23
الكافي ج1

البقاء وأسباب الخلود على رغم العواصف العاتية التي وقفت حائلاً بوجه امتداده.
وهكذا كان للضغط السياسي المتواصل على الشيعة دورٌ في امتداد التشيّع خارج رقعته الجغرافيّة، بحيث استطاع في الشرق أن يمصِّرَ مدنا ويبني دولة في الطالقان، وأن يؤسّس في الغرب الإسلامي دولة كبرى لا زال أزهر مصر يشهد على فضلها وآثارها.
وبعد هذه المقدّمة الخاطفة لنرى كيف استطاع التشيّع أن يشقّ طريقه إلى الريّ بعد أن عرفنا نصبها وعداوتها لأهل البيت عليهم ‏السلام ، فضلاً عمّا كان فيها من اتّجاهات مذهبيّة وطوائف مختلفة، مضافا لموقف السلطة المساند لهذا الإتّجاه أو ذاك ما خلا الشيعة؟
كانت الصفة الغالبة على أهل الريّ قبل عصر الكليني هي الاُمويّة السفيانيّة الناصبة، مع تفشّي الآراء المتطرّفة والأفكار المنحرفة، والفرق الكثيرة التي لا تدين بمذهب آل محمّد صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله ، لكن لم يعدم الوجود الشيعي في الريّ، وإنّما كان هناك بعض الشيعة من الرازيّين الذين اعتنقوا التشيّع تأثّرا بمبادئه، وساعدهم على ذلك وجود بعض الموالي الشيعة من الفرس في الكوفة في زمان أمير المؤمنين عليه ‏السلام ، مضافا لمن سكن الريّ من شيعة العراق، ومن استوطنها من أبناء وأحفاد أهل البيت عليهم ‏السلام الذين جاؤوها هربا من تعسّف السلطات. ويظهر من خلال بعض النصوص أنّ الشيعة فيها كانوا في تقيّة تامّة، حتّى بلغ الأمر أنّ السيّد الجليل عبدالعظيم الحسني الذي سكن الريّ وكان من أجلّاء أصحاب الإمامين الهادي والعسكري عليهماالسلام ، لم يعرفه أحد من شيعة الريّ إلى حين وفاته، حيث وجدوا في جيبه ـ وهو على المغتسل ـ رقعة يذكر فيها اسمه ونسبه!

المبحث الثاني : بغداد سياسيّا وفكريّا في عصر الكليني

المطلب الأوّل: الحياة السياسيّة ببغداد

امتاز العصر العبّاسي الأوّل (132 ـ 232 ه ) بسيطرة العبّاسيّين على زمام الاُمور سيطرة محكمة، وإدارة شؤون الدولة بحزم وقوّة، بخلاف العصر العبّاسي الثاني الذي ابتدأ بمجيء المتوكّل إلى السلطة وانتهى بدخول البويهيّين إلى بغداد سنة (344 ه ) حيث تدهورت فيه الأوضاع السياسيّة كثيرا ، لاسيّما في الفترة الأخيرة منه، وهي التي

[ 1 ] كِتَابُ الْعَقْلِ وَ الْجَهْلِ ۱

۱.أَخْبَرَنَا۲أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ ، قَالَ : حَدَّثَنِي عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ : مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْعَطَّارُ ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ رَزِينٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ :
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه ‏السلام ، قَالَ: «لَمَّا خَلَقَ اللّه‏ُ الْعَقْلَ ۳ اسْتَنْطَقَهُ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَقْبِلْ، فَأَقْبَلَ،

1.الطبعة القدیمة للکافی : ۱/ ۱۰

2.. الظاهر أنّ قائل «أخبرنا» أحد رواة الكافي من النعماني والصفواني وغيرهما ، ويحتمل أن يكون القائل هو المصنّف رحمه‏الله كما هو دأب القدماء. مرآة العقول ، ج۱ ، ص۲۵.

3.. في مرآة العقول ، ج۱ ، ص۲۵ : «إنّ العقل هو تعقّل الأشياء وفهمها في أصل اللغة ، واصطلح إطلاقة على اُمور : الأوّل : هو قوّة إدراك الخير والشرّ والتميّز بينهما ، والتمكّن من معرفة أسباب الاُمور ذوات الأسباب ، وما يؤدّي إليها وما يمنع منها. والعقل بهذا المعنى مناط التكليف والثواب والعقاب. الثاني : ملكة وحالة في النفس تدعو إلى اختيار الخيرات والمنافع ، واجتناب الشرور والمضارّ ، وبها تقوى النفس على زجر الدواعي الشهوانيّة والغضبيّة... . الثالث : القوّة التي يستعملها الناس في نظام اُمور معاشهم ؛ فإن وافقت قانون الشرع واستعملت فيها، استحسنه الشارع وتسمىّ بعقل المعاش ، وهو ممدوح في الأخبار ، ومغايرته لما قد مرّ بنوع من الاعتبار ؛ وإذا استعملت في الاُمور الباطلة والحيل الفاسدة تسمّى بالنكراء والشيطنة في لسان الشرع... . الرابع : مراتب استعداد النفس لتحصيل النظريّات وقربها وبعدها من ذلك ، وأثبتوا لها مراتب أربعا سمّوها بالعقل الهيولاني والعقل بالملكة والعقل بالفعل والعقل المستفاد. وقد تطلق هذه الأسامي على النفس في تلك المراتب... . الخامس : النفس الناطقة الإنسانيّة التي بها يتميّز عن سائر البهائم. السادس : ما ذهب إليه الفلاسفة من جوهر مجرّد قديم لا تعلّق له بالمادّة ذاتا ولا فعلاً...» . وها هنا مباحث شريفة جدّا ، فللاطّلاع عليها وللمزيد راجع : شرح صدر المتألّهين ، ص۱۶ - ۱۸ ؛ شرح المازندراني ، ج۱ ، ص۶۸ ـ ۷۷ ؛ الوافي ، ج۱ ، ص۵۲ ـ ۵۶ ؛ حاشية ميرزا رفيعا ، ص ۴۱ ـ ۴۴.


الكافي ج1
22

6 ـ المذاهب العامّيّة:

انحصر وجود المذاهب العامّيّة بالريّ في مذهبين، وهما: المذهب الحنفي، والشافعي. وأمّا المذهب المالكي فقد كان امتداده في المغرب الإسلامي بفضل تلامذة مالك بن أنس، ولم يمتدّ إلى المشرق الإسلامي كثيرا، وأمّا عن مذهب أحمد بن حنبل فهو أقلّ المذاهب الأربعة أتباعا، وآخرها نشأة، ولم تكن له تلك القدرة العلميّة الكافية التي تسمح له بالامتداد خارج محيطه بغداد في عصر نشأته، سيّما وأنّ أحمد بن حنبل لم يكن فقيها، بل كان محدّثا؛ ولهذا أهمله الطبري ـ المعاصر لثقة الإسلام الكليني ـ في كتابه الشهير اختلاف الفقهاء ، الأمر الذي يفسّر لنا عدم امتداد فكر أتباعه في عصر الكليني إلى الريّ على الرغم من وقوف السلطة العبّاسيّة إلى جانب الحنابلة بكلّ قوة.
ومهما يكن فإنّ أغلب أهل الريّ كانوا من الحنفيّة والشافعيّة، وأكثرهم من الأحناف، كما صرّح به الحموي ۱ . ثمّ انحسر الوجود العامّي في الريّ بعد سنة (275 ه ).
ونتيجة لهذا الخليط الواسع في الريّ، من نواصب وزيديّة ومعتزلة وجبريّه‏وأحناف وشافعيّة، فقد ظهر الكذّابون والمتروكون في تلك البلاد ، كما كثر المنجّمون في تلك البلاد بصورة واسعة.

7 ـ المذهب الشيعي:

إنّ اتّفاق جميع من كتب في المقالات والفرق على أسبقيّة التشيّع على سائر المذاهب والفرق التي نشأت في الإسلام، لهو دليل كافٍ على صدق ما تدّعيه الشيعة من عراقة مذهبها، وكونه المعبّر الواقعي عن مضمون رسالة الإسلام، ومن هنا حمل التشيّع عناصر

1.معجم البلدان ، ج ۳ ، ص ۱۱۷ و ۱۲۱ .

  • نام منبع :
    الكافي ج1
    تعداد جلد :
    15
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 294580
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي