وَكَلَهُ إِلى نَفْسِهِ ، وَكَانَ ۱ صَدْرُهُ ضَيِّقاً حَرَجاً ۲ ، فَإِنْ جَرى عَلى لِسَانِهِ حَقٌّ لَمْ يُعْقَدْ قَلْبُهُ عَلَيْهِ ، وَإِذَا لَمْ يُعْقَدْ قَلْبُهُ عَلَيْهِ لَمْ يُعْطِهِ اللّهُ الْعَمَلَ بِهِ ، فَإِذَا اجْتَمَعَ ذلِكَ عَلَيْهِ حَتّى يَمُوتَ وَهُوَ عَلى تِلْكَ الْحَالِ ، كَانَ عِنْدَ اللّهِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ ، وَصَارَ مَا جَرى عَلى لِسَانِهِ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي لَمْ يُعْطِهِ اللّهُ أَنْ يُعْقَدَ قَلْبُهُ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُعْطِهِ الْعَمَلَ بِهِ حُجَّةً عَلَيْهِ ۳ ، فَاتَّقُوا اللّهَ ، وَسَلُوهُ أَنْ يَشْرَحَ صُدُورَكُمْ لِلْاءِسْلَامِ ، وَأَنْ يَجْعَلَ أَلْسِنَتَكُمْ تَنْطِقُ بِالْحَقِّ حَتّى يَتَوَفَّاكُمْ وَأَنْتُمْ عَلى ذلِكَ ، وَأَنْ يَجْعَلَ مُنْقَلَبَكُمْ مُنْقَلَبَ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ ، وَلَا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
وَمَنْ سَرَّهُ ۴ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللّهَ يُحِبُّهُ ، فَلْيَعْمَلْ بِطَاعَةِ اللّهِ وَلْيَتَّبِعْنَا ، أَلَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ اللّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ۵ : «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ»۶ ؟ وَاللّهِ لَا يُطِيعُ اللّهَ عَبْدٌ أَبَداً إِلَا أَدْخَلَ اللّهُ عَلَيْهِ فِي طَاعَتِهِ اتِّبَاعَنَا ، وَلَا وَاللّهِ لَا يَتَّبِعُنَا عَبْدٌ أَبَداً إِلَا أَحَبَّهُ اللّهُ ، وَلَا وَاللّهِ ، لَا يَدَعُ ۷ أَحَدٌ اتِّبَاعَنَا ۸ أَبَداً إِلَا أَبْغَضَنَا ، وَلَا وَاللّهِ لَا يُبْغِضُنَا أَحَدٌ أَبَداً إِلَا عَصَى اللّهَ ، وَمَنْ مَاتَ عَاصِياً لِلّهِ أَخْزَاهُ اللّهُ ۹ ، وَأَكَبَّهُ عَلى وَجْهِهِ فِي النَّارِ ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» . ۱۰
1.في شرح المازندراني : «فكان» .
2.في شرح المازندراني: «الحرج ، أي الضيق ، أو أشدّ أفراده ، فعلى الأوّل تأكيد وعلى الثاني تأسيس ومبالغة في عدم قبوله للحقّ وإنكاره لأهله» . وراجع : النهاية ، ج ۱ ، ص ۳۶۱ (حرج) .
3.هكذا في جميع النسخ التي قوبلت والوافي والبحار . وفي المطبوع وشرح المازندراني : + «يوم القيامة» .
4.في حاشية «د» : «يسرّه» .
5.في «بن» : - «لنبيّه صلى الله عليه و آله » .
6.آل عمران (۳) : ۳۱ . وفي شرح المازندراني : «تطبيقه ـ أي قول اللّه تعالى ـ على المدّعى من جهة أنّ متابعتهم متابعة النبيّ صلى الله عليه و آله ، أو سبب لها ، وهي سبب لمحبّة اللّه تعالى للعبد» .
7.في «جت» : «ولا يدع» .
8.في «بف» والوافي : «اتّباعنا أحد» .
9.«أخزاه اللّه » أي أذلّه وأهانه وأهلكه وأوقعه في بليّة وعذاب ؛ من خَزِيَ ، أي ذلّ وهان وهلك ووقع في بليّة . راجع : الصحاح ، ج ۶ ، ص ۲۳۲۶ (خزا) .
10.راجع: الكافي ، كتاب الإيمان والكفر ، باب القسوة ، ح ۲۶۴۸ ؛ وتحف العقول ، ص ۳۱۳ الوافي ، ج ۲۶ ،? ص ۹۷ ، ح ۲۵۳۷۸ ؛ البحار ، ج ۷۸ ، ص ۲۱۰ ، ح ۹۳ . وورد قطعات منه في هذه المصادر : الوسائل ، ج ۶ ، ص ۲۸ ، ح ۷۲۵۸ ؛ وج ۷ ، ص ۲۶ ، ح ۸۶۱۲ ؛ وص ۳۱ ، ح ۸۶۲۹ ؛ وج ۱۲ ، ص ۱۸۳ ، ح ۱۶۰۲۹ ؛ وص ۱۹۶ ، ح ۱۶۰۷۳ ؛ وج ۱۵ ، ص ۲۵۳ ، ح ۲۰۴۳۱ ؛ وص ۳۷۶ ، ح ۲۰۷۸۹ ؛ وج ۱۶ ، ص ۵۶ ، ح ۲۰۹۶۷ ؛ وص ۲۰۷ ، ح ۲۱۳۶۹ ؛ وج ۱۸ ، ص ۳۶۶ ، ح ۲۳۸۶۰ ؛ والبحار ، ج ۷۴ ، ص ۲۱۷ ؛ وج ۸۴ ، ص ۳۸۰ ، ح ۳۴ .
و قد وعدنا عند قوله عليه السلام : «ولا صبر لهم على شيء» أن نورد هذا الحديث بتمامه عن الوافي ؛ لأجل ما بينهما من الاختلاف الفاحش في النظم والترتيب ، فقد حان لنا الوفاء بالوعد فنقول : قال العلّامة الفيض في الوافي :
«باب رسالة أبي عبد اللّه عليه السلام إلى أصحابه . عليّ ، عن أبيه ، عن ابن فضّال ، عن حفص المؤذّن ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، وعن ابن بزيع ، عن محمّد بن سنان ، عن إسماعيل بن جابر ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه كتب بهذه الرسالة إلى أصحابه ، وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها ، وكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم ، فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها .
وعن ابن سماعة ، عن جعفر بن محمّد بن مالك الكوفي ، عن القاسم بن الربيع الصحّاف ، عن إسماعيل بن مخلّد السرّاج قال : خرجت هذه الرسالة من أبي عبد اللّه عليه السلام إلى أصحابه : «بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أمّا بعد ، فاسألوا اللّه ربّكم العافية ، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة ، وعليكم بالحياء والتنزّه عمّا تنزّه عنه الصالحون قبلكم ، وعليكم بمجاملة أهل الباطل ، تحمّلوا الضيم منهم ، وإيّاكم ومماظّتهم ، دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالصتموهم ونازعتموهم الكلام ؛ فإنّه لابدّ لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم الكلام بالتقيّة التي أمركم اللّه أن تأخذوا بها فيما بينكم وبينهم ، فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنّهم سيؤذونكم وتعرفون في وجوههم المنكر ، ولو لا أنّ اللّه تعالى يدفعهم عنكم لسلّطوا بكم ، وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر ممّا يبدون لكم ، مجالسكم ومجالسهم واحدة ، وأرواحكم وأرواحهم مختلفة لا تأتلف ، لا تحبّونهم أبدا ولا يحبّونكم ، غير أنّ اللّه تعالى أكرمكم بالحقّ ، وبصّركموه ، ولم يجعلهم من أهله فتجاملونهم وتصبرون عليهم ، وهم لا مجاملة لهم ولا صبر لهم على شيء من اُموركم ، تدفعون أنتم السيّئة بالتي هي أحسن فيما بينكم وبينهم ، تلتمسون بذلك وجه ربّكم بطاعته ، وهم لا خير عندهم ، لا يحلّ لكم أن تظهروهم على اُصول دين اللّه ؛ فإنّه إن سمعوا منكم فيه شيئا عادوكم عليه ، ورفعوه عليكم ، وجاهدوا على هلاكهم ، واستقبلوكم بما تكرهون ، ولم يكن لكم النصف منهم في دول الفجّار ، فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل ؛ فإنّه لا ينبغي لأهل الحقّ أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل ؛ لأنّ اللّه لم يجعل أهل الحقّ عنده بمنزلة أهل الباطل ، ألم تعرفوا وجه قول اللّه تعالى في كتابه إذ يقول : «أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّــلِحَـتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِى الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ » ؟ [ص (۳۸) : ۲۸] أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل ، فلا تجعلوا اللّه تعالى ـ وله المثل الأعلى ـ وإمامكم ودينكم الذي تدينون به عرضةً لأهل الباطل ، فتغضبوا اللّه عليكم ، فتهلكوا ، فمهلاً مهلاً يا أهل الصلاح ، لا تتركوا أمر اللّه وأمر من أمركم بطاعته ، فيغيّر اللّه ما بكم من نعمة ، أحبّوا في اللّه من وصف صفتكم ، وأبغضوا في اللّه من خالفكم ، واُبذلوا مودّتكم ونصيحتكم لمن وصف صفتكم ، ولا تبذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها وبغاكم الغوائل ، هذا أدبنا أدب اللّه ، فخذوا به ، وتفهّموه واعقلوه ، ولا تنبذوه وراء ظهوركم ، ما وافق هداكم أخذتم به ، وما وافق هواكم اطّرحتموه ولم تأخذوا به .
وايّاكم والتجبّر على اللّه ، واعلموا أنّ عبدا لم يبتل بالتجبّر على اللّه إلّا تجبّر على دين اللّه ، فاستقيموا للّه ، ولا ترتدّوا على أعقابكم ، فتنقلبوا خاسرين ، أجارنا اللّه وإيّاكم من التجبّر على اللّه ، ولا قوّة لنا ولا لكم إلّا باللّه » .
وقال : «إنّ العبد إذا كان خلقه اللّه في الأصل ـ أصل الخلقة ـ مؤمنا ، لم يمت حتّى يكرّه اللّه إليه الشرّ ، ويباعده منه ، ومن كرّه اللّه إليه الشرّ وباعده منه ، عافاه اللّه من الكبر أن يدخله والجبريّة ، فلانت عريكته ، وحسن خلقه ، وطلق وجهه ، وصار عليه وقار الإسلام وسكينته وتخشّعه ، وورع عن محارم اللّه ، واجتنب مساخطه ، ورزقه اللّه مودّة الناس ومجاملتهم وترك مقاطعة الناس والخصومات ، ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء ، وإنّ العبد إذا كان اللّه خلقه في الأصل ـ أصل الخلق ـ كافرا ، لم يمت حتّى يحبّب إليه الشرّ ، ويقرّبه منه ، فإذا حبّب إليه الشرّ وقرّبه منه ، ابتلي بالكبر والجبريّة ، فقسا قلبه ، وساء خلقه ، وغلظ وجهه ، وظهر فحشه ، وقلّ حياؤه ، وكشف اللّه ستره ، وركب المحارم فلم ينزع عنها ، وركب معاصي اللّه ، وأبغض طاعته وأهلها ، فبعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر ، سلوا اللّه العافية ، واطلبوها إليه ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه .
صبّروا النفس على البلاء في الدنيا ؛ فإنّ تتابع البلاء فيها والشدّة في طاعة اللّه وولايته وولاية من أمر بولايته خيرٌ عاقبةً عند اللّه في الآخرة من ملك الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية اللّه وولاية من نهى اللّه عن ولايته وطاعته ؛ فإنّ اللّه أمر بولاية الأئمّة الذين سمّاهم في كتابه في قوله : «وَ جَعَلْنَـهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا» [الأنبياء (۲۱) : ۷۳] وهم الذين أمر اللّه بولايتهم وطاعتهم ، والذين نهى اللّه عن ولايتهم وطاعتهم وهم أئمّة الضلال الذين قضى اللّه أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء اللّه الأئمّة من آل محمّد صلى الله عليه و آله ، يعملون في دولتهم بمعصية اللّه ومعصية رسوله صلى الله عليه و آله ؛ ليحقّ عليهم كلمة العذاب ، وليتمّ أمر اللّه فيهم الذي خلقهم له في الأصل ـ أصل الخلق ـ من الكفر الذي سبق في علم اللّه أن يخلقهم له في الأصل ، ومن الذين سمّاهم اللّه في كتابه في قوله «وَ جَعَلْنَـهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ» [القصص (۲۸) : ۴۱] فتدبّروا هذا واعقلوه ، ولا تجهلوه ؛ فإنّ من جهل هذا وأشباهه ممّا افترض اللّه عليه في كتابه ممّا أمر به ونهى عنه ، ترك دين اللّه ، وركب معاصيه ، فاستوجب سخط اللّه ، فأكبّه اللّه على وجهه في النار» .
وقال : «أيّتها العصابة المرحومة المفلحة إنّ اللّه تعالى أتمّ لكم ما آتاكم من الخير ، واعلموا أنّه ليس من علم اللّه ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق اللّه في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، قد أنزل اللّه القرآن ، وجعل فيه تبيان كلّ شيء ، وجعل للقرآن وتعلّم القرآن أهلاً ، لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم اللّه علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، أغناهم اللّه عن ذلك بما آتاهم من علمه ، وخصّهم به ، ووضعه عندهم كرامة من اللّه تعالى أكرمهم بها ، وهم أهل الذكر الذين أمر اللّه هذه الاُمّة بسؤالهم ، وهم الذين من سألهم ـ وقد سبق في علم اللّه أن يصدّقهم ويتّبع أثرهم ـ أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى اللّه بإذنه وإلى جميع سبل الحقّ ، وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم اللّه به وجعله عندهم إلّا من سبق عليه في علم اللّه الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلّة ، فاُولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم اللّه تعالى علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم ، فاُولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقاييسهم حتّى دخلهم الشيطان ؛ لأنّهم جعلوا أهل الايمان في علم القرآن عند اللّه كافرين ، وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند اللّه مؤمنين ، وحتّى جعلوا ما أحلّ اللّه في كثير من الأمر حراما ، وجعلوا ما حرّم اللّه في كثير من الأمر حلالاً ، فذلك أصل ثمرة أهوائهم ، وقد عهد إليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله قبل موته فقالوا : نحن بعدما قبض اللّه رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد قبض اللّه تعالى رسوله ، وبعد عهده الذي عهده إلينا وأمرنا به مخالفة للّه تعالى ولرسوله صلى الله عليه و آله ، فما أحد أجرأ على اللّه ولا أبين ضلالة ممّن أخذ بذلك ، وزعم أنّ ذلك يسعه ، واللّه إنّ للّه على خلقه أن يطيعوه ويتّبعوا أمره في حياة محمّد صلى الله عليه و آله وبعد موته ، هل يستطيع اُولئك أعداء اللّه أن يزعموا أنّ أحدا ممّن أسلم مع محمّد صلى الله عليه و آله أخذ بقوله ورأيه ومقاييسه؟ فإن قال : نعم ، فقد كذب على اللّه ، وضلّ ضلالاً بعيدا ، وإن قال : لا ، لم يكن لأحد أن يأخذ برأيه وهواه ومقاييسه ، فقد أقرّ بالحجّة على نفسه وهو ممّن يزعم أنّ اللّه يطاع ويتّبع أمره بعد قبض اللّه رسوله صلى الله عليه و آله ، وقد قال اللّه تعالى ـ وقوله الحقّ ـ : «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِين مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَـبِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِى اللَّهُ الشَّـكِرِينَ» [آل عمران (۳) : ۱۴۴ ]وذلك ليعلموا أنّ اللّه تعالى يطاع ويتّبع أمره في حياة محمّد صلى الله عليه و آله وبعد قبض اللّه محمّدا صلى الله عليه و آله ، وكما لم يكن لأحد من الناس مع محمّد صلى الله عليه و آله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه خلافا لأمر محمّد صلى الله عليه و آله ، فكذلك لم يكن لأحد من الناس من بعد محمّد صلى الله عليه و آله أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقاييسه» .
وقال : «دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلّا مرّة واحدة حين تفتتح الصلاة ؛ فإنّ الناس قد شهروكم بذلك واللّه المستعان ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه » .
وقال : «أكثروا من أن تدعوا اللّه ؛ فإنّ اللّه يحبّ من عباده المؤمنين أن يدعوه ، وقد وعد عباده المؤمنين بالاستجابة ، واللّه مصيّر دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملاً يزيدهم به في الجنّة ، فأكثروا ذكر اللّه ما استطعتم في كلّ ساعة من ساعات الليل والنهار ؛ فإنّ اللّه تعالى أمر بكثرة الذكر له ، واللّه ذاكر لمن ذكره من المؤمنين ، واعلموا أنّ اللّه لمن يذكره أحد من عباده المؤمنين إلّا ذكره بخير ، فأعطوا اللّه من أنفسكم الاجتهاد في طاعته ؛ فإنّ اللّه لا يدرك شيء من الخير عنده إلّا بطاعته واجتناب محارمه التي حرّم اللّه تعالى في ظاهر القرآن وباطنه ؛ فإنّ اللّه تعالى قال في كتابه ـ وقوله الحقّ ـ «وَذَرُوا ظَـهِرَ الْاءِثْمِ وَبَاطِنَهُ» [الأنعام (۶) : ۱۲۰] واعلموا أنّ ما أمر اللّه أن تجتنبوه فقد حرّمه اللّه ، واتّبعوا آثار رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسنّته ، فخذوابها ، ولا تتّبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلّوا ؛ فإنّ أضلّ الناس عند اللّه من اتّبع هواه ورأيه بغير هدى من اللّه ، وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم ، فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ، وإن أسأتم فلها ، وجاملوا الناس ، ولا تحملوهم على رقابكم ، تجمعوا مع ذلك طاعة ربّكم ، وإيّاكم ، وسبّ أعداء اللّه حيث يسمعونكم ، فيسبّوا اللّه عدوا بغير علم ، وقد ينبغي لكم أن تعلموا حدّ سبّهم للّه كيف هو ، إنّه من سبّ أولياء اللّه فقد انتهك سبّ اللّه ، ومن أظلم عند اللّه ممّن استسبّ للّه ولأوليائه ، فمهلاً مهلاً ، فاتّبعوا أمر اللّه ، ولا قوّة إلّا باللّه » .
وقال : «أيّتها العصابة الحافظ اللّه لهم أمرهم ، عليكم بآثار رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسنّته وآثار الأئمّة الهداة من أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله من بعده وسنّتهم ؛ فإنّه من أخذ بذلك فقد اهتدى ، ومن ترك ذلك ورغب عنه ضلّ ؛ لأنّهم هم الذين أمر اللّه بطاعتهم وولايتهم ، وقد قال أبونا رسول اللّه صلى الله عليه و آله : المداومة على العمل في اتّباع الآثار والسنّن ـ وإن قلّ ـ أرضى للّه وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع واتّباع الأهواء ، ألا إنّ اتّباع الأهواء واتّباع البدع بغير هدى من اللّه ضلال ، وكلّ ضلال بدعة ، وكلّ بدعة في النار ، ولن ينال شيء من الخير عند اللّه إلّا بطاعته والصبر والرضا ؛ لأنّ الصبر والرضا من طاعة اللّه .
واعلموا أنّه لن يؤمن عبد من عبيده حتّى يرضى عن اللّه فيما صنع اللّه إليه ، وصنع به على ما أحبَّ وكره ، ولن يصنع اللّه بمن صبر ورضي عن اللّه إلّا ما هو أهله ، وهو خير له ممّا أحبّ وكره .
وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى ، وقوموا للّه قانتين كما أمر اللّه به المؤمنين في كتابه من قبلكم وإيّاكم ، وعليكم بحبّ المساكين المسلمين ؛ فإنّه من حقّرهم وتكبّر عليهم فقد زلّ عن دين اللّه ، واللّه له حاقر وماقت ، وقد قال أبونا رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أمرني ربّي بحبّ المساكين المسلمين منهم .
واعلموا أنّه من حقّر أحدا من المسلمين ، ألقى اللّه عليه المقت منه والمحقرة حتّى يمقته الناس ، واللّه له أشدّ مقتا ، فاتّقوا اللّه في إخوانكم المسلمين المساكين منهم ؛ فإنّ لهم عليكم حقّا أن تحبّوهم ؛ فإنّ اللّه أمر نبيّه صلى الله عليه و آله بحبّهم ، فمن لم يحبّ من أمر اللّه بحبّه ، فقد عصى اللّه ورسوله ، ومن عصى اللّه ورسوله ومات على ذلك ، مات وهو من الغاوين .
وايّاكم والعظمة والكبر ، فإنّ الكبر رداء اللّه تعالى ، فمن نازع اللّه رداءه قصمه اللّه ، وأذلّه يوم القيامة .
وإيّاكم أن يبغي بعضكم على بعض ؛ فإنّها ليست من خصال الصالحين ؛ فإنّه من بغى صيّر اللّه بغيه على نفسه ، وصارت نصرة اللّه لمن بُغي عليه ، ومن نصره اللّه غلب وأصاب الظفر من اللّه .
وايّاكم أن يحسد بعضكم بعضا ؛ فإنّ الكفر أصله الحسد .
وإيّاكم أن تعينوا على مسلم مظلوم ، فيدعو اللّه عليكم ، فيستجاب له فيكم ؛ فإنّ أبانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقول : إنّ دعوة المسلم المظلوم مستجابة ، وليعن بعضكم بعضا ؛ فإنّ أبانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقول : إنّ معونة المسلم خير وأعظم أجرا من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام .
وإيّاكم وإعسار أحد من إخوانكم المؤمنين أن تعسروه بالشيء يكون لكم قبله وهو معسر ؛ فإنّ أبانا رسول اللّه صلى الله عليه و آله كان يقول : ليس لمسلم أن يعسر مسلما ، ومن أنظر معسرا أظلّه اللّه يوم القيامة بظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه .
وإيّاكم أيّتها العصابة المرحومة المفضّلة على من سواها ، وحبس حقوق اللّه قِبلكم يوما بعد يوم ، وساعة بعد ساعة ؛ فإنّه من عجّل حقوق اللّه قِبله كان اللّه أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والآجل ، وإنّه من أخّر حقوق اللّه قبله ، كان اللّه أقدر على تأخير رزقه ، ومن حبس اللّه رزقه ، لم يقدر أن يرزق نفسه ، فأدّوا إلى اللّه حقّ ما رزقكم ، يطيب لكم بقيّته ، وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الأضعاف الكثيرة التي لا يعلم بعددها ولا بكنه فضلها إلّا اللّه ربّ العالمين» .
وقال : «اتّقوا اللّه أيّتها العصابة ، وإن استطعتم أن لا يكون منكم محرج للإمام ، وإنّ محرج الإمام هو الذي يسعى بأهل الصلاح من أتباع الإمام المسلّمين لفضله ، الصابرين على أداء حقّه ، العارفين بحرمته ، واعلموا أنّ من نزل بذلك المنزل عند الإمام ، فهو محرج للإمام ، فإذا فعل ذلك عند الإمام ، أحرج الإمام إلى أن يعلن أهل الصلاح من أتباعه ، المسلّمين لفضله ، الصابرين على أداء حقّه ، العارفين بحرمته ، فإذا لعنهم لإحراج أعداء اللّه الإمام ، صارت لعنته رحمة من اللّه عليهم ، وصارت اللعنة من اللّه ومن الملائكة ورسوله على اُولئك .
واعلموا أيّتها العصابة ، أنّ السنّة من اللّه قد جرت في الصالحين قبل» .
وقال : «من سرّه أن يلقى اللّه وهو مؤمن حقّا حقّا ، فيتولّ اللّه ورسوله والذين آمنوا ، وليبرأ إلى اللّه من عدوّهم ، وليسلّم لما انتهى من فضلهم ؛ لأنّ فضلهم لا يبلغه ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا من دون ذلك ، ألم تسمعوا ما ذكر اللّه من فضل أتباع الأئمّة الهداة وهم المؤمنون قال : «فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ وَالصَّــلِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا» [النساء (۴) : ۶۹] فهذا وجه من وجوه فضل أتباع الأئمّة ، فكيف بهم وفضلهم؟!
ومن سرّه أن يتمّ اللّه له إيمانه حتّى يكون مؤمنا حقّا حقّا ، فليف للّه بشروطه التي اشترطها على المؤمنين ؛ فإنّه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمّة المؤمنين عليهم السلام : إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإقراض اللّه قرضا حسنا واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فلم يبق شيء ممّا فسّر ممّا حرّم اللّه إلّا وقد دخل في جملة قوله ، فمن دان اللّه فيما بينه وبين اللّه مخلصا للّه ، ولم يرخّص لنفسه في ترك شيء من هذا ، فهو عند اللّه في حزبه الغالبين ، وهو من المؤمنين حقّا .
وإيّاكم والإصرار على شيء ممّا حرّم اللّه في ظهر القرآن وبطنه وقد قال اللّه : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ» [آل عمران (۳۱) : ۱۳۵] (إلى هاهنا رواية القاسم بن الربيع) يعني المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئا ممّا اشترط اللّه في كتابه ، عرفوا أنّهم قد عصوا اللّه في تركهم ذلك الشيء ، فاستغفروا ، ولم يعودوا إلى تركه ، فذلك معنى قول اللّه تعالى : «وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» واعملوا أنّه إنّما أمر ونهى ؛ ليطاع فيما أمر به ، ولينتهى عمّا نهى عنه ، فمن اتّبع أمره فقد أطاعه وقد أدرك كلّ شيء من الخير عنده ، ومن لم ينته عمّا نهى اللّه عنه فقد عصاه ، فإن مات على معصيته أكبّه اللّه على وجهه في النار .
واعلموا أنّه ليس بين اللّه وبين أحد من خلقه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا من دون ذلك من خلقه كلّهم إلّا طاعتهم له ، فجدّوا في طاعة اللّه إن سرّكم أن تكونوا مؤمنين حقّا حقّا ، ولا قوّة إلّا باللّه » .
وقال : «عليكم بطاعة ربّكم ما استطعتم ؛ فإنّ اللّه ربّكم ، واعلموا أنّ الإسلام هو التسليم ، والتسليم هو الإسلام ، فمن سلّم فقد أسلم ، ومن لم يسلّم فلا إسلام له ، ومن سرّه أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان ، فليطع اللّه ؛ فإنّه من أطاع اللّه ، فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان .
وإيّاكم ومعاصي اللّه أن تركبوها ؛ فإنّه من انتهك معاصي اللّه فركبها ، فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه ، وليس بين الإحسان والإساءة منزلة ، فلأهل الإحسان عند ربّهم الجنّة ، ولأهل الإساءة عند ربّهم النار ، فاعملوا بطاعة اللّه ، واجتنبوا معاصيه .
واعلموا أنّه ليس يغني عنكم من اللّه أحد من خلقه شيئا ، لا ملك مقرّب ، ولا نبيّ مرسل ، ولا من دون ذلك ، فمن سرّه أن تنفعه شفاعة الشافعين عند اللّه ، فليطلب إلى اللّه أن يرضى عنه .
واعلموا أنّ أحدا من خلق اللّه لم يصب رضاء اللّه إلّا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة أمره من آل محمّد صلّى اللّه عليهم ، ومعصيتهم من معصية اللّه ، ولم ينكر لهم فضلاً عظم ولا صغر .
واعلموا أنّ المنكرين هم المكذّبون ، وأنّ المكذّبين هم المنافقون ، وأنّ اللّه تعالى قال للمنافقين ـ وقوله الحقّ ـ : «إِنَّ الْمُنَـفِقِينَ فِى الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا» [النساء (۴) : ۱۴۵] ولا يفرقنّ أحد منكم ألزم اللّه قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس ، أخرجه اللّه من صفة الحقّ ، ولم يجعله من أهلها ؛ فإنّ من لم يجعله اللّه من أهل صفة الحقّ ، فاُولئك هم شياطين الإنس والجنّ ؛ فإنّ لشياطين الإنس حيلاً ومكرا وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض ، يريدون إن استطاعوا أن يردّوا أهل الحقّ عمّا أكرمهم اللّه به من النظر في دين اللّه الذي لم يجعل اللّه شياطين الإنس من أهله إرادة أن يستوي أعداء اللّه وأهل الحقّ في الشكّ والإنكار والتكذيب ، فيكونون سواءً كما وصف اللّه في كتابه من قوله سبحانه : «وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَآءً» [النساء (۴) : ۸۹] ، ثمّ نهى اللّه أهل النصر بالحقّ أن يتّخذوا من أعداء اللّه وليّا ولا نصيرا ، فلا يهولنّكم ، ولا يردّنّكم عن النصر بالحقّ الذي خصّكم اللّه به من حيلة شياطين الإنس ومكرهم وحيلهم ووساوس بعضهم إلى بعض ؛ فإنّ أعداء اللّه إن استطاعوا صدّوكم عن الحقّ ، فيعصمكم اللّه من ذلك ، فاتّقوا اللّه ، وكفّوا ألسنتكم إلّا من خير .
وإيّاكم أن تذلقوا ألسنتكم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان ؛ فإنّكم إن كففتم ألسنتكم عمّا يكره اللّه ممّا نهاكم عنه ، كان خيرا لكم عند ربّكم من أن تذلقوا ألسنتكم به ؛ فإنّ ذلق اللسان فيما يكره اللّه وفيما ينهى عنه لدناءة للعبد عند اللّه ، ومقت من اللّه ، وصمم وعمى وبكم يورثه اللّه إيّاه يوم القيامة ، فيصيروا كما قال اللّه : «صُمُّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ» [البقرة (۲) : ۱۸] يعني لا ينطقون «وَ لَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ» [المرسلات (۷۷) : ۳۶] .
وإيّاكم وما نهاكم اللّه عنه أن تركبوه ، وعليكم بالصمت إلّا فيما ينفعكم اللّه به في أمر آخرتكم ، ويؤجركم عليه ، وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح ، والثناء على اللّه ، والتضرّع إليه ، والرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره ، ولايبلغ كنهه أحد ، فاشْغَلوا ألسنتكم بذلك عمّا نهى اللّه عنه من أقاويل الباطل التي تُعقب أهلها خلودا في النار لمن مات عليها ولم يتب إلى اللّه منها ولم ينزع عليها (عنها ـ خ ل) .
وعليكم بالدعاء ؛ فإنّ المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربّهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه ، والتضرّع إلى اللّه ، والمسألة له ، فارغبوا فيما رغّبكم اللّه فيه ، وأجيبوا اللّه إلى ما دعاكم إليه لتفلحوا وتنجوا من عذاب اللّه .
وإيّاكم أن تشره أنفسكم إلى شيء ممّا حرّم اللّه عليكم ؛ فإنّه من انتهك ما حرّم اللّه عليه هاهنا في الدنيا ، حال اللّه بينه وبين الجنّة ونعيمها ولذّتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنّة أبد الآبدين .
واعلموا أنّه بئس الحظّ الخطر لمن خاطر بترك طاعة اللّه وركوب معصيته ، فاختار أن ينتهك محارم اللّه في لذّات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنّة ولذّاتها وكرامة أهلها ، ويل لاُولئك ما أخيب حظّهم ، وأخسر كرّتهم ، وأسوأ حالهم عند ربّهم يوم القيامة ، استجيروا اللّه أن يجريكم في مثالهم أبدا ، وأن يبتليكم بما ابتلاهم به ، ولا قوّة لنا ولكم إلّا به .
فاتّقوا اللّه أيّتها العصابة الناجية ، إن أتمّ اللّه لكم ما أعطاكم فإنّه لا يتمّ الأمر حتّى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم ، وحتّى تُبتلوا في أنفسكم وأموالكم ، وحتّى تسمعوا من أعداء اللّه أذىً كثيرا ، فتصبروا وتعركوا بجنوبكم ، وحتّى يستذلّوكم ويبغضوكم ، وحتّى يحمّلوا عليكم الضيم ، فتحتملوه منهم ، تلتمسون بذلك وجه اللّه والدار الآخرة ، وحتّى تكظموا الغيظ الشديد في الأذى في اللّه يجترمونه إليكم ، وحتّى يكذّبوكم بالحقّ ، ويعادوكم فيه ، ويبغضوكم عليه ، فتصبروا على ذلك منهم .
ومصداق ذلك كلّه في كتاب اللّه الذي أنزله جبرئيل على نبيّكم صلى الله عليه و آله سمعتم قول اللّه ـ تعالى ـ لنبيّكم صلى الله عليه و آله : «فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَ لَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ» [الأحقاف (۴۶) : ۳۵] ثمّ قال : «وَ إِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ» [فاطر (۳۵) : ۴] ، «فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا» [الأنعام (۶) : ۳۴ ]فقد كذّب نبيّ اللّه والرسل من قبله ، واُوذوا مع التكذيب بالحقّ ، فإن سرّكم أن تكونوا مع نبيّ اللّه صلى الله عليه و آله والرسل من قبله ، فتدبّروا ما قصّ اللّه عليكم في كتابه ممّا ابتلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين ، ثمّ سلوا اللّه أن يعطيكم الصبر على البلاء في السرّاء والضرّاء والشدّة والرخاء مثل الذي أعطاهم .
وإيّاكم ومماظّة أهل الباطل ، وعليكم بهدي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشّعهم وورعهم عن محارم اللّه وصدقهم ووفائهم واجتهادهم للّه في العمل بطاعته ؛ فإنّكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربّكم منزلة الصالحين قبلكم ، واعلموا أنّ اللّه ـ تعالى ـ إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للإسلام ، فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحقّ ، وعقد قلبه عليه ، فعمل به ، فإذا جمع اللّه له ذلك تمّ إسلامه ، وكان عند اللّه إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقّا ، وإذا لم يرد اللّه بعبد خيرا وكله إلى نفسه ، وكان صدره ضيّقا حرجا ، فإن جرى على لسانه حقّ لم يعقد قلبه عليه ، وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه اللّه العمل به ، فإذا اجتمع ذلك عليه حتّى يموت وهو على تلك الحال ، كان عند اللّه من المنافقين ، وصار ما جرى على لسانه من الحقّ الذي لم يعطه اللّه أن يعقد قلبه عليه ولم يعطه العمل به حجّة عليه ، فاتّقوا اللّه ، وسلوه أن يشرح صدوركم للإسلام ، وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحقّ حتّى يتوفّاكم وأنتم على ذلك ، وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم ، ولا قوّة إلّا باللّه ، والحمد للّه ربّ العاليمن .
ومن سرّه أن يعلم أنّ اللّه يحبّه ، فليعمل بطاعة اللّه وليتّبعنا ، ألم يسمع قول اللّه ـ تعالى ـ لنبيّه صلى الله عليه و آله : «قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ» ؟ واللّه لا يطيع اللّه عبد أبدا إلّا أدخل اللّه عليه في طاعته اتّباعنا ، ولا واللّه لا يتّبعنا عبد أبدا إلّا أحبّه اللّه ، ولا واللّه لا يدع اتّباعنا أحد أبدا إلّا أبغضنا ، ولا واللّه لا يبغضنا أحد أبدا إلّا عصى اللّه ، ومن مات عاصيا للّه أخزاه اللّه ، وأكبّه على وجهه في النار ، والحمد للّه ربّ العاليمن» .