وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ»^۱ إِلَى آخِرِ الْايَةِ .
وَكَانَ مَنْ بَيْنَ آدَمَ وَنُوحٍ ^۲ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ مُسْتَخْفِينَ ^۳ ، وَلِذلِكَ خَفِيَ ذِكْرُهُمْ فِي الْقُرْآنِ ، فَلَمْ يُسَمَّوْا كَمَا سُمِّيَ مَنِ اسْتَعْلَنَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ـ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ^۴ ـ وَهُوَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ»^۵ يَعْنِي لَمْ أُسَمِّ الْمُسْتَخْفِينَ كَمَا سَمَّيْتُ الْمُسْتَعْلِنِينَ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام .
فَمَكَثَ نُوحٌ عليه السلام فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَا خَمْسِينَ عَاماً لَمْ يُشَارِكْهُ فِي نُبُوَّتِهِ أَحَدٌ ، وَلكِنَّهُ قَدِمَ عَلى قَوْمٍ مُكَذِّبِينَ لِلْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ عليه السلام ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ»^۶ يَعْنِي مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ عليه السلام إِلى أَنِ انْتَهى إِلى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : «وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ» .
ثُمَّ إِنَّ نُوحاً عليه السلام لَمَّا انْقَضَتْ نُبُوَّتُهُ وَاسْتُكْمِلَتْ ^۷ أَيَّامُهُ ، أَوْحَى اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ إِلَيْهِ أَنْ يَا نُوحُ ، قَدْ قَضَيْتَ نُبُوَّتَكَ وَاسْتَكْمَلْتَ أَيَّامَكَ ، فَاجْعَلِ الْعِلْمَ الَّذِي عِنْدَكَ وَالْاءِيمَانَ وَالِاسْمَ الْأَكْبَرَ وَمِيرَاثَ الْعِلْمِ وَآثَارَ عِلْمِ ^۸ النُّبُوَّةِ فِي الْعَقِبِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ ^۹ ، فَإِنِّي لَنْ أَقْطَعَهَا كَمَا لَمْ أَقْطَعْهَا مِنْ بُيُوتَاتِ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ آدَمَ عليه السلام ، وَلَنْ أَدَعَ الْأَرْضَ إِلَا وَفِيهَا عَالِمٌ يُعْرَفُ بِهِ دِينِي ، وَتُعْرَفُ ^۱۰ بِهِ طَاعَتِي ، وَيَكُونُ نَجَاةً لِمَنْ يُولَدُ فِيمَا بَيْنَ قَبْضِ النَّبِيِّ إِلى خُرُوجِ النَّبِيِّ الْاخَرِ .
وَبَشَّرَ نُوحٌ سَاماً بِهُودٍ عليه السلام ، فَكَانَ ^۱۱ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ وَهُودٍ مِنَ

خَمْساً وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً ، وَالسُّنَّةُ الْيَوْمَ فِينَا خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ ، وَقَدْ كَانَ ^۱ يُكَبَّرُ عَلى أَهْلِ بَدْرٍ تِسْعاً وَسَبْعاً ^۲ .
ثُمَّ إِنَّ هِبَةَ اللّهِ لَمَّا دَفَنَ أَبَاهُ ، أَتَاهُ قَابِيلُ ، فَقَالَ : يَا هِبَةَ اللّهِ ، إِنِّي قَدْ ^۳ رَأَيْتُ أَبِي آدَمَ قَدْ خَصَّكَ مِنَ الْعِلْمِ بِمَا لَمْ أُخَصَّ ^۴ بِهِ أَنَا ، وَهُوَ الْعِلْمُ الَّذِي دَعَا بِهِ أَخُوكَ هَابِيلُ ، فَتُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ ، وَإِنَّمَا قَتَلْتُهُ لِكَيْلَا يَكُونَ لَهُ عَقِبٌ ، فَيَفْتَخِرُونَ ^۵ عَلى عَقِبِي ، فَيَقُولُونَ ^۶ : نَحْنُ أَبْنَاءُ الَّذِي تُقُبِّلَ قُرْبَانُهُ ، وَأَنْتُمْ أَبْنَاءُ الَّذِي تُرِكَ قُرْبَانُهُ ، فَإِنَّكَ ^۷۸ إِنْ أَظْهَرْتَ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي اخْتَصَّكَ بِهِ أَبُوكَ شَيْئاً ، قَتَلْتُكَ كَمَا قَتَلْتُ أَخَاكَ هَابِيلَ .
فَلَبِثَ هِبَةُ اللّهِ وَالْعَقِبُ مِنْهُ مُسْتَخْفِينَ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَالْاءِيمَانِ وَالِاسْمِ الْأَكْبَرِ وَمِيرَاثِ النُّبُوَّةِ وَآثَارِ عِلْمِ النُّبُوَّةِ حَتّى بَعَثَ اللّهُ نُوحاً عليه السلام ، وَظَهَرَتْ ^۹ وَصِيَّةُ هِبَةِ اللّهِ حِينَ نَظَرُوا فِي وَصِيَّةِ آدَمَ عليه السلام ، فَوَجَدُوا نُوحاً عليه السلام نَبِيّاً قَدْ بَشَّرَ بِهِ آدَمُ عليه السلام ، فَآمَنُوا بِهِ وَاتَّبَعُوهُ وَصَدَّقُوهُ .
وَقَدْ كَانَ آدَمُ عليه السلام وَصّى هِبَةَ اللّهِ أَنْ يَتَعَاهَدَ هذِهِ الْوَصِيَّةَ ^۱۰ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ سَنَةٍ ، فَيَكُونَ يَوْمَ عِيدِهِمْ ، فَيَتَعَاهَدُونَ نُوحاً وَ زَمَانَهُ الَّذِي يَخْرُجُ ^۱۱ فِيهِ ، وَكَذلِكَ جَاءَ ^۱۲ فِي وَصِيَّةِ كُلِّ نَبِيٍّ حَتّى بَعَثَ اللّهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله ، وَإِنَّمَا عَرَفُوا نُوحاً بِالْعِلْمِ الَّذِي عِنْدَهُمْ