321
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1

الباب الثالث : بَابُ صِفَةِ الْعِلْمِ وَفَضْلِهِ وَفَضْلِ الْعُلَمَاءِ

وأحاديثه كما في الكافي عشرة:

الحديث الأوّل

۰.روى في الكافي عن مُحَمَّدِ بْنُ الْحَسَنِ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَنْ الدِّهْقَانِ، عَنْ دُرُسْتَ۱، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسى عليه السلام ، قَالَ:«دَخَلَ رَسُولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله الْمَسْجِدَ، فَإِذَا جَمَاعَةٌ قَدْ أَطَافُوا بِرَجُلٍ، فَقَالَ: مَا هذَا؟ فَقِيلَ: عَلَامَةٌ، فَقَالَ: وَمَا الْعَلَامَةُ؟ فَقَالُوا لَهُ: أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَنْسَابِ الْعَرَبِ وَوَقَائِعِهَا وَأَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْأَشْعَارِ وَالْعَرَبِيَّةِ» .
قَالَ: «فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : ذَاكَ عِلْمٌ لَا يَضُرُّ مَنْ جَهِلَهُ، وَلَا يَنْفَعُ مَنْ عَلِمَهُ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : إِنَّمَا الْعِلْمُ ثَلَاثَةٌ: آيَةٌ مُحْكَمَةٌ، أَوْ فَرِيضَةٌ عَادِلَةٌ، أَوْ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ، وَمَا خَلَاهُنَّ فَهُوَ فَضْلٌ».

هديّة :

«العلّامة» على صيغة المبالغة: العالم جدّا.
و «النسّابة»، والتاء للمبالغة، مبالغة في المبالغة. وعطف «الأيّام» محتمل.
و «العربية» أي القواعد المنسوبة بلسان العرب.
وضرر الجاهل ونفع العالم هنا يعلم من قوله عليه السلام في الثامن في السابق: «فإنّه من لم يتفقّه في دين اللّه لم ينظر اللّه ۲ إليه يوم القيامة ولم يزكّ له عملاً» وذلك في العلم بالأنساب، والوقائع، والتواريخ، والأشعار ظاهر. وأمّا في العربية، فهي قد تقع مقدّمة طالبي علم الدِّين، وليست مقصوده بالذات للنفع الموصوف.
(إنّما العلم ثلاثة) لعلّ المعنى: إنّما علم الدِّين الذي يوجب أن ينظر اللّه إلى عالمه يوم القيامة بشرط العمل، ويزكّى له عمله ثلاثة بحسب الاسم الذي باعتبار العالم، وهو علم واحد حقيقةً. يدلّ على هذا العطفان بكلمة «أو»؛ فإنّ علم الدِّين ليس إلّا ما اُخذ عن اللّه تبارك وتعالى، فإن كان بلا بشر سمّي (آية محكمة)؛ لأنّه من آيات محكمات حجّيّة الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، نبيّا كان أو وصيّا، كسائر المعجزات والدلالات، ومعجزة العلم أحكمها وأظهرها.
وإن كان بالواسطة، فإمّا بواسطة الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، أو بواسطة العاقل عن العاقل عن اللّه ، واحدا كانت الواسطة أو أكثر. فعلى الأوّل سمّي (فريضة عادلة) باعتبار أنّ طلبه فريضة، وآخذه عدل مشافهيّ كأنّه هو. ولوصفه حينئذٍ ب «العادلة» إشارة اُخرى، وهي اشتراط عدالة الناقل الآخذ مشافهة، ففي صورة الواسطة بطريقٍ أولى.
وعلى الثاني سمّي (سنّة قائمة) أي بين الناس حتّى تقوم الساعة، ووجهه ظاهر كوجه البيان؛ إذ العلم ما فيه القطع واليقين.
وقال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى:
قوله في العنوان؛ يعني هذا باب بيان علامة العلم الذي أمر اللّه تعالى بطلبه، وبيان فضيلته، وبيان فضيلة علمائه.
وقوله: «وأيّام الجاهليّة» أي تواريخها. «آية محكمة» أي العلم بمضمون محكم من محكمات القرآن إذا لم يكن منسوخا، كالمحكمات الدالّة على النهي عن الشرك والعمل بالظنّ.
«أو فريضة عادلة» من الفرض بمعنى القطع والإبانة. و «عادلة» من العدل، بمعنى الرجوع عن الشيء.
والمراد هنا من الفريضة مسائل فروع الفقه، وهي انتهت في الإبانة، وعلم بها حكم الأفعال الشخصيّة. فالمعنى أو العلم بما يكون فيه القطع الإلهيّ وفصله بحكم متعلّق بفعل مخصوص من أفعال المكلّفين بلا واسطة قاعدة كلّيّة يستنبط منه أحكام أفراد الأفعال، و «الفريضة» بهذا المعنى «عادلة» من محكمات القرآن ليست فيها كوجوب الأربع للظهر واستحباب أحد عشر في السَّحَر.
«أو سنّة قائمة» أي طريقة بيّنة، وقواعد أصليّة ظاهرة، يعلم بواسطتها الأحكام المتعلّقة بالأفعال الشخصيّة التي لا يظهر القطع الإلهي وفصله فيها بدون تلك الطريقة، والقواعد الأصليّة، يعني مسائل اُصول الفقه، كالعمل في مسألة مشتبهة بظاهر القرآن لو أمكن لكن بدون القضاء والإفتاء، وكالعمل بالخبر الواحد الصحيح لو لم يمكن بظاهر القرآن ، وكغير ذلك من الاُصول الفقهيّة الثابتة عندنا. والمصنّف طاب ثراه أشار إلى القسم الثالث في الخطبة بقوله: «بالآثار الصحيحة والسنن القائمة».
«وما خلاهنّ فهو فضل» أي زيادة بلا طائل، لا يضرّ من جهله، ولا ينفع من علمه.
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله:
«ذلك علمٌ لا يضرّ من جهله، ولا ينفع من علمه» أي لا يتضرّر أحد بجهله، ولا يكون بفقدانه سَيِّئ الحال، ولا يترتّب نفع على حصول ذلك العلم وإن كان في نفسه نوع فضيلة. وما هذا شأنه لا يعتدّ به، ولا ينبغي أن يعدّ من العلوم؛ فإنّ ما يُحتاج إليه من العلوم وما ينتفع به كثير لا مجال للاشتغال عنها بمثل ذلك العلم.
«إنّما العلم» أي الحقيق بأن يعدّ علما هو العلم المحتاج إليه والمنتفع به في الدِّين والدنيا ، وهو «ثلاثة» أقسام:
العلم بآية محكمة من الكتاب بمعرفة ما فيها من المعارف والأحكام. و «الآية المحكمة» هي التي لم تكن منسوخة، ولا محتاجة إلى التأويل.
أو العلم بفريضة عادلة. والمراد ب «الفريضة» ما أوجبه اللّه تعالى بخصوصه، سواء علم وجوبه بالمحكمات من الآيات أو بطريق آخر، أو الفريضة الواجب مطلقا.
والمراد ب «العادلة»: القائمة، أي الباقية الغير المنسوخة.
وقيل: الفريضة العادلة: المعدّلة على السهام المذكورة في الكتاب والسنّة. ۳
وقيل: ما اتّفق عليه المسلمون. ۴ وما ذكرناه أقرب.
أو العلم بسنّة قائمة. والمراد ب «السنّة» الطريقة أي ما يكون ثبوته من جهة الطريقة التي سنّها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وإذا قوبلت بالفريضة يراد بها ما لا يكون فريضة.
فكلّ من هذه العلوم يغاير الآخرين، ولذا ثلّث القسمة، فلا يضرّ اجتماع بعضها مع بعض في الجملة، ولا حاجة إلى تخصيص الأوّل بالمعارف الاُصوليّة بقرينة المقابلة كما ظنّ، ويندرج فيها المعارف الاُصوليّة والمسائل الفروعيّة، سواء وجب الفعل أو الترك، أو سنّ الفعل أو الترك.
ويحتمل أن يكون المراد من العلم بآية محكمة الاطّلاع على الآية وفهمها. ومن العلم بالفريضة العادلة ما هو من المعارف الاُصوليّة. ويكون «العادلة» حينئذٍ بمعنى القائمة في النفوس أنّها مستقيمة. ومن العلم بالسنّة القائمة العلم بالشريعة كلّها.
والأوّل يغاير الآخَرَين وإن كان قد يوصل إليهما، كالعلم بالدليل يغاير العلم بالمدلول وإن كان موصلاً إليه. ۵ انتهى
الأمر في ۶ ذلك ۷ كما في النسخ التي رأيناها، وذلك كما في نسخته رحمه اللهضبطا منه، أو على الاشتباه من ناسخها سهل، ولا شكّ أنّ خير الوجوه ما هو أنسب بلفظ العلم بمعنى القطع واليقين، والوجه الذي ذكرناه وجه وجاهته معه، والقطع بحقّية شيء من الاُمور الدينيّة منحصر في أخبار من انحصرت الأعلميّة فيه تعالى شأنه.
وقال السيّد الباقر الشهير بداماد رحمه الله:
علم الآية المحكمة هو العلم النظري الذي فيه المعرفة باللّه سبحانه، وبحقائق مخلوقاته ومصنوعاته، وبأنبيائه ورسله، وهذا هو الفقه الأكبر.
وعلم الفريضة العادلة هو العلم الشرعي الذي فيه المعرفة بالشرائع والسنن، والقواعد والأحكام في الحلال والحرام، وهذا هو الفقه الأصغر.
وعلم السنّة القائمة هو علم تهذيب الأخلاق، وتكميل الآداب. ۸
وقال ابن الأثير في نهايته:
فسّر الفريضة بالميراث، والعادلة بتعديل السّهام. ثمّ قال: ويحتمل يريد أنّها مستنبطة من الكتاب والسنّة، فتكون هذه الفريضة تعدل بما أخذ عنهما، وقيل: الفريضة العادلة ما اتّفق عليه المسلمون. ۹
وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله:
التعريف في «العلم» للعهد، وهو ما علم من الشارع، وهو العلم النافع في الدِّين، وحينئذٍ «العلم» مطلق، فينبغي تقييده بما يفهم منه المقصود، فيقال: علم الشريعة معرفة ثلاثة أشياء، والتقسيم حاصر. بيانه: أنّ قوله «آيةٌ محكمة» يشتمل على معرفة كتاب اللّه وما يتوقّف عليه معرفته؛ لأنّ المحكمة هي التي أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه، فتحمل المتشابهات عليها، وتردّ إليها، ولا يتمّ ذلك إلّا للماهر في علم التفسير والتأويل الحاوي لمقدّمات يفتقر إليها من الأصلين وأقسام العربيّة.
ومعنى قيام «السنّة القائمة» ثباتها ودوامها بالمحافظة عليها، من قامت السّوق، إذا نفقت؛ لأنّها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي يتوجّه إليه النفقات، ويتنافس فيه المحصّلون ۱۰ بالطلبات.
ودوامها؛ إمّا أن يكون بحفظ أسانيدها من معرفة أسماء الرجال والجرح والتعديل، ومعرفة الأقسام من الصحيح والحسن والموثّق والضعيف المنشعب منه أقسامٌ كثيرة، وما يتّصل بها من المتمّمات ممّا يسمّى علم الاصطلاح.
وإمّا أن يكون بحفظ متونها من التغيير والتبديل بالإتقان، وتفهّم معانيها، واستنباط العلوم منها.
«أو فريضة عادلة» أي مستقيمة مستنبطة من الكتاب والسنّة والإجماع.
«وما خلاهنّ فهو فضل»؛ أي لا مدخل لها في اُصول علم الدِّين، بل ربّما يستفاد منه خبثا؛ لقوله عليه السلام : «أعوذ بك من علمٍ لا ينفع». ۱۱
ولقلّة الفائدة في نقل تكلّفات الأقوال هنا طويناها بطويها.

1.السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «محمّد بن الحسن و عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زياد ، عن محمّد بن عيسى ، عن عبيداللّه بن عبداللّه الدهقان ، عن درست الوسطي».

2.في «الف»: - «اللّه ».

3.راجع: شرح المازندراني ، ج ۲ ، ص ۲۳.

4.المصدر السابق.

5.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۹۵ ـ ۹۷.

6.في «الف»: «إلى».

7.في «ب» و «ج»: «ذاك».

8.التعليقة على الكافي، ص ۶۶ ـ ۶۷ .

9.النهاية لابن الأثير ، ج ۳ ، ص ۴۳۲ (فرض).

10.في «الف»: «للحصول».

11.كنز الفوائد ، ج ۱ ، ص ۳۸۵؛ و عنه في بحار الأنوار ، ج ۸۳ ، ص ۱۸ ، ح ۱۵.


الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
320

هديّة :

«ودّ» كعزّ، و «السياط» جمع سوط، وهو ما يُجلد به، قُلبت الواو ياء لكسرة ما قبلها.
قال برهان الفضلاء: المراد شكاية عن الشيعة.

الحديث العاشر

۰.روى في الكافي عن عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلِ۱، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى، عَمَّنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ: قَالَ لَهُ رَجُلٌ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، رَجُلٌ عَرَفَ هذَا الْأَمْرَ لَزِمَ بَيْتَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّفْ إِلى أَحَدٍ مِنْ إِخْوَانِهِ؟ قَالَ: فَقَالَ:«كَيْفَ يَتَفَقَّهُ هذَا فِي دِينِهِ؟!».

هديّة :

نصّ في الحظر من الاعتزال عن زيارة الإخوان في الدِّين، ودلالة على امتناع حصول العلم بالمكاشفة من الرياضة كما ادّعت الصوفية والقدريّة لعنهم اللّه ، وفي الباب الثاني: «إذا أراد اللّه بعبدٍ خيرا فقّهه في الدِّين». يعني لا خير فيمن لم يتعلّم علم الدِّين من أهله بواسطة أو بلا واسطة.
والمراد أنّ مثله كمَن لا خير فيه، وفي عدادهم إذا ترك مع الإمكان، والمعذور يعلّم في البرزخ. سئل شيخٌ كبير من الصوفيّة الملعونين: ما حكم الشكّ بين الثلاث والأربع؟ فقال: استئناف الصلاة في كلّ صورة أولى، فإنّ الصلاة السليمة خيرٌ من صلاة ذات وصلة.

1.في الكافي المطبوع: «سهل بن زياد».

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 94217
صفحه از 644
پرینت  ارسال به