الْمَالِ ۱ وَلَكَ الرِّبْحُ ، وَعَلَيْكَ التَّوى ۲ .
فَقَالَ : «لَا بَأْسَ إِذَا اشْتَرَطَا ۳ ، فَإِذَا كَانَ
1.في التهذيب ، ج ۷ ، ص ۱۸۶ : «مالي» .
2.في الفقيه : «وما توي فعليَّ» بدل «وعليك التوى» . و«التوى» : هلاك المال . راجع : الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۲۹۰ (توا) .
3.قال المحقّق الشعراني في هامش الوافي : «قوله : اشتركا في مال ، ظاهره عقد الشركة اختيارا ، وقال الفقهاء : لا يتحقّق الشركة في القيميّات ، بل يحدث باختلاطها الاشتباه ، ويجب التخلّص بالصلح والتبرئة ، ولا يحصل الشركة إلّا في المثليّات المتماثلة ، فإذا اختلط الشياه والثياب وأمثال ذلك لا يحصل فيها الشركة ، فإن اُريد حصولها لزمهم المعاوضة على حصّة معيّنة ، وكأنّ الشركة في المثلي إجماعي ، وهي المسمّاة بشركة العنان ، وأمّا شركة الوجوه والمفاوضة والشركة في العمل فلم يدلّ دليل على مشروعيّتها ، بل الإجماع على عدمها والتفصيل في الفقه .
قوله : لك الربح وعليك التوى ، قال في المسالك [ج ۴ ، ص ۲۶۵] : هذا إذا كان عند انتهاء الشركة وإرادة فسخها ؛ لتكون الزيادة مع من بقي معه بمنزلة الهبة ، والخسران على من هو عليه بمنزلة الإبراء ، أمّا قبله فلا ؛ لمنافاته وضع الشركة شرعا .
قوله : لا بأس إذا اشترطا ، هذا شرط بعد انقضاء عقد الشركة ومضيّ مدّة كثيرة ، وليس من الشروط الابتدائيّة التي لا يجب الوفاء بها ، بل الظاهر منه أنّه عقد صلح على ما ذكره في الحديث ، فيدلّ الحديث على أنّ العقد على كلّ التزام ومعاوضة جائزة إذا لم تكن مضامين الشروط مخالفة للكتاب والسنّة ، وهو مؤيّد لعموم قوله تعالى : «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» [المائدة (۵) : ۱] ويستفاد جواز كلّ عقد وإن لم يسمّ بهذه الأسماء المعروفة ، كالبيع والإجارة والعارية ، وهو الصلح المطلق .
ثمّ إنّه لو كان هذا الشرط في عقد الشركة نفسها ذهب جماعة من فقهائنا إلى بطلان الشرط وإبطال عقد الشركة ببطلانه ، وهذا مذهب ابن إدريس والمحقّق ، وقال جماعة بصحّة الشرط والعقد ، وهو مذهب السيّد والعلّامة رحمه الله . وذهب أبو الصلاح إلى صحّة الشركة دون الشرط ، وربّما يظنّ أنّ عدم تساوي النسب في حصص الربح ورأس المال مخالف لمقتضى الشركة . وليس كذلك ؛ لأنّ الشرط المخالف لمقتضى العقد الذي يوجب بطلان العقد هو ما يدلّ على عدم قصد المعاملة ، فمن باع بشرط عدم الثمن فهو بمنزلة من لم يقصد البيع ، بخلاف الشركة مع تخصيص أكثر الربح بأحد الشركاء ؛ فإنّه لا ينافي قصد الشركة ، بل تخصيص جميع الربح أيضا بأحدهم لا ينافيها ، وإنّما ينافي قصد الشركة أن يشترطوا عدم استحقاق أحد الشركاء لسهمه من رأس المال ، وفي كون الشركة مخالفا لمقتضى العقد وتفسيره كلام كثير لا حاجة إلى ذكره ، وربّما يورد أمثلة حكموا بصحّتها مع مخالفتها لمقتضى العقد ، كشرط الضمان في العاريّة والتفصيل في محلّه .
وأمّا قول أبي الصلاح بصحّة الشركة دون الشرط فمشكل ؛ لأنّ الرضا بتصرّف الشركاء في المال والبيع والاشتراء إذا كان معلّقا على اختصاص ربح أكثر ببعضهم ، ولم يحصل هذا الشرط على مذهبه ، فلم يحصل الرضا بأصل المعاملة ؛ لعدم تحقّق ما علّقت عليه ، ولا ريب أنّ الرضا في معاملة إن كان معلّقا على أمر محرّم ، أو على أمر غير محقّق كان موجبا لعدم صحّتها ، والشرط الفاسد في العقد مفسد ؛ لأنّ التجارة مشروطة في القرآن الكريم بالتراضي ، ولا يحلّ مال امرئ إلّا بطيب نفسه ، ولا يجوز قهر الناس على شيء وغصب أموالهم والتصرّف فيها بغير رضاهم إلّا بدليل ، كبيع أموال المفلس والمحتكر .
وأمّا احتمال رضا المشروط له بأصل المعاملة ولو مع عدم الشرط وإن كان معقولاً ، لكنّ الكلام في الاعتماد على مفاد العقد المشتمل على الشرط ، ولا ريب أنّه يدلّ على الرضا المشروط ، واستنباط الرضا مع عدم الشرط يتوقّف على دالّ آخر غير العقد المشتمل على الشرط ، ولكنّ بعض علمائنا حكم بصحّة العقد وبطلان الشرط ، والتفصيل لا يناسب هذا الموضع ، واستدلّ عليه بحديث بريرة عائشة ، حيث اشترتها عائشة واشترطت لمواليها ولاءها ، ثمّ أعتقتها ، فصحّح رسول اللّه صلى الله عليه و آله الاشتراء والإعتاق ، وأبطل الولاء ؛ لأنّ الولاء لمن أعتق ، ولكنّ تفصيل قصّة بريرة مختلف بحسب الروايات ، ويستفاد من بعضها أنّ بريرة كاتبت مواليها ، فعجزت عن أداء مال الكتابة ، فتوسّلت بعائشة ، وأعطتها عائشة مالاً تؤدّيه إلى مواليها بإزاء مال الكتابة ، فلم يكن اشتراء وبيع وشرط في عقد ، ولا يجوز الخروج عن الاُصول الضروريّة ، ومنها عدم حلّ مال أحد بغير رضاه بمثل هذا الخبر . نعم ورد في النكاح الأدلّة على الصحّة مع بطلان الشروط ، بل المهر أيضا ، ولا يجوز قياس غيره عليه ، فلعلّ البضع في نظر الشرع ينبغي أن لا يكون في معرض الفسخ والإقالة والنقل والانتقال الكثير ؛ لأهمّيّة حفظ الحياء في النسوان من سائر الاُمور ، ولا يبعد أن يقال : إن اُريد بصحّة العقد قابليّته لأن يلحقه الرضا ، كعقد المكره والفضولي فله وجه ، وإن اُريد بصحّته وقوعه متزلزلاً فيجوز للمشروط له الفسخ ، كما في المعيب ، ولكنّ العقد مؤثّر ما لم يفسخ ، فهذا بعيد إلّا أن يعلم رضى المشروط له بالعقد ولو مع عدم حصول الشرط له ، أو سكت عن الفسخ مع علمه ، فيجعل أنّه يجوز له أن يفسخ العقد سكوته عن الفسخ واستمراره على البيع ممّا يدلّ على رضاه ، وليس أصل العقد مع فساد الشرط تجارة من غير تراض ، فهو كفقدان الأوصاف والعيب الذي لم يرض المشتري إلّا بالصحيح وواجد الأوصاف ، وأمّا إن اُريد بالصحّة وقوعه لازما مع عدم الشرط ـ كما في النكاح المشروط بالشرط الفاسد ـ فالحقّ أنّه ليس كذلك ؛ لأنّه تجارة لا عن تراض» .