم رجل زيديّ، وجماعته لا يعلمون مذهبه، فكشف لهم الإمام عليه ‏السلام عن مذهبه ۳ ، ومن المستبعد أن يكون هو الزيدي الوحيد في تلك البلاد، خصوصا و أنّ الدولة العلويّة في طبرستان قد سيطرت على الريّ ، وفي قادتها من أعلام الزيديّة الكثير نظير عيسى بن محمّد العلوي أحد كبار العلماء في الريّ.

5 ـ النجاريّة:

وهم أتباع الحسين بن محمّد النجار ، وقد افترقت بناحية الريّ إلى فرق كثيرة يكفّر بعضها بعضا ۴ ، وقد عدّ المصنّفون في المقالات فرق النجاريّة من الجبريّة ۵ في حين

( 1 ) كتاب العقل والجهل

1.راجع: تاريخ اليعقوبي ، ج ۲ ، ص ۴۸۴ ـ ۴۸۵؛ التنبيه والإشراف ، ص ۳۱۴.

2.البداية والنهاية ، ج ۱۱ ، ص ۷۴؛ تاريخ الخلفاء ، ص ۲۹۴ و۲۹۹.

3.الهداية الكبرى ، ص ۳۰۲؛ الخرائج والجرائح ، ج ۲ ، ص ۶۶۹ ، ح ۱۲.

4.الفَرْقُ بين الفِرَق ، ص ۲۲ .

5.الملل والنحل ، ج ۱ ، ص ۹۵ .


الكافي ج1
20

اختلاط أوراقه بين نظريّتين، جعل إسلام الرازيّين ـ في ذلك الحين ـ غضّا طريّا قابلاً لأن يتأثّر بأيّ اتّجاه ويصطبغ بلونه، ومن هنا كانت لبقية الخوارج الذين ارتثوا في معركة النهروان سنة (40 ه ) صوت يسمع في بلاد الريّ، حيث اتّخذوها موطنا، ومنها خرجت أنصارهم في معاركهم العديدة مع الاُمويّين.

2 ـ النواصب:

انتقل النصب ـ وهو عداوة أهل البيت عليهم ‏السلام ـ إلى الريّ منذ أن وطأت أقدام الاُمويّين السلطة بعد صلح الإمام الحسن السبط عليه ‏السلام سنة (41 ه )، حيث سنّ معاوية بدعته في سبّ أمير المؤمنين عليه ‏السلام على منابر المسلمين، وكان منبر الريّ واحدا منها!
ولا شكّ في أنّ بقاء بدعة سبّ الوصيّ عليه ‏السلام زهاء ستّين عاما كافية لأن تنشأ عليها أجيال لا تعرف من إسلامها شيئا إلّا من عصم اللّه‏.
ونتيجةً لوجود الهوى الاُموي السفياني بين أهل الريّ فقد انتشرت في أوساطهم عقيدة الإرجاء ، واستمرّ وجودها إلى زمان ثقة الإسلام الكليني، تلك العقيدة الخبيثة التي شجّعتها الاُمويّة ؛ لتكون غطاء شرعيّا لعبثها في السلطة، ومبرّرا لاستهتارها بمقدّرات الاُمّة ، واستباحتها لكلّ حرمة ، ونبذها كتاب اللّه‏ والسنّة المطهّرة .

3 ـ المعتزلة:

تأثّرت الريّ كغيرها من مدن الإسلام بآراء المدرستين الآتيتين، وهما:
1 ـ المدرسة السلفيّة : وهي المدرسة التي كانت تهدف إلى إحياء المفاهيم السلفيّة الموروثة عن السلف وتحكيمها في مناحي الحياة، ورفض المناظرة والجدل، ويمثّل هذه المدرسة الفقهاء والمحدّثون من العامّة، وقد بسطت هذه المدرسة نفوذها على مجمل الحركة الفكريّة في بلاد الإسلام، إلّا في فترات محصورة ومحدودة ترجّحت فيها كفّة المدرسة الثانية.
2 ـ المدرسة العقليّة : وهي المدرسة التي استخدمت المنهج العقلي في فهم وتحليل جملة من النصوص التي تستدعي التوفيق بين أحكام الشرع وأحكام العقل، وكان روّاد هذه المدرسة الشيعة والمعتزلة، حيث اعتمدوا المنهج العقلي في تفسير ما لم يرد فيه أثر صحيح.

  • نام منبع :
    الكافي ج1
    تعداد جلد :
    15
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 345272
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي