مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَيْحاً ۱ ، وَشَحَنْتُمْ ۲ صَدْرِي غَيْظاً ، وَجَرَّعْتُمُونِي نُغَبَ ۳ التَّهْمَامِ ۴ أَنْفَاساً ۵ ، وَأَفْسَدْتُمْ عَلَيَّ رَأْيِي بِالْعِصْيَانِ وَالْخِذْلَانِ ، حَتّى لَقَدْ قَالَتْ قُرَيْشٌ : إِنَّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ رَجُلٌ شُجَاعٌ ، وَلكِنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالْحَرْبِ ۶ ، لِلّهِ أَبُوهُمْ ۷ وَهَلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَشَدُّ لَهَا مِرَاساً ۸ ، وَأَقْدَمُ فِيهَا مَقَاماً مِنِّي ؟ لَقَدْ نَهَضْتُ فِيهَا وَمَا بَلَغْتُ الْعِشْرِينَ ، وَهَا أَنَا قَدْ ذَرَّفْتُ ۹ عَلَى السِّتِّينَ ، وَلكِنْ لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ ۱۰ » . ۱۱
1.في المرآة : «القيح ، ما يكون في القرحة من صديدها ما لم يخالطه دم ، أي قرحتم قلبي حتّى امتلأت من القيح الغيظ ، وهو كناية عن شدّة التألّم» . وراجع : المصباح المنير ، ص ۵۲۱ (قيح) .
2.«شحنتم» أي ملأتم . الصحاح ، ج ۵ ، ص ۲۱۴۳ (شحن) .
3.النُغَب ، جمع النغبة ـ بالضمّ وبالفتح ـ : الجرعة . راجع : الصحاح ، ج ۱ ، ص ۲۲۶ ؛ لسان العرب ، ج ۱ ، ص ۷۶۵ (نغب) .
4.في المرآة : «التهمام : الهمّ ، ويفيد هذا الوزن المبالغة في مصدر الثلاثي كالتلعاب والترداد» .
5.في المرآة : «وأنفاسا ، أي جرعة بعد جرعة ، وهي جمع نَفَس ـ بالتحريك ـ وهو الجرعة» . وراجع : الصحاح ، ج ۳ ، ص ۹۸۴ ؛ لسان العرب ، ج ۶ ، ص ۲۳۶ (نفس) .
6.في «بس» : «بالحروب» .
7.«للّه أبوك» ، يستعملها العرب عند المدح والتعجّب ، أي ما أحسن أبوك حيث أتى بمثلك . راجع : النهاية ، ج ۱ ، ص ۲۳ ؛ لسان العرب ، ج ۱۴ ، ص ۱۲ (أبو) .
8.المِراس : الممارسة ، والمعالجة . ورجل مَرَس : شديد العلاج . الصحاح ، ج ۳ ، ص ۹۷۷ (مرس) .
9.«ذرّفتُ» : زِدتُ . النهاية ، ج ۲ ، ص ۱۵۹ (ذرف) .
10.في الوافي : «قوله : لا رأي لمن لا يطاع ، مَثَل ، قيل : هو أوّل من سمع منه عليه السلام » .
في هامش الكافي المطبوع : «قضيّة سفيان بن عوف وبعث معاوية إيّاه لغارة الأنبار معروفة في كتب التأريخ ، ذكروها في حوادث سنة تسع وثلاثين ، ونقل ابن أبي الحديد عن كتاب الغارات أنّ معاوية دعا سفيان بن عوف وقال له : إنّي باعثك في جيش كثيف ذي أداة وجلادة ، فالزم جانب الفرات حتّى تمرّ بهيت ، فتقطعها ، فإن وجدت بها جندا فاغز عليها ، وإلّا فامض حتّى تغير على الأنبار ، فإن لم تجدبها جندا فامض حتّى توغّل المدائن ، ثمّ أقبل إليّ ، واتّق أن تقرب الكوفة ، واعلم أنّك إن أغرت على أهل الأنبار فكأنّك قد أغرت على الكوفة ؛ فإنّ هذه الغارات ترعب قلوب أهل العراق ، ويفرّح كلّ من له فينا هوى منهم ، ويدعو إلينا كلّ من خاف الدوائر ، فاقتل من لقيت ممّن ليس على مثل رأيك ، وأخرب كلّ ما مررت به من القرى ، وانتهب الأموال ؛ فإنّه شبيهة بالقتل ، وهو أوجع للقلب . فخرج سفيان ومضى على شاطئ الفرات ، وقتل عامل عليّ عليه السلام في نحو ثلاثين رجلاً ، وحمل الأموال وانصرف . انتهى .
أقول : هذا معاوية بن أبي سفيان طليق رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، الذي اتّخذه الجهلاء بل الأشقياء إمامهم ، وأوجبوا طاعته ، وأشادوا بذكره ، واعتقدوا علوّ كعبه في الإسلام ، واستدلّوا بمفتعلة «أصحابي كنجوم السماء ، بأيّهم اقتديتم اهتديتم» وأمثالها ممّا رواه الكذّابون على اللّه ورسوله أمثال أبي هريرة الذي هو في طليعة الوضّاعين واللاعنين عليّا عليه السلام .
وقس على كلامه هذا ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام يوم البصرة بعد سقوط الجمل وانهزام الناس حيث قال : «أيّها الناس ، لا تتبعوا مدبرا ، ولا تجهزوا على جريح ، ولا تدخلوا دارا ، ولا تأخذوا سلاحا ولا ثيابا ولا متاعا ، ومن ألقى السلاح فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن» إلخ . وكلامه عليه السلام يوم صفّين حيث قال : «لاتمثّلوا بقتيل ، وإذا وصلتم إلى رجال القوم فلا تهتكوا سترا ، ولا تدخلوا دارا ، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلّا ما وجدتم في عسكرهم ، ولا تهيّجوا امرأة بأذى ، وإن شتمن أعراضكم ، وسببن اُمراءكم وصلحاءكم ؛ فإنّهنّ ضعاف القوى والأنفس والعقول» إلى آخر كلامه صلوات اللّه عليه .
فليت شعري بماذا أحلّ ابن أبي سفيان دماء المسلمين ، وبماذا يحلّ إيذاءهم ، وبماذا يجوز شنّ الغارة عليهم وهم أبرياء ، وكيف يجوز له قتلهم ، وتخريب ديارهم ، ونهب أموالهم بغير إثم اكتسبوه ، أو فساد أظهروه ، أو سيّئة اجترحوها ، فليس هو إلّا لإبراز ما في كمونه من الخباثة الموروثة ، وهو ابن آكلة الأكباد ، وفرع الشجرة الملعونة في القرآن ، وقد قال اللّه تعالى : «وَ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِنَـتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَـنًا وَ إِثْمًا مُّبِينًا» . وقال سبحانه : «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَــلِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا» » . راجع : الكافي ، ح ۸۲۶۳ ؛ الغارات ، ج ۲ ، ص ۳۲۰ ؛ الفصول المختارة ، ص ۱۴۶ ؛ وقعة صفّين ، ص ۲۰۳ ؛ البحار ، ج ۳۴ ، ص ۵۲ ـ ۶۵ ؛ و ج ۱۰۱ ، ص ۲۷ ، ح ۳۴ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ۲ ، ص ۸۵ ـ ۸۸ ؛ تاريخ الطبري ، ج ۴ ، ص ۱۰۳ ؛ البداية والنهاية ، ج ۷ ، ص ۳۵۴ .
11.التهذيب ، ج ۶ ، ص ۱۲۳ ، ح ۲۱۶ ، معلّقا عن أحمد بن محمّد بن سعيد ، إلى قوله : «وسيم الخسف ومنع النصف» مع زيادة في آخره . وفي الغارات ، ج ۲ ، ص ۳۲۵ ؛ ومعاني الأخبار ، ص ۳۰۹ ، ح ۱ ، بسند آخر عن أمير المؤمنين عليه السلام ، مع اختلاف يسير وزيادة في أوّله . نهج البلاغة ، ص ۶۹ ، الخطبة ۲۷ . وراجع : الإرشاد ، ص ۲۷۹ الوافي ، ج ۱۵ ، ص ۴۶ ، ح ۱۴۶۸۶ ؛ الوسائل ، ج ۱۵ ، ص ۱۴ ، ح ۱۹۹۱۳ ، إلى قوله : «وسيم الخسف ومنع النصف» .