الباب الرابع : بَابُ أَصْنَافِ النَّاسِ
و أحاديثه كما في الكافي أربعة:
الحديث الأوّل
۰.روى في الكافي عن عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَهْلٍ، وَمُحَمَّدُ عَنْ ابْنِ عِيسى جَمِيعا، عَنْ السرّاد، عن الشحّام، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ،۱عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صلوات اللّه عليه يَقُولُ:«إِنَّ النَّاسَ آلُوا بَعْدَ رَسُولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله إِلى ثَلَاثَةٍ: آلُوا إِلى عَالِمٍ عَلى هُدًى مِنَ اللّه ِ قَدْ أَغْنَاهُ اللّه ُ بِمَا عَلِمَ عَنْ عِلْمِ غَيْرِهِ، وَجَاهِلٍ مُدَّعٍ لِلْعِلْمِ لَا عِلْمَ لَهُ، مُعْجَبٍ بِمَا عِنْدَهُ و ۲ قَدْ فَتَنَتْهُ الدُّنْيَا وَفَتَنَ غَيْرَهُ، وَمُتَعَلِّمٍ مِنْ عَالِمٍ عَلى سَبِيلِ هُدًى مِنَ اللّه ِ وَنَجَاةٍ، ثُمَّ هَلَكَ مَنِ ادَّعى، وَخَابَ مَنِ افْتَرى».
هديّة :
«آل إليه»: رجع وصار، يعني صاروا ثلاثة أصناف بدليل ثالثها.
(بما علم) أي عقلاً عن اللّه بجعله حجّته على الناس. واحتمال المعلوم، أو خلافه من التفعيل كماترى.
(مدّع للعلم) أي في المتشابهات بالأدلّة والمقاييس، أو بالمسموع من الأفواه من غير استناده على الوجه الصحيح على ما وصف من الحجّة المعصوم، إلى الحجّة المعصوم أو بادّعاء المكاشفة بالارتياض، أو التحديث، أو الإلهام من دون أن يكون من الحجج المعصومين المحصور عددهم في تقدير اللّه وحكمته كالأفلاك وأبراجها، «وكلّ شيء عنده بمقدار»۳
(لا علم له) أي بالمختلف فيه على ما وصف.
(معجب بما عنده) من المكتسب بما فصّل. أعجبني فلانٌ لحسنه، وقد اُعجب فلان بنفسه، على ما لم يسمّ فاعله، فهو معجَب برأيه، بفتح الجيم.
ولمّا كان في الحقيقة أصناف الناس بحسب علم الدِّين بعد رسول ا صلى الله عليه و آله أربعة وكان القسمان منها في النار، وكان لا يتعلّق غرض يعتدّ به ببيان تفاوت مرتبتهما فيها أدرج عليه السلام ثانيهما في الأوّل؛ إيماءً إلى أنّهما في النار، ثمّ أومأ إلى تربيع القسمة بقوله: (وفتن غيره).
وقال السيّد السند أمير حسن القايني رحمه الله: لم يذكر المتعلّم من جاهل مدّع؛ إمّا لكونه كالمعدوم؛ أو لكونهما غثّاء، كما في التالي، وهما في النار؛ أو للظهور.
وقال برهان الفضلاء:
«آلوا» بالهمزة والألف وضمّ اللّام من باب نصر، يعني صاروا هكذا إلى يوم القيام.
و «المعجب» على اسم المفعول من الإفعال.
«إلى عالم» يعني أمير المؤمنين وأحد عشر من ولده صلوات اللّه عليهم.
«ثمّ هلك من ادّعى» تعريض على الأوّل، «وخاب مَن افترى» على الثاني.
وقال الفاضل الاسترآبادي رحمه الله:
«آلو إلى عالم» إلى آخره: تصريح بأنّ الناس ثلاثة أصناف: أصحاب العصمة، ومن التزم السماع منهم بواسطة أو بدونها في المسائل الدينيّة كلّها، وغيرهما. وتصريح بأنّ الصنف الثالث مفترٍ على اللّه ، سواء كان مجتهدا أو مقلِّدا؛ يعني آلو إلى عالم ومتعلّم وصاحب الجهل المركّب. ۴
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله:
يعني رجعوا إلى ثلاثة؛ فإنّه إذا فُتّش عن أحوالهم وُجدت راجعةً إلى ثلاثة، فيكون رجوع الناس باعتبارها إلى ثلاثة أقسام:
«عالم» بالمعارف ومسائل الشريعة «على هدى من اللّه » أي مستقرّ على هدى من جانب اللّه وبتأييده. والمراد به الحجّة، وهو أحد الأقسام الثلاثة.
وغير العالم ينقسم قسمين:
أحدهما: الذي لا يتعلّم ولا يرجع في تحصيل المعرفة إلى العالم ابتداءً أو بواسطة، فيرى ما عنده من رأيه أو الآخذ عن الجاهل كافيا له، فهو «مدّع للعلم». ۵
وهذا هو القسم الثاني الذي عبّر عنه بقوله: «وجاهل مدّع للعلم لا علم له، معجب لما عنده قد فتنته الدنيا وفتن غيره. والمراد بالجاهل إمّا مقابل العالم. وقوله: «لا علم له» تأكيد لجهله. وإمّا مقابل العاقل، وجميع ما بعده ممّا يترتّب على جهله.
والآخر: المتعلّم من العالم ابتداءً أو بواسطة.
ولمّا فرغ من ذكر الأقسام قال: «ثمّ هلك من ادّعى» أي بعد ماآل الناس إلى ثلاثة هلك هذا القسم بعمله بمقتضى جهله، أو ادّعائه العلم من اللّه لنفسه، والبقاء على ضلاله وإضلاله الناس وإضاعته للحقّ وإعلائه للباطل وخاب وخسر بقوله على اللّه بما لا يعلم ، و افترائه بالكذب على اللّه ، والإفتاء في حكم اللّه من غير دليل. ۶
1.السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «عليّ بن محمّد ، عن سهل بن زيادٍ؛ و محمّد بن يحيى ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى جميعا ، عن ابن محبوب ، عن أبي اُسامة ، عن هشام بن سالم».
2.في الكافي المطبوع: «قد» بدل «وقد».
3.الرعد (۱۳): ۸ .
4.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۹۳.
5.في المصدر بإضافة «فإنّه من الظاهر أنّه لاكفاية إلّا بالعلم ، فمن يرى الكفاية فيما عنده ـ من الرأي الفاسد و الأخذِ عن غير العالم ـ يكون مدّعيا لكونه علما».
6.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۰۲ ـ ۱۰۳.