أَجْوَافَ لَهَا، مِثْلِ الْحَجَرِ ۱ وَالْحَدِيدِ وَسَائِرِ الاْءَشْيَاءِ الْمُصْمَتَةِ الَّتِي لاَ أَجْوَافَ لَهَا، تَعَالَى اللّهُ عَنْ ذلِكَ عُلُوّا كَبِيراً، فَأَمَّا مَا جَاءَ فِي الاْءَخْبَارِ مِنْ ۲ ذَلِكَ، فَالْعَالِمُ عليه السلام أَعْلَمُ بِمَا قَالَ.
وَهذَا الَّذِي قَالَ عليه السلام ـ أَنَّ ۳ الصَّمَدَ هُوَ السَّيِّدُ الْمَصْمُودُ إِلَيْهِ ـ هُوَ مَعْنًى صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ» .
وَالْمَصْمُودُ إِلَيْهِ: الْمَقْصُودُ فِي اللُّغَةِ.
قَالَ أَبُو طَالِبٍ فِي بَعْضِ مَا كَانَ يَمْدَحُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله مِنْ شِعْرِهِ ۴ :
وَ بِالْجَمْرَةِ الْقُصْوى إِذَا صَمَدُوا لَهَايَوءُمُّونَ۵قَذْفاً۶رَأْسَهَا بِالْجَنَادِلِ۷
1.. في شرح المازندراني ، ج ۴ ، ص ۸۰ : «قوله: «مثل الحجر» إلى قوله: «لها» في بعض الكتب نسخة وفي بعضها أصل».
2.. في حاشية «بح»: «في».
3.. «أنّ» بدل من مفعول «قال» المحذوف الراجع إلى الموصول وليس مقولَ قال.
4.. في «ب ، بر ، بف»: «الشعر».
5.. في حاشية «ض» : «يرومون» . وفي «بر» وشرح صدر المتألّهين : «يرمون».
6.. هكذا في «ب ، ج، ض ، بر ، بس ، بف» وحاشية «ف ، و ، بح» وشرح المازندراني والوافي وكثير من المصادر . وفي «بح» وحاشية «ج، بر» وشرح صدر المتألّهين : «رضحا» بمعنى الكسر . وفي «ف ، و» وحاشية «ض ، بف» والمطبوع: «رضخا» بمعنى الرمي بالحجارة ؛ كالقذف .
7.. الوزن : بحر طويل . والقائل : أبوطالب رضىاللهعنه ، وهو عبد مناف بن عبد المطّلب بن هاشم ، عمّ الرسول صلى الله عليه و آله ، ووالد أميرالمؤمنين عليه السلام ، من سادات قريش ورؤسائها ، ومن أبرز خطبائها العقلاء ، و حكمائها الاُباة ، و شعرائها المبدعين كفل الرسول صلى الله عليه و آله بعد وفاة عبدالمطّلب ، وأحبّه حبّا شديدا ، وقدّمه على ولده جميعا ، فكان لاينام إلاّ إلى جنبه ، وكان يخرجه معه . ولمّا بعث النبيّ صلى الله عليه و آله بالإسلام وبدأ بالدعوة إليه كان أبوطالب المحامي الأوّل للرسول صلى الله عليه و آله والمدافع عنه و عن أصحابه من المؤمنين . و كان يحرّض بني هاشم وأحلافهم من بني المطّلب على نصرته .
قال ابن سعد : ثمّ إنّ أبا طالب دعا بني عبد المطّلب ، فقال : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمّد صلى الله عليه و آله وما اتّبعتم أمره ، فاتّبعوه وأعينوه ترشدوا. وقد تحمّل أبوطالب ورهطه الهاشميّون مع النبيّ صلى الله عليه و آله الحصار العسير في شعب أبي طالب . وبعد ثلاث سنوات من الحصار لبّى أبوطالب نداء ربّه وذلك في السنة العاشرة للبعثة النبويّة المباركة ، وتولّى غسله وتكفينه وتحنيطه ابنه أميرالمؤمنين عليه السلام بأمر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقال صلى الله عليه و آله : «أما واللّه لأشفعنّ لعمّي شفاعة يعجب منها أهل الثقلين» . وعندها صبّت قريش حممها على النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله حتّى قال : «ما نالت قريش منّي شيئا أكرهه حتّى مات أبوطالب» . (اُنظر : ترجمته في سيرة ابن هشام ، ج ۱ ، ص ۱۸۹ ؛ الطبقات الكبرى لابن سعد ، ج ۱ ، ص ۱۱۹ ؛ الكامل في التاريخ ، ج ۲ ، ص ۹۰ ؛ الإصابة لابن حجر ، ج ۴ ، ص ۱۱۵ ؛ الأعلام للزركلي ، ج ۴ ، ص ۱۶۶ ؛ شرح نهج البلاغه لابن أبي الحديد ، ج ۱۴ ، ص ۷۶ـ۷۷ ؛ إيمان أبي طالب للمفيد ، ص ۲۵ ـ ۲۶) . أمّا إيمانه رضي اللّه عنه فهو مفروغ عنه ، إلاّ أنّه كان يكتم إيمانه لمصالح خاصّة اقتضتها الظروف الموضوعيّة التي واجهها النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله في بداية دعوته .
ويدلّ على إيمانه سيرته العمليّة في تعامله مع الرسول صلى الله عليه و آله ورسالته ، ومن تصفّح ديوان شعره يجد صريح إقراره بالتوحيد ، واعترافه بالنبوّة ولايجد ذلك إلاّ مكابر أو معاند للحقّ ، وقد كتب جملة من كبار علماء الإسلام في سيرة أبي طالب وما يثبت إسلامه وحسن إيمانه . (عدّ الشيخ المفيد في مقدّمة رسالته إيمان أبي طالب ، سبعة و ثلاثين كتابا مصنّفا في إيمان أبي طالب ، والرسالة من تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة في مؤسّسة البعثة ، وانظر : مجلّة تراثنا ، العددين ۶۳ و ۶۴ ، الصفحات ۱۶۳ـ۲۳۳ مقال : معجم ما أُلّف عن أبي طالب عليه السلام ، بقلم عبداللّه صالح المنتفكى). وهذا البيت من قصيدة أبي طالب اللاميّة المشهورة والتي تدلّ على صريح إيمانه باللّه وإقراره بالنبوّة .
وروى أبوهفّان منها (۱۱۱) بيتا ، ورواها ابن إسحاق والواقدي وابن هشام واليعقوبي وأبو الفرج الأصفهاني والماوردي والسهيلي وابن كثير والذهبي والسيوطي والحلبي والبغدادي وغيرهم . وتجد بعض أبياتها في مسند أحمد ، وصحيح البخاري ، وسنن ابن ماجة ، ودلائل النبوّة وغيرها . (شعر أبي طالب وأخباره لأبي هفّان ، ص ۲۶ و ۳۳ ؛ السيرة النبويّة لابن إسحاق ، ص ۱۵۶ ؛ المغازي للواقدي ، ج ۱ ، ص ۷۰ ؛ السيرة النبويّة لابن هشام ، ج ۱ ، ص ۲۹۱ـ۲۹۹ ؛ تاريخ اليعقوبي ، ج ۲ ، ص ۲۵ ؛ الأغاني لأبي الفرج ، ج ۱۸ ، ص ۲۰۶ ؛ أعلام النبوّة للماوردي، ص ۱۷۲ ؛ الروض الأنف ، ج ۲ ، ص ۱۳ ؛ البداية والنهاية ، ج ۱ ، ص ۱۵۴ ؛ و ج ۲ ، ص ۱۷۸ و ۲۳۶ ؛ و ج ۳ ، ص ۵۱ ؛ و ج ۶ ، ص ۴۶ و ۹۳ و ۲۶۹ ؛ الخصائص الكبرى للسيوطي ، ج ۱ ، ص ۱۴۶ ؛ السيرة النبويّة للحلبي ، ج ۱ ، ص ۱۰۹ ؛ خزانة الأدب ، ج ۲ ، ص ۵۶ و ۷۵ ؛ و ج ۶ ، ص ۱۶۹ ؛ مسند أحمد ، ج ۲ ، ص ۹۳ ؛ صحيح البخاري ، ج ۲ ، ص ۵۰۸ ؛ إيمان أبي طالب للمفيد ، ص ۱۸ و ۲۱ ؛ الأمالي للطوسي ، ص ۷۶ ، ح ۱۱۰ ؛ كنز الفوائد للكراجكي ، ج ۱ ، ص ۱۷۹ ؛ الغدير للأميني ، ج ۲ ، ص ۴ ؛ و ج ۷ ، ص ۳۴۶ و ۳۷۴ و ۳۷۵ و ۳۹۱ ؛ وغيرها كثير). وقد تعرّض لشرح هذه القصيدة الكثير من العلماء ، منهم : السهيلي في الروض الأنف ، والبغدادي في الخزانة ، واللكهنوي في شرح قصيدة أبي طالب، و علي فهمي في طلبة الطالب بشرح لاميّة أبي طالب. (اُنظر : شعر أبي طالب وأخباره لأبي هفّان ، هامش ص ۳۵) .
وهذا البيت موجود في الديوان إلاّ أنّ فيه : «وبالجمرة الكبرى » بدل «وبالجمرة القصوى». (شعر أبي طالب و أخباره ، ص ۲۴) .
شرح الغريب منه : الجمرة : الحصاة ، وموضع رمي الجمار بمنى ، وهي ثلاث جمرات : الاُولى والوسطى والكبرى، وهي جمرة العقبة ، والقصوى: البعيدة . (الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۴۶۳ ، قصو ) ولعلّ المراد بها جمرة العقبة . وصمدوا لها : قصدوا نحوها (الصحاح ، ج ۲ ، ص ۴۹۹ ، صمد) . وأمّ الشيء : قصده (لسان العرب ، ج ۶ ، ص ۲۲ ، أمم) . والقذف والرضخ : الرمي بالحجارة (لسان العرب ، ج ۳ ، ص ۱۸ ، رضخ). والجنادل : جمع جندل ، وهو الحصاة أو الحجارة الصغيرة التي تسمّى بالجمار. (اُنظر : لسان العرب ، ج ۱۱ ، ص ۱۲۸ ، جندل) . الشاهد فيه : قوله : (صمدوا لها) أي : قصدوا لها ، وقد أورده الشيخ الكليني شاهدا على هذا المعنى المتحقّق في اللغة ، والذي دلّت عليه أحاديث المعصومين عليهم السلام في بيان معنى الصمد .