أَبِي عُبَيْدَةَ الْحَذَّاءِ :
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ: «مَنْ عَلَّمَ بَابَ هُدًى، فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهِ، وَلاَ يُنْقَصُ أُولئِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ عَلَّمَ بَابَ ضَلاَلٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَنْ عَمِلَ بِهِ، وَلاَ يُنْقَصُ أُولئِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئاً» 1 .
كتاب الكافي، وهو الكتاب الوحيد الذي وصل إلينا من مؤلّفات ثقة الإسلام، وهو موسوعة حديثيّة، فيه إلى جانب ما يلي حاجة الفقيه، والمحدّث، دقائق فريدة تتعلّق بشؤون العقيدة، وتهذيب السلوك، ومكارم الأخلاق.
وقد رُزق هذا الكتاب فضيلة الشهرة في حياة مؤلّفه، إذ لا نظير له في بابه، ولكون الكافي هو المعبّر الوحيد عمّا يمتلكه الكليني من طاقات علمية، فلابدّ من الحديث المختصر عنه، لتكتمل من خلاله الصورة الواضحة لشخصية مؤلّفه، ودوره العظيم في تطوير ودفع الحركة العلمية والفكرية ـ بهذا الكتاب ـ خطوات واسعة إلى الأمام، فنقول:
إنّ الطريق إلى فهم الدين الحقّ بلا عِلْمٍ محال، والعلم بلا تعقّل الأشياء سفسطة، وكلّما ازداد الإنسان علما ازداد فهمه وتعقّله، وازدادت معرفته باللّه عزّ وجل. وكلّما تنامت معرفته بخالقه عظمت خشيته منه وامتثال أوامره؛ لأنّ أعلم الناس بأمر اللّه عزّ وجل أحسنهم عقلاً، وأكملهم عقلاً أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة. وهذا هو الهدف الأسمى في الوجود كلّه، ومن هنا جعل الكليني رضي اللّه تعالى عنه كتاب العقل والجهل بمثابة الطريق الموصل إلى قلعة الكافي.
وبما أنّ قوّة التقليد لا تستمر إلّا بقداسة الماضي في النفوس، وإذا ما ضعفت تلك القداسة أو انعدمت انهار البناء؛ لذا صار التقليد ممقوتا في معرفة حقائق الأشياء، فكان اللازم فهم تلك الحقائق ببديل موضوعي لا يتغيّر بتغيّر الزمان والمكان وليس هو إلّا القوّة الدائمة المتواترة التي تعكس قوّة العقيدة وتجذّرها في الأعماق، الأمر الذي هتفت به مدرسة أهل البيت عليهم السلام بكلّ قوّة وأوصله ثقة الإسلام إلى جميع الاُمّة بأقصر السبل وأكثرها أمانا من خلال كتابي التوحيد والحجّة من كتب الكافي.
والكافي لم يغرق في ضبابية الأفكار السطحيّة أو التجريبيّة لينفصل بهذا عن الواقع
۶۵.الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ رَفَعَهُ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ :
عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليهماالسلام ، قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ ۲ مَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، لَطَلَبُوهُ وَلَوْ بِسَفْكِ الْمُهَجِ ۳ ، وَخَوْضِ اللُّجَجِ ۴ ، إِنَّ اللّهَ ـ تَبَارَكَ وَتَعَالى ـ أَوْحى إِلى دَانِيَالَ: أَنَّ أَمْقَتَ عَبِيدِي إِلَيَّ الْجَاهِلُ الْمُسْتَخِفُّ بِحَقِّ أَهْلِ الْعِلْمِ، التَّارِكُ لِلاِقْتِدَاءِ بِهِمْ؛ وَأَنَّ أَحَبَّ عَبِيدِي ۵ إِلَيَّ التَّقِيُّ الطَّالِبُ لِلثَّوَابِ الْجَزِيلِ، اللاَّزِمُ لِلْعُلَمَاءِ، التَّابِعُ لِلْحُلَمَاءِ ۶ ، الْقَابِلُ ۷
1.. المحاسن ، ص ۲۷ ، كتاب ثواب الأعمال، ح ۹؛ بسنده عن العلاء بن رزين، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام مع اختلاف يسير. تحف العقول ، ص ۲۹۷ الوافي، ج ۱، ص ۱۵۸ ، ح ۷۶؛ الوسائل ، ج ۱۶ ، ص ۱۷۳ ، ح ۲۱۲۷۱ .
2.. في «بر» : + «شيئا».
3.. «السَفْك» : الإراقة والإجراء لكلّ مايع ، وكأنّه بالدم أخصّ . و«المُهَج» : جمع المُهْجَة ، وهي مطلق الدم، أو دم القلب خاصّة . وقد تطلق على الروح. اُنظر : النهاية ، ج ۲، ص ۳۷۶ (سفك)؛ الصحاح، ج ۱، ص ۳۴۲ (مهج).
4.. «الخَوْضُ»: أصله المشيء في الماء، ثمّ استعمل في التلبّس بالأمر والتصرّف فيه . و«اللُّجَج»: جمع اللُّجَّة ، وهي معظم الماء. واحتمل المازندراني بعيدا كونه : «اللَحِج» بمعنى الضيّق . اُنظر : النهاية، ج ۲، ص ۸۸ (خوض)؛ الصحاح ، ج ۱، ص ۳۳۸ (لجج)؛ شرح المازندراني ، ج ۲، ص ۶۸.
5.. في حاشية «ج» : «عبادي».
6.. في «ألف ، بس، بف» و حاشية «بح» : «للحكماء». و «الحُلَماء» : جمع الحليم ، من الحِلْم بمعنى العقل والأناة والتثبّت في الاُمور ، وذلك من شعار العقلاء . اُنظر : لسان العرب ، ج ۱۲ ، ص ۱۴۶ (حلم).
7.. في «ج ، بر» و حاشية «ف، بس» والوافي: «القائل».