41
الحاشية علي اصول الكافي (الفاضلي)

هذا كثير في كلامهم وما جاء القرآن والحديث إلاّ على طرقهم وأساليبهم ، من ذلك قولهم : لو قيل للشحم : أين تذهب ، لقال : اُسوّي العِوَج ، وهو في القرآن كثير من «إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ» ، آلاية ۱ و «قِيلَ يَـأَرْضُ ابْلَعِى» الآية ۲ .
فإن قلت : لِمَ قدّم الأمر بالإدبار هنا وأخّره في الحديث الذي في أوّل الباب؟
قلت : إذ قد علمت أنْ لا إقبال ولا إدبار حقيقة ، وإنّما هو تصوير وتمثيل فلا حرج في تقديم كلّ واحد منهما ولا تأخيره ، غير أنّ التصوير بتقديم الإدبار كما هنا أشدّ ملاءمة لما تألفه النفوس وتسكن إليه الطباع في مثله ، فإنّ المصنوع عند فراغ الصانع من صنعته لابدّ وأن يكون حاضرا عنده فلا يتصوّر إقباله إلاّ بعد إدباره ؛ لكن لمّا كان الأمر على ما تلوناه صحّ كلا الأمرين .

۰.قوله عليه السلام :ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جندا إلخ [ ص21 ح14 ]

اعلم أنّه يرد على ظاهر هذا الحديث الإشكال من وجوه أربعة :
الأوّل : أنّه قال : إنّ لكلّ واحد من العقل والجهل خمسة وسبعين جندا مع أنّها ثمانية وسبعون .
الثاني : أنّه كرّر الحرص فجعله ضدّا للتوكّل وضدّا للقنوع ، وجعل ضدّ الفهم الحمق في موضع والغباوة في موضع آخر ، والبلاء جعله ضدّا للعافية تارة وللسلامة اُخرى .
الثالث : أنّه قال : العلم وضدّه الجهل . جعل الشيء جندا لنفسه .
الرابع : أنّه قال : الإيمان وضدّه الكفر ، والتصديق وضدّه الجحود ، والرأفة وضدّها القسوة ، والرحمة وضدها الغضب ، والظاهر أنّ الإيمان والتصديق واحد

1.الأحزاب (۳۳) : ۷۲ .

2.هود (۱۱) : ۴۴ .


الحاشية علي اصول الكافي (الفاضلي)
40

أن يستر عيوب نفسه به ويقمع دواعي هواه ويردعها بعقله لتسلم له مودّة مَن وادده ۱ وتظهر محبّته بين الخلق .

۰.قوله عليه السلام :اعرفوا العقل وجنده والجهل وجنده [ ص21 ح14 ]

اعلم أنّ الجهل ليس مقابلاً للعقل وإنّما هو مقابل للعلم ، ولكنّه لازم لمقابل العقل وهو عدمه وحيث لم يوضع بإزائه لفظ عبّر به عنه ولهذا سيأتي في جند العقل العلم وضدّه الجهل والشيء لا يكون من جند نفسه .

۰.قوله عليه السلام :وهو أوّل خلق من الروحانيّين [ ص21 ح14 ]

هو بضمّ الراء جمع روحانيّ وهو ما فيه روح ، و«من» ليست للبيان ، والظرف صفة لـ «خلق» ، والمعنى أنّ العقل أوّل مخلوق كائن من ذوي الأرواح ، أي منسوب إليهم ، فعلى هذا خلق العقل قبل خلق الروح ، وكذا قوله : «عن يمين العرش» صفة اُخرى له ، فالاُولى للتخصيص والثانية للتعظيم ، و«من» في «من نوره» متعلّقة بمقدّر يدلّ عليه «خلق» السابق ؛ فإنّ الفعل كما يدلّ على المصدر كذلك المصدر يدلّ على الفعل ؛ لأنّ تعلّق الجارّ إنّما هو باعتباره .
ولا يلزم من قوله : «عن يمين العرش» أن يثبت له التحيّز وهو منافٍ للتجرّد وقد أثبت أهل العلم تجرّده ؛ لأنّا نقول : قد علمتَ ممّا سبق أنّ العقل المراد هنا غير ما أثبت العلماء تجرّده ، وبالجملة بأيّ معنى كان لا يلزم كونه عن يمين العرش ؛ لأنّا قد أشرنا في أوّل الباب إلى أنّ أمثال هذا من باب التصوير والتمثيل ، فإنّه عليه السلام لمّا أراد أن يظهر شرف العقل صوّره بصورة من يجلس عن يمين الملك ولا يمين هناك ولا جلوس ، وكذا الحال في القول له : أقبل فأقبل ، وأدبر فأدبر ، وإضمار العداوة وماضاهى ذلك ؛ فإنّ المفروضات قد تتخيّل في الذهن كالمحقّقات ، وتصوّر تصويرا هو أوقع في نفس السامع وهي به آنس وله أقبل وعلى حقيقته أوقف ، ونحو

1.كتب فوقها في النسخة لفظة «كذا» .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (الفاضلي)
    المؤلف :
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الرابع
عدد المشاهدين : 105422
الصفحه من 352
طباعه  ارسل الي