379
الكافي ج1

وَحِزْبِ الشَّيْطَانِ، وَقَدَرِيَّةِ هذِهِ الاْءُمَّةِ وَمَجُوسِهَا، إِنَّ اللّه‏َ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ كَلَّفَ تَخْيِيراً ۱ ، وَنَهى تَحْذِيراً، وَأَعْطى عَلَى الْقَلِيلِ كَثِيراً، وَلَمْ يُعْصَ ۲ مَغْلُوباً، وَلَمْ يُطَعْ مُكْرِهاً ۳ ، وَلَمْ يُمَلِّكْ ۴ مُفَوِّضاً، وَلَمْ يَخْلُقِ السَّمَاوَاتِ وَالاْءَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً، وَلَمْ يَبْعَثِ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ عَبَثاً «ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ‏لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ»۵ ، فَأَنْشَأَ

1.. في شرح صدر المتألّهين ، ص ۴۰۵ : «تخييرا ، مصدر سدّ مسدّ الخبر ، أي حال كونهم مختارين . وتحذيرا ، مفعول له » .

2.. في مرآة العقول : «يمكن أن يقرأ الفعلان ـ أي لم يعص ولم يطع ـ على بناء الفاعل ويكون الفاعل المطيع والعاصي ، وهما بعيدان».

3.. قوله: «مكرها» إمّا اسم فاعل ، أو اسم مفعول بمعنى المصدر . اُنظر : شرح المازندراني ، ج ۵ ، ص ۱۴؛ مرآة العقول ، ج ۲ ، ص ۱۸۱.

4.. في مرآة العقول : «لم يملّك، على بناء التفعيل ، والمفعول القدرة والإرادة والاختيار . أو على بناء الإفعال؛ بمعنى إعطاء السلطنة».

5.. صآ (۳۸) : ۲۷ . وقال العلاّمة الطباطبائي قدس‏سره : «مسألة القضاء والقدر من أقدم الأبحاث في تاريخ الإسلام ، اشتغل به المسلمون في أوائل انتشار الدعوة الإسلاميّة وتصادفها مع أنظار الباحثين من علماء الملل والأديان ، ولمّا كان تعلّق القضاء الحتم بالحوادث ومن بينها بالأفعال الاختياريّة من الإنسان يوجب بحسب الأنظار العامّية الساذجة ارتفاع تأثير الإرادة في الفعل ، وكون الإنسان مجبورا في فعله غير مختار ؛ تشعّب جماعة الباحثين (وهم قليل البضاعة في العلم يومئذٍ) علي فرقتين : إحداهما ـ وهم المجبّرة ـ أثبتوا تعلّق الإرادة الحتميّة الإلهيّة بالأفعال كسائر الأشياء ، وهو القدر ، وقالوا بكون الإنسان مجبورا غير مختار في أفعاله ، والأفعال مخلوقة للّه‏ تعالى ، وكذا أفعال سائر الأسباب التكوينيّة مخلوقة له . وثانيتهما ـ وهم المفوّضة ـ أثبتوا اختياريّة الأفعال ، ونفوا تعلّق الإرادة الإلهيّة بالأفعال الإنسانيّة ، فاستنتجوا كونها مخلوقة للإنسان . ثمّ فرّع كلّ من الطائفتين على قولهم فروعا ، ولم يزالوا على ذلك حتّى تراكمت هناك أقوال وآراء يشمئزّ منها العقل السليم ، كارتفاع العلّيّة بين الأشياء ، وخلق المعاصي ، والإرادة الجزافيّة ، ووجود الواسطة بين النفي والإثبات ، وكون العالم غير محتاج في بقائه إلى الصانع ، إلى غير ذلك من هوساتهم . والأصل في جميع ذلك عدم تفقّههم في فهم تعلّق الإرادة الإلهيّة بالأفعال وغيرها ، والبحث فيه طويل الذيل لايسعه المقام علي ضيقه ، غير أنّا نوضح المطلب بمَثَل نضربه ، ونشير به إلى خطأ الفرقتين ، والصواب الذي غفلوا عنه ؛ فلنفرض إنسانا اُوتي سعة من المال والمنال والضياع والدار والعبيد والإماء ، ثمّ اختار واحدا من عبيده ـ وزوّجه إحدى جواريه ـ وأعطاه من الدار والأثاث ما يرفع حوائجه المنزليّة ، ومن المال والضياع ما يسترزق به في حياته بالكسب والتعمير . فإن قلنا : إنّ هذا الإعطاء لايؤثّر في تملّك العبد شيئا والمولى هو المالك وملكه بجميع ما أعطاه قبل الإعطاء وبعده على السواء ، كان ذلك قول المجبّرة . وإن قلنا : إنّ العبد صار مالكا وحيدا بعد الإعطاء وبطل به ملك المولى ، وإنّما الأمر إلى العبد يفعل ما يشاء في ملكه ، كان ذلك قول المفوّضة . وإن قلنا ـ كما هو الحقّ ـ : إنّ العبد يتملّك ما وهبه له المولى في ظرف ملك المولى وفي طوله لا في عرضه ، فالمولى هو المالك الأصلي والذي للعبد ملك في ملك ، كما أنّ الكتابة فعل اختياري منسوب إلى يد الإنسان وإلى نفس الإنسان ، بحيث لايبطل إحدى النسبتين الاُخرى ، كان ذلك القول الحقّ الذي يشير عليه ‏السلام إليه في هذا الخبر . فقوله عليه ‏السلام : «لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب» إلى قوله : «وأعطى على القليل كثيرا» إشارة إلى نفي مذهب الجبر بمحاذير ذكرها عليه ‏السلام ، ومعناها واضح . وقوله : «ولم يعص مغلوبا» إشارة إلى نفي مذهب التفويض بمحاذيرها اللازمة ؛ فإنّ الإنسان لو كان خالقا لفعله ، كان مخالفته لما كلّفه اللّه‏ من الفعل غلبة منه على اللّه‏ سبحانه . وقوله : «ولم يطع مكرها» نفي للجبر ، ومقابلة للجملة السابقة ؛ فلو كان الفعل مخلوقا للّه‏ ـ وهو الفاعل ـ فقد أكره العبد على الإطاعة . وقوله : «ولم يملك مفوّضا» بالبناء للفاعل وصيغة اسم الفاعل ، نفي للتفويض ، أي لم يملك اللّه‏ ما ملّكه العبد من الفعل بتفويض الأمر إليه وإبطال ملك نفسه . وقوله عليه ‏السلام : «ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلاً ، ولم يبعث النبيين مبشّرين ومنذرين عبثا» الجملتان يحتمل أن يشار بهما إلى نفي كلّ من الجبر والتفويض ؛ فإنّ الأفعال إذا كانت مخلوقة للّه‏ قائمة به سبحانه ، كان المعاد الذي هو غاية الخلقة أمرا باطلاً ؛ لبطلان الثواب والعقاب إلى آخر ما ذكره عليه ‏السلام ، وكان بعث الرسل لإقامة الحجّة وتقدمة القيامة عبثا ، ولا معنى لأن يقيم تعالى حجّة على فعل نفسه ، وإذا كانت مخلوقة للإنسان ولا تأثير للّه‏ سبحانه فيها ، لزم أن تكون الخلقة لغاية لايملك اللّه‏ تعالى منه شيئا وهو الباطل ، وبعث الرسل لغرض الهداية التي لايملكها إلاّ الإنسان ليس للّه‏ فيها شأن وهو العبث . واعلم أنّ البحث عن القضاء والقدر كان في أوّل الأمر مسألة واحدة ، ثمّ تحوّلت ثلاث مسائل أصليّة : الاُولى : مسألة القضاء وهو تعلّق الإرادة الإلهيّة الحتميّة بكلّ شيء ، والأخبار تقضي فيها بالإثبات ، كما مرّ في الأبواب السابقة . الثانية : مسألة القدر ، وهو ثبوت تأثير ماله تعالى في الأفعال ، والأخبار تدلّ فيها أيضا على الإثبات . الثالثة : مسألة الجبر والتفويض ، والأخبار تشير فيها إلى نفي كلا القولين ، وتثبت قولاً ثالثا ، وهو الأمر بين الأمرين ، لا ملكا للّه‏ فقط من غير ملك الإنسان ولا بالعكس ، بل ملكا في طول ملك ، وسلطنة في ظرف سلطنة . واعلم أيضا أنّ تسمية هؤلاء بالقدريّة مأخوذة ممّا صحّ عن النبيّ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله : «إنّ القدريّة مجوس هذه الاُمّة» الحديث ، فأخذت المجبّرة تسمّى المفوّضة بالقدريّة ؛ لأنّهم ينكرون القدر ويتكلّمون عليها ، والمفوّضة تسمّي المجبّرة بالقدريّة ؛ لأنّهم يثبتون القدر ، والذي يتحصّل من أخبار أئمّة أهل البيت عليهم ‏السلام أنّهم يسمّون كلتا الفرقتين بالقدريّة ، ويطبقون الحديث النبويّ عليهما . أمّا المجبّرة فلأنّهم ينسبون الخير والشرّ والطاعة والمعصية جميعا إلى غير الإنسان ، كما أنّ المجوس قائلون بكون فاعل الخير والشرّ جميعا غير الإنسان ، وقوله عليه ‏السلام في هذا الخبر مبنيّ على هذا النظر . وأمّا المفوّضة فلأنّهم قائلون بخالقين في العالم هما الإنسان بالنسبة إلى أفعاله ، واللّه‏ سبحانه بالنسبة إلى غيرها ، كما أنّ المجوس قائلون بإله الخير وإله الشرّ، وقوله عليه ‏السلام في الروايات التالية : لاجبر ولاقدر ، ناظر إلى هذا الاعتبار».


الكافي ج1
378

تَلْعَةً ۱ وَلاَ هَبَطْتُمْ بَطْنَ وَادٍ إِلاَّ بِقَضَاءٍ مِنَ اللّه‏ِ وَقَدَرٍ.
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: عِنْدَ اللّه‏ِ أَحْتَسِبُ عَنَائِي ۲ يَا أَمِيرَ الْمُوءْمِنِينَ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ يَا شَيْخُ، فَوَ اللّه‏ِ، لَقَدْ عَظَّمَ اللّه‏ُ لَكُمُ ۳ الاْءَجْرَ فِي مَسِيرِكُمْ وَأَنْتُمْ سَائِرُونَ، وَفِي مُقَامِكُمْ وَأَنْتُمْ مُقِيمُونَ، وَفِي مُنْصَرَفِكُمْ وَأَنْتُمْ مُنْصَرِفُونَ، وَلَمْ تَكُونُوا فِي شَيْءٍ مِنْ حَالاَتِكُمْ مُكْرَهِينَ، وَلاَ إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ.
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ: وَكَيْفَ لَمْ نَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ حَالاَتِنَا مُكْرَهِينَ، وَلاَ إِلَيْهِ مُضْطَرِّينَ ، وَكَانَ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ مَسِيرُنَا وَمُنْقَلَبُنَا وَمُنْصَرَفُنَا؟!
فَقَالَ لَهُ: وَتَظُنُّ ۴ أَنَّهُ كَانَ قَضَاءً حَتْماً ، وَقَدَراً لاَزِماً؛ إِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذلِكَ، لَبَطَلَ ۵ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَالاْءَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالزَّجْرُ مِنَ اللّه‏ِ ۶ ، وَسَقَطَ مَعْنَى الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، فَلَمْ تَكُنْ ۷ لاَئِمَةٌ لِلْمُذْنِبِ، وَلاَ مَحْمَدَةٌ لِلْمُحْسِنِ، وَلَكَانَ المُذْنِبُ أَوْلى بِالاْءِحْسَانِ مِنَ الْمُحْسِنِ، وَلَكَانَ ۸ الْمُحْسِنُ أَوْلى بِالْعُقُوبَةِ مِنَ الْمُذْنِبِ، تِلْكَ مَقَالَةُ إِخْوَانِ عَبَدَةِ الاْءَوْثَانِ، وَخُصَمَاءِ الرَّحْمنِ،

1.. «التَلْعَة» : ما ارتفع من الأرض . وقيل : هو من الأضداد، فيطلق على ما انهبط منها أيضا . اُنظر : الصحاح ، ج ۳ ، ص ۱۱۹۲ (تلع).

2.. «العناء» : التعب والمشقّة. وهذا الكلام يحتمل الاستفهام والإخبار . والمعنى : هل أو كيف عند اللّه‏ أحتسب عنائي ومشقّتي وأنا مضطرّ؟ أو المعنى : فلا نستحقّ شيئا ولعلّ اللّه‏ يعطينا بفضله . اُنظر شروح الكافي والصحاح، ج ۶ ، ص ۲۴۴۰ (عنو).

3.. هكذا في «ب ، ج ، ض ، ف ، و ، بح ، بر ، بس ، بف» وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني والوافي. وفي المطبوع: - «لكم».

4.. في «بح» : «فتظنّ». وفي شرح المازندراني : «وتظنّ ، الواو للعطف على مقدّر ، أي أظننت قبل الجواب بأنّ لكم الأجر العظيم ، وتظنّ بعده أنّ سيركم وانقلابكم وانصرافكم وغيرها ممّا تعلّق به القضاء والقدر كان قضاء حتما ؟».

5.. في «ب» : «بطل».

6.. في مرآة العقول : «زواجر اللّه‏: بلاياه النازلة على العصاة بإزاء عصيانهم، وأحكامه في القصاص والحدود ونحو ذلك».

7.. في «ف ، بح» وشرح صدر المتألّهين وشرح المازندراني : «فلم يكن».

8.. في «ب ، ف ، بف» : «وكان».

  • نام منبع :
    الكافي ج1
    تعداد جلد :
    15
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 349830
الصفحه من 728
طباعه  ارسل الي