401
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1

الباب الثاني عشر : بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْقَوْلِ بِغَيْرِ عِلْمٍ

وأحاديثه كما في الكافي تسعة :

الحديث الأوّل

۰.روى في الكافي عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ ابْنِ عِيسى و أخيه بنان۱، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ مزيد۲، قَالَ : قَالَ۳أَبُو عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام :«أَنْهَاكَ عَنْ خَصْلَتَيْنِ ، فِيهِمَا هُلْكُ الرِّجَالِ : أَنْهَاكَ أَنْ تَدِينَ اللّه َ بِالْبَاطِلِ ، وَتُفْتِيَ النَّاسَ بِمَا لَا تَعْلَمُ» .

هديّة :

(بنان) كغراب بتقديم المفردة على النون: ابن محمّد بن عيسى، أخو أحمد بن محمّد بن عيسى . وقيل : هو كشدّاد ، وقيل : كسحاب . والأوّل أكثر وأشهر .
«دانه»: أطاعه بالباطل ؛ أي بغير طاعة مفترض الطاعة. وكلّ ما لا يقين بحقّيّته هو خلاف الحقّ.
ولانحصار الأعلميّة بما في هذا النظام في مدبّره تعالى شأنه انحصر القطع بحقّيّة ما فيه الاختلاف بلا مكابرة في أخبار الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ، فمَن دان اللّه بغير طاعة مفترض الطاعة دانه بالباطل .
ومن البراهين القاطعة على وجوب وجود الحجّة المعصوم في كلّ زمان من أزمنة هذا النظام بهذا العِظَم والشأن أنّ جميع الفرق من هذه الاُمّة وغيرها عدا الإماميّة إنكارهم لهذا الوجوب عين الاشتراك مع الإماميّة في الإقرار به، ولكن لا يعلمون فإنّ كلّ فرقة يدّعي على خصمائها أنّ دينهم من عندهم لا من عند اللّه ، قال اللّه تعالى : «تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ»۴ الآية .
(وتفتي الناس بما لا تعلم) أي لا تعلم مأخذه من قول اللّه ، وقول المعصوم، وفعله قطعا. والمأخذ بالمعالجات الواردة عنهم عليهم السلام التي رخصةٌ في الحكم بالظنّ في زمن الغيبة للفقيه الإمامي العدل الممتاز المحتاط جدّا في المشتبهات، حكمه بحكمهم عليهم السلام حكم المأخذ من محكمات الكتاب والسنّة ، لكن إذا لزم من التوقّف الحرج المنفيّ، وإلّا فالتوقّف أضبط وأسلم .
نعم ، لو ثبت أنّ وقت ظهور الإمام عليه السلام ليس من المحتومات، فالكفّ عن الحكم بالظنّ في زمن الغيبة واجب على الجميع؛ ليكفّ الجميع فيظهر الإمام ، لكن ثبوت الرخصة بدلالة تعليم المعالجة ونفي الحرج المنفّي بمحكم القرآن، وظهور محتوميّة وقت الظهور دلالة على أنّ اتّباع الظنّ ليس بمذموم مطلقا ، وظاهر «أنّ بعض الظنّ إثم»۵ في سورة الحجرات مؤيّد، وظاهر عموم : «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئا»۶ لا يمنع احتمال التخصيص .
قال برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى :
«بالباطل» أي بما لا ينفع أصلاً لمن يطلب ثواب الآخرة . والمراد به هنا اتّباع الظنّ، كما قال اللّه تعالى في سورة يونس وسورة النجم : «إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئا»۷
«بما لا تعلم» أي وثقتي بظنّك فيما يجري فيه وفي دليله الاختلاف بلا مكابرة .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
«بالباطل» أي أن تعبد اللّه بما هو مأخوذ لا من جهةٍ يجب الأخذ منها، سواء كان من العقائد والمعارف، أو من الأعمال فعلاً أو تركا. والجهة المأخوذ منها في العقائد الاُصوليّة البراهين والأدلّة العقليّة ، وقد يتمسّك في بعضها بالسمعيّات، وفي المسائل الفروعيّة الكتابُ والسنّةُ المنقولة المنتهية إلى الحجّة المعصوم، ولغير العارف القويّ على استنباط مقاصدهما على منهاج الاستقامة والسّداد العارف بهما، فيؤخذ بقوله وفتياه .
وقوله: «وتفتي الناس بما لا تعلم» ذِكْرٌ للخصلة الثانية . وكما لا يجوز للآخذ أخذ العلم من غير مأخذه لا يجوز للمفتي أن يفتي ـ أي يجيب في المسائل ويبيّنها أو يقضي ـ بما لا يعلم؛ فإنّ المفتي إن لم يكن واصلاً إلى مرتبة معرفة الكتاب والسنّة وتصدّى للإفتاء فقد ركب متن عمياء ، وإن وصل إلى تلك المرتبة وأفتى بما لم يأخذ منهما ۸ على ما هو طريق الأخذ ـ تمكّن من الأخذ أو لم يتمكّن ـ فقد خبط خبط عشواء . ۹ انتهى
في قوله رحمه الله: «والجهة المأخوذ منها في العقائد الاُصوليّة البراهين والأدلّة العقليّة» ما فيه؛ فإنّ في غير المعلومات بالاتّفاق من العقائد وغيرها لا يحصل القطع ببرهان عقليّ على شيء إلّا بقول الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه ؛ لانحصار الأعلميّة في علّام الغيوب تعالى شأنه، والبراهين العقليّة على أحكام الأجرام العلويّة ـ مثلاً ـ قد تفيد القطع باستقامة نظام لو كان على هذا في الواقع لا بكونه واقعيّا ، وقد جوّز أهل الهيئة باستقامةِ نظامِ فَلَكِ الشمس في قرب مركزها وبُعده من مركز العالم بطريقين بممثّل وخارج المركز، أو بممثّلٍ و تدويرٍ وحاملٍ موافق المركز ، فيمكن أن يكون الواقعي ثالثهما ، وعند إقامة البرهان على الثالث لا يحصل القطع أيضا بما هو الواقع إلّا أنّ يخبر الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه سبحانه .
وقال بعض المعاصرين في بيان هذا الحديث :
من العلوم ما لا يؤخذ إلّا من اللّه ببركة متابعة النبيّ صلى الله عليه و آله وهي الأسرار الإلهيّة ، ومنها : ما لا يُؤخذ إلّا من النبيّ وأوصيائه عليهم السلام و هي العلوم الشرعيّة . ۱۰ انتهى .

1.السند في الكافي المطبوع إلى هنا هكذا: «محمّد بن يحيى ، عن أحمد و عبداللّه ابني محمّد بن عيسى».

2.في الكافي المطبوع: «مفضّل بن يزيد».

3.في الكافي المطبوع: + «لي».

4.آل عمران (۳): ۶۴ .

5.الحجرات (۴۹): ۱۲.

6.يونس (۱۰): ۳۶.

7.يونس (۱۰): ۳۶؛ النجم (۵۳): ۲۸.

8.في المصدر: «لم يأخذه متنهما».

9.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۳۲.

10.الوافي ، ج ۱ ، ص ۱۹۰.


الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
400

الحديث الرابع

۰.روى في الكافي عَنْ عَلِيٍّ ، عَنْ العبيدي ، عَنْ يُونُسَ ، عَمَّنْ ذَكَرَهُ۱، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليهماالسلام ، قَالَ :«قَامَ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ عليهماالسلام خَطِيبا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَقَالَ : يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ، لَا تُحَدِّثُوا الْجُهَّالَ بِالْحِكْمَةِ ؛ فَتَظْلِمُوهَا ، وَلَا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا ؛ فَتَظْلِمُوهُمْ» .

هديّة :

(بالحكمة) أي بعلم الدِّين. وأكثر التعبير عن علم الدِّين بالحكمة؛ للدلالة على أنّ المراد دقائقه من المعارف والمسائل والحِكَم والعلل والنّكت . يعني لا تحدّثوها مَن لم يكن من شأنه فهمها، فلا منافاة بينه وبين الثاني .
قال برهان الفضلاء :
المراد ب «الحكمة»: العلم المذكور في العنوان وقد مرّ بيانه.
والنهي في «لا تحدّثوا» إنّما هو في غير صورة التكليف بإتمام الحجّة، فلا ينافي ما مرّ في الأوّل .
والنهي في «لا تمنعوها» في صورة التكليف بالتقيّة من بعض الحاضرين .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
المراد ب «الجهّال»: من لا علم لهم ولا يطلبونه ولا يحبّونه، فلا يلتفتون إليه ولا يقرّون به . أو من الجهل مقابل العقل ؛ أي الدّاعي إلى اختيار الشرّ وما لا صلاح فيه .
والمراد بأهل الحكمة مقابلهم . ۲

1.السند في الكافي المطبوع هكذا: «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن عيسى بن عبيد ، عن يونس بن عبدالرحمن ، عمّن ذكره».

2.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۳۱.

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 110563
صفحه از 644
پرینت  ارسال به