بَيْنَ ۱ الطِّينَتَيْنِ، فَمِنْ هذَا ۲ يَلِدُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ، وَيَلِدُ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ، وَمِنْ هَاهُنَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنُ السَّيِّئَةَ، وَمِنْ هَاهُنَا يُصِيبُ الْكَافِرُ الْحَسَنَةَ؛ فَقُلُوبُ ۳ الْمُؤْمِنِينَ تَحِنُّ ۴ إِلى مَا خُلِقُوا مِنْهُ، وَقُلُوبُ الْكَافِرِينَ تَحِنُّ إِلى مَا خُلِقُوا مِنْهُ». ۵
1.. في الاختصاص : - «بين» .
2.. في الوافي : «ذلك» .
3.. في «ص» : «وقلوب» .
4.. «تَحِنُّ» ، أي تشتاق ؛ من الحنين ، وهو الشوق وتوقان النفس ، وأصل الحنين : ترجيع الناقة صوتها إثر ولدها . راجع : الصحاح ، ج ۵ ، ص ۲۱۰۴ ؛ النهاية ، ج ۱ ، ص ۴۵۲ (حنن) .
5.. بصائر الدرجات ، ص ۱۵ ، ح ۵ ، بسنده عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي ، عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام؛ المحاسن ، ص ۱۳۲ ، كتاب الصفوة ، ح ۶ ، إلى قوله: «خلق أبدان المؤمنين من دون ذلك»؛ علل الشرائع ، ص ۸۲ ، ح ۲ ، وفيهما بسند آخر عن حمّاد بن عيسى ، عن ربعي بن عبداللّه الهذلي ، عمّن ذكره ، عن عليّ بن الحسين عليهماالسلام؛ وفيه ، ص ۱۱۶ ، ح ۱۳ ، بسنده عن حمّاد بن عيسى ، عن أبي نعيم الهذلي ، عن رجل ؛ الاختصاص ، ص ۲۴ ، مرسلاً عن ربعي ، عن رجل الوافي ، ج ۴ ، ص ۲۵ ، ح ۱۶۴۳ .
قال المحقّق الشعراني في تعليقته على شرح المازندراني ، ج ۸ ، ص ۴ : «ليس في الباب الأوّل من هذا الكتاب حديث يعتمد على إسناده ، بل جميع أخباره ضعيفة بوجه ، ولكنّ في البابين بعده أخبارا توصف بالحسن أو التوثيق ولكنّ مضامينها مخالفة لاُصول المذهب وللروايات الآتية في الباب الرابع ؛ أعني باب فطرة الخلق على التوحيد ؛ وذلك لأنّ من اُصول مذهبنا العدل واللطف وإن لم يخلق بعض الناس أقرب إلى قبول الطاعة وبعضهم أبعد ، والتبعيض في خلق المكلّفين مخالف لمقتضى العدل ؛ لأنّه تعالى سوّى التوفيق بين الوضيع والشريف ، مكّن أداء المأمور وسهّل سبيل اجتناب المحظور . وخلق بعض الناس من طينة خبيثة ، إمّا أن يكون ملزما باختيار المعصية جبرا ، وهو باطل ، وإمّا أن يكون أقرب إلى قبول المعصية ممّن خلق من طينة طيّبة ، وهو تبعيض وظلم ، وقلنا : إنّه مخالف للروايات الآتية في الباب الرابع ؛ لأنّها صريحة في أنّ اللّه تعالى خلق جميع الناس على فطرة التوحيد ، وليس في أصل خلقهم تشويه وعيب ، وإنّما العيب عارض ، وهكذا ما نرى من خلق اللّه تعالى ؛ فإنّه خلق الماء صافيا ، وإنّما يكدّره الأرض التربة . وكذلك الإنسان خلق سالما من الخبائث وأبواه يهوّدانه وينصّرانه ويمجّسانه .
وأيضا القرآن يدلّ على أنّ جميع الناس قالوا : بلى ، في جواب «أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ» [الأعراف : ۱۷۲ ]فالأصل الذي عليه اعتقادنا أنّ جميع أفراد الناس متساوية في الخلقة بالنسبة إلى قبول الخير والشرّ ، وإنّما اختلافهم في غير ذلك ، فإن دلّت رواية على غير هذا الأصل فهو مطروح ، أو مؤوّل بوجه ، سواء علمنا وجهه ، أو لم نعلم . ومن التأويلات التي هي في معنى طرح الروايات تأويل الشارح ؛ فإنّ الروايات صريحة في أنّ الطينة مؤثّرة في صيرورة العبد سعيدا أو شقيّا ، وأوّلها الشارح بأنّها غير مؤثّرة» .
وقال العلّامة المجلسي في مرآة العقول ، ج ۷ ، ص ۱۵ : «اعلم أنّ ما ذكر في هذا الباب وفي بعض الأبواب الآتية من متشابهات الأخبار ومعضلات الآثار ، وممّا يوهم الجبر ونفي الاختيار ، ولأصحابنا رضوان اللّه عليهم فيها مسالك :
الأوّل : ما ذهب إليه الأخباريّون ، وهو أنّا نؤمن بها مجملاً ونعترف بالجهل عن حقيقة معناها وعن أنّها من أيّ جهة صدرت ونردّ علمها إليهم عليهم السلام .
الثاني : أنّها محمولة على التقيّة ؛ لموافقتها لروايات العامّة ومذاهب الأشاعرة الجبريّة ، وهم جلّهم .
الثالث : أنّها كناية عن علمه تعالى بما هم إليه صائرون ؛ فإنّه سبحانه لمّا خلقهم وكان عند خلقهم عالما بما يصيرون إليه فكأنّه خلقهم من طينات مختلفة .
الرابع : أنّها كناية عن اختلاف استعداداتهم وقابليّاتهم ، وهذا أمر بيّن لايمكن إنكاره ؛ فإنّه لايريب عاقل في أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وأباجهل ليسا في درجة واحدة من الاستعداد والقابليّة ، وهذا لا يستلزم سقوط التكليف ؛ فإنّ اللّه تعالى كلّف النبيّ صلى الله عليه و آله بقدر ما أعطاه من الاستعداد والقابليّة لتحصيل الكمالات ، وكلّفه ما لم يكلّف أحدا مثله ، وكلّف أباجهل ما في وسعه وطاقته ، ولم يجبره على شيء من الشرّ والفساد .
الخامس : أنّه لمّا كلّف اللّه تعالى الأرواح أوّلاً في الذرّ وأخذ ميثاقهم فاختاروا الخير والشرّ باختيارهم في ذلك الوقت ، وتفرّع اختلاف الطينة على ما اختاروه باختيارهم ، كما دلّت عليه بعض الأخبار فلا فساد في ذلك» .
وقال العلّامة الطباطبائي في ذيل هذا الحديث : «الأخبار مستفيضة في أنّ اللّه تعالى خلق السعداء من طينة علّيّين من الجنّة ، وخلق الأشقياء من طينة سجّين من النار ، وكلّ يرجع إلى حكم طينته من السعادة والشقاء . وقد اُورد عليها أوّلاً بمخالفة الكتاب ، وثانيا باستلزام الجبر الباطل .
أمّا البحث الأوّل فقد قال اللّه تعالى : «هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن طِينٍ» [الأنعام (۶) : ۲] وقال : «وَ بَدَأَ خَلْقَ الْاءِنسَـنِ مِن طِينٍ»[السجدة (۳۲) : ۷] ، فأفاد أنّ الإنسان مخلوق من طين ، ثمّ قال تعالى: «وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا»الآية ، [البقرة (۲) : ۱۴۸] وقال : «مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى الْأَرْضِ وَ لَا فِى أَنفُسِكُمْ إِلَا فِى كِتَـبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ»الآية ، [الحديد (۵۷) : ۲۲ ]فأفاد أنّ للإنسان غاية ونهاية من السعادة والشقاء ، وهو متوجّه إليها ، سائر نحوها ، وقال تعالى : «كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَــلَةُ» الآية ، [الأعراف : ۲۹ ـ ۳۰] فأفاد أنّ ما ينتهي إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاء هو ما كان عليه في بدء خلقه وقد كان في بدء خلقه طينا ، فهذه الطينة طينة سعادة وطينة شقاء . وآخر السعيد إلى الجنّة وآخر الشقيّ إلى النار ، فهما أوّلهما ؛ لكون الآخر هو الأوّل ، وحينئذ صحّ أنّ السعداء خلقوا من طينة الجنّة ، والأشقياء خلقوا من طينة النار ، وقال تعالى : «كَلَا إِنَّ كِتَـبَ الْأَبْرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ وَ مَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَـبٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ»[المطففين (۸۳) : ۱۸ ـ ۲۱] ، «كَلَا إِنَّ كِتَـبَ الْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍ وَ مَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَـبٌ مَّرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ» [المطفّفين (۸۳) : ۷ ـ ۱۰ ]الآيات ، وهي تشعر بأنّ «علّيّين» و«سجّين» ، هما ما ينتهي إليه أمر الأبرار والفجّار من النعمة والعذاب ، فافهم .
وأمّا البحث الثاني ، وهو أنّ أخبار الطينة تستلزم أن تكون السعادة والشقاء لازمين حتميّين للإنسان ، ومعه لايكون أحدهما اختياريّا كسبيّا للإنسان ، وهو الجبر الباطل .
والجواب عنه أنّ اقتضاء الطينة للسعادة أو الشقاء ليس من قبل نفسها ، بل من قبل حكمه تعالى وقضائه ما قضى من سعادة وشقاء ، فيرجع الإشكال إلى سبق قضاء السعادة والشقاء في حقّ الإنسان قبل أن يخلق وأنّ ذلك يستلزم الجبر . وقد ذكرنا هذا الإشكال مع جوابه في باب المشيئة والإرادة [ذيل ح ۳۸۷ ]وحاصل الجواب أنّ القضاء متعلّق بصدور الفعل عن اختيار العبد ، وهو فعل اختياريّ في عين أنّه حتميّ الوقوع ولم يتعلّق بالفعل ، سواء اختاره العبد ، أو لم يختره حتّى يلزم منه بطلان الاختيار . وأمّا شرح ما تشتمل عليه هذه الأخبار تفصيلاً فأمر خارج عن مجال هذا البيان المختصر ، فليرجع فيه إلى مطوّلات الشروح والتعاليق ، واللّه الهادي» .