77
الحاشية علي اصول الكافي (الفاضلي)

ولا تعقّلها له لم يبق مجال للتوقّف في قبول جسم عظيم في صغير من غير صغر ولا عظم وإن لم تطّلع العقول على كيفيّة ذلك ، ومع قيام الدليل على ثبوت أمر لا مجال للتوقف فيه لمجرد عدم تعقّله ؛ ألا ترى إلى الحكماء كيف حكموا بأنّ ماوراء الفلك الأطلس لا خلاء ولا ملاء لقيام الدليل عليه عندهم وإن لم يتعقل ، ومثله ذات الواجب الوجود جلّ وعلا، فإنّا قاطعون بوجوده مع العجز عن تعقّل ذاته ، ومثله جزم العقلاء بكونه سبحانه عالما ، لقيام الدليل عليه مع حيرتهم في حقيقة العلم أ حصولي هو أم حضوري، فالحصولي لا سبيل إليه، والحضوري ألزم القائل به بأشياء توجب الكفر من جهله تعالى أو قدم العالم .
هذا ، ولنا عن البحث عن ذلك غنية ، فلسنا مكلّفين إلاّ بالإذعان بكونه عالما ، وأمّا كيفيّة العلم فلسنا مكلّفين بالعلم بها ۱ لا سيّما على القول باتّحاد الذات والصفات ، وفيما نحن فيه قد قام الدليل على قدرته تعالى على ذلك بهذه الروايات المعتبرة ، والتأويل ۲ العقلي إذا عارضه العقلي إنما هو إذا لم يكن العقلي واردا لإثبات ذلك المطلب الذي أباه العقل بخصوصه ، وإلاّ ففي تأويله ردّ على قائله ، وذلك كفر نعوذ باللّه منه .
فإن قيل : ما قرّرتموه مبنيّ على القول بأنّ سبب إحساس المبصرات هو الانطباع والارتسام ، وأمّا على القول بأنّ سببه إنّما هو انفصال خطوط شعاعيّة تحدث بمعونة إحداث النور في جسم بين الناظر والمبصرات كالهواء وتلك الأشعّة على هيئة شكل مخروطي رأسه ممايلي العين وقاعدته ممّا يلي نهاية المبصرات فلا يتمّ ما ذكرتموه .
قيل : قد ذهب إلى كلّ قول فريق من الناظرين في علم المناظر، ولا دليل نعتدّ به من الجانبين مع تأييد القول بالارتسام والانطباع بما ورد عن ينابيع الحكمة ومخازن العلم صلوات اللّه عليهم ، فهو الصواب وعليه المعوّل، واللّه سبحانه وليّ التوفيق .

1.في النسخة : «به» .

2.في النسخة : «تأويل» .


الحاشية علي اصول الكافي (الفاضلي)
76

القدير الحقّ بعجز ، ولا أن يتوهّم فيه أنّه غير قادر على شيء من الأشياء أصلاً ، وعدم [ تعلّق ] قدرته على إدخال الدنيا في بيضة من غير أن تصغر تلك أو تكبر هذه وعلى سائر الممتنعات ۱ الذاتية ليس من نقص في قدرته ولا من حيث إنّه ليس قادرا على شيء من ذلك، إنّما هو لنقصان في المفروض مقدورا عليه ؛ إذ لا حظّ له من الشيئيّة في الأعيان ولا في الأذهان ۲ ولا حقيقة له بشيء من الاعتبارات ، ولو تحقّق له حظّ من الشيئيّة لكان تعلّق القدرة به كغيره من الأشياء ، وجَعَلَ الحديثين الأوّلين شاهدين لهذا .
الثاني أنّ ما يعقل ويتصوّر من إدخال الدنيا في بيضة وأقلّ منها من غير كبر ولا صغر إنّما هو بحسب الوجود الانطباعي الارتسامي ، واللّه سبحانه قادر عليه ، كما نشاهده من إدخال نصف كرة العالم تقريبا في إنسان العين الذي هو مقدار العدسة أو أصغر ، وأمّا بحسب الوجود العيني فليس ذلك شيئا كما مرّ ، وجَعَلَ رواية الكتاب والرواية الأخيرة شاهدتين له .
ويمكن أن يقال : ظاهر الروايات والمفهوم منها إنما هو السؤال عن الوجود العيني وإنّ قوله عليه السلام : «إنّ الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة أو أقلّ منها قادر أن يدخل الدنيا كلّها البيضة لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة» إنّما هو رفع لاستبعاد ثبوت الشيء بإثبات نظيره ؛ إذ لا شك أنّ الانطباع والارتسام إنّما يجزم به العقل في صورة مقابلة المرتسم للمرتسم فيه ومحاذاته له ، فلو فرض خروج بعض الأجزاء عن المقابلة والمحاذاة لم يجزم العقل إلاّ بارتسام المحاذي فقط ، فإذا وجد ارتسام ما هو أعظم من المرتسم فيه بكرّات ومرّات لا يحصيها إلاّ اللّه سبحانه من غير انقباض في المرتسم ولا انبساط في المرتسم فيه، مع جزم العقل بخروج ۳ إلاّ القليل من المرتسم عن مقابلة المرتسم فيه ، كما في المشاهد وإنسان العين مع عدم إذعان العقول بكيفيته

1.في تعليقة السيّد الداماد : «أو بسائر الممتنعات» .

2.في التعليقة للسيد الداماد : «الأوهام» .

3.كتب فوقها في النسخة لفظة «كذا» وهو إشارة إلى عدم ذكر المستثنى منه .

  • نام منبع :
    الحاشية علي اصول الكافي (الفاضلي)
    المؤلف :
    سایر پدیدآورندگان :
    الفاضلی، علی
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الرابع
عدد المشاهدين : 90250
الصفحه من 352
طباعه  ارسل الي