169
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2

الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
168

الباب الثاني عشر : بَابُ صِفَاتِ الذَّاتِ

وأحاديثه كما في الكافي ستّة :

الحديث الأوّل

۰.روى في الكافي بإسناده ،۱عَنْ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام يَقُولُ :«لَمْ يَزَلِ اللّه ُ ـ تبارك وتعالى ـ رَبَّنَا ، وَالْعِلْمُ ذَاتُهُ وَلَا مَعْلُومَ ، وَالسَّمْعُ ذَاتُهُ وَلَا مَسْمُوعَ ، وَالْبَصَرُ ذَاتُهُ وَلَا مُبْصَرَ ، وَالْقُدْرَةُ ذَاتُهُ وَلَا مَقْدُورَ ، فَلَمَّا أَحْدَثَ الْأَشْيَاءَ وَكَانَ الْمَعْلُومُ ، وَقَعَ الْعِلْمُ مِنْهُ عَلَى الْمَعْلُومِ ، وَالسَّمْعُ عَلَى الْمَسْمُوعِ ، وَالْبَصَرُ عَلَى الْمُبْصَرِ ، وَالْقُدْرَةُ عَلَى الْمَقْدُورِ» . قَالَ : قُلْتُ : فَلَمْ يَزَلِ اللّه ُ مُتَحَرِّكا؟ قَالَ : فَقَالَ : «تَعَالَى اللّه ُ ؛ ۲ إِنَّ الْحَرَكَةَ صِفَةٌ مُحْدَثَةٌ بِالْفِعْلِ» . قَالَ : قُلْتُ : فَلَمْ يَزَلِ اللّه ُ مُتَكَلِّما؟ قَالَ : فَقَالَ : «إِنَّ الْكَلَامَ صِفَةٌ مُحْدَثَةٌ لَيْسَتْ بِأَزَلِيَّةٍ ، كَانَ اللّه ُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَلَا مُتَكَلِّمَ» .

هديّة :

الألف واللام في (الذّات) في العنوان للعهد الخارجي ؛ يعني ذات الربّ تبارك وتعالى .
وكلّ ما يحمل على الشيء بواسطة يُقال له : الصفة ، كالعلم يحمل على زيد في ضمن العالم وذي العلم ، وكذا القدرة في ضمن القادر وذي القدرة .
وما يحمل على الشيء بلا واسطة يُقال له : الاسم .
قال برهان الفضلاء :
والمراد بالصفة الذات : الصفة التي يكون ثبوتها لذاته تعالى أزليّا وأبديّا بدوام الذات . وبعبارة اُخرى : هي التي لا يكون لها مصداق سوى الذات .
وأمّا صفة الفعل ، فهي الصفة التي يكون ثبوتها ۳ للذّات حادثا ومخصوصا بزمان وجود فعل من الأفعال ، فمصداقها المجموع المركّب من الذات والفعل ، والمجموع المركّب من الفعل وغير الفعل فعل ، كما سيجيء بيانه في آخر الباب الرابع عشر .
وقال الفاضل الإسترابادي مولانا محمّد أمين رحمه الله :
قد تقرّر في الحكمة والكلام أنّ الصفة قسمان :
قسم له وجودان : وجود لغيره ، ووجود في نفسه كالبياض والسّواد . وهذا القسم له أسماء : منها : الصفة الحقيقيّة ، ومنها : الصفة الاستفهاميّة ، ومنها : الصّفة الزائدة على ذات الموصوف .
وقسم له وجود لغيره فقط ، كالزوجيّة والفرديّة والإمكان والوجوب والعمى . وهذا القسم أيضا [له] أسماء : منها : الصفة الانتزاعيّة ، ومنها : الصفة الغير الحقيقيّة ، ومنها : الصفة الغير الزائدة .
وقد تقرّر أيضا أنّ القسم الثاني ينقسم إلى قسمين : قسم منشأ انتزاعه مجرّد ذات الموصوف ، وقسم منشأ انتزاعه ذات الموصوف مع ملاحظة شيء آخر عدميّ أو وجوديّ معه .
والمستفاد من كلامهم عليهم السلام أنّ صفاته تعالى كلّها انتزاعيّة ، وأنّ منشأ انتزاع بعضها مجرّد ذاته تعالى ، وعبّروا عليهم السلام عن هذا القسم بصفات الذات ، أي التي عين الذّات . ومنشأ انتزاع بعضها ذاته تعالى مع ملاحظة أثر من آثاره ، وعبّروا عليهم السلام عن هذا القسم بصفات الفعل ؛ أي التي مصداقها عين الفعل .
ويستفاد من تصريحاتهم عليهم السلام أنّ كلّ صفة توجد هي ونقيضها في حقّه تعالى فهي من صفات الفعل ، وكلّ صفة ليست كذلك فهي من صفات الذات ، ولا ينتقض ۴ تلك القاعدة بالأوّل والآخر ؛ لأنّ المراد من الأوّل في حقّه تعالى أنّه ليس قبله شيء و من الآخر أنّه ليس بعده شيء ، فلا تناقض بينهما . ثمّ قال :
وأقول : يمكن إرجاع صفات الذات كلّها إلى معان سلبيّة ، مثلاً: نقول : ليس معنى القادر من قام به القدرة ، ولا معنى العالم من قام به العلم ، بل معناهما من ليس بعاجز ومن ليس بجاهل .
ويمكن إرجاع صفات الفعل كلّها إلى معان وجوديّة ، مثلاً: معنى المشيئة والإرادة والتقدير : خلق نقوش في اللّوح المحفوظ مسمّاة بتلك الأسماء . ويمكن حمل صفات الذات على معان وجوديّة يصحّ انتزاعها منه تعالى . ۵
وقال السيّد الداماد أمير محمّد باقر الحسيني رحمه الله :
صفات الذات على قسمين : قسم لا إضافة له إلى غيره تعالى أصلاً ، كالحياة والبقاء . وقسم له إضافة إلى غيره ولكن يتأخّر إضافته عنه ، كالعلم والسّمع والبصر ؛ فإنّها عبارة عن انكشاف الأشياء في الأزل كلّيّاتها وجزئيّاتها ، كلٌّ في وقته وبحسب مرتبته وعلى ما هو عليه ، فيما لا يزال مع علمه بها في الأزل كما فيما لا يزال . وتسمّى مثل الخالقيّة والرازقيّة صفة الفعل ، وهي إضافة محضة . ۶
ضمير «إضافته» و«عنه» في قوله للقسم .
والغرض من حكاية قوله حكاية الاصطلاح لا غير .
(لم يزل اللّه تبارك وتعالى ربّنا) لمّا ذهب أكثر الأشاعرة إلى أنّ صفات اللّه تعالى سبع : الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة والتكلّم ؛ وكلّ منها موجودة في نفسها زائدة على الذات ، فأبطل عليه السلام بقوله هذا إلى قوله : «والقدرة على المقدور» قولهم في الخمس الاُول ، تعبيرا عن الحياة بالربوبيّة أزلاً وأبدا ؛ لاشتمالها على الحياة وزيادة .
(وقع العلم منه) أي حدث لعلمه إضافة .
قال الفاضل الإسترابادي :
«وقع العلم منه على المعلوم» لا بمعنى أن التعلّق لم يكن بالفعل في الأزل ، بل الانطباق على المعلوم الخارجي ليس في الأزل ، أو يقال : العلم الحضوري ليس في الأزل . ۷
ثمّ صرّح عليه السلام في الجوابين بعدُ : أنّ الإرادة والتكلّم حادثان فليسا بقديمين موجودين في نفسهما وإلّا لزم كون الذات محلّاً للحوادث .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
لمّا كان العلم عبارةً عمّا هو مناط انكشاف المنكشف على العالِم وكون العالم مطّلعا عليه ، والسمع كذلك إلى المسموع ، وكذا البصر بالنسبة إلى المبصَر ؛ والقدرة عبارةً عمّا هو مناط صحّة الصّدور واللّاصدور عن القادر حتّى إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل ، وهي فينا كيفيّات وقوىً قائمة بذواتنا وأنفسنا ، ولا كذلك في حقّه سبحانه ، إنّما مناط هذه الاُمور ثمّة ذاته الأحديّة المقدّسة عن شوب الكيفيّات والقوى والعوارض والطوارئ ، فهو سبحانه موصوف بها بذاته ، ولا يسلب شيء منها عنه بالنسبة إلى شيء ممّا يصحّ نسبته إليه ، فلا يكون عالما بشيء وغير عالم بشيء يصحّ عليه المعلوميّة ، ولا يكون سميعا بشيء وغير سميع بشيء يصحّ عليه المسموعيّة ، وبصيرا بشيء وغير بصير بشيء يصحّ عليه المبصَريّة ، وقادرا على شيء وغير قادر على شيء يصحّ عليه المقدوريّة . ۸ فهي صفات الذات ، وللذات بذاته المناطيّة فيها ، ولا مدخل للغير فيه .
(قال : قلت : فلم يزل اللّه متحرّكا؟) أي متغيّرا بتغيّر الإرادة إذا كانت عين الذات . فأجاب عليه السلام : بأنّ الإرادة محدثة بسبب الفعل ، وهي نفس الإيجاد ، أو الفعل ، بمعنى المفعول ، كما سيفصّل بيانه في باب حدوث الأسماء .
قال السيّد الأجلّ النائيني :
«فلم يزل اللّه متحرّكا؟» سؤال عن كونه منتقلاً من حال إلى حال . والجواب : نفي جواز اتّصافه بالحركة ؛ لكونها محدثة بالفعل ، أي بالإيجاد والتأثير ، فيكون من الموجودات الزائدة على الذات ، لا من السّلوب والإضافات ، فلا يمكن اتّصافه بها فضلاً عن أن يتّصف بها لذاته . ۹
وقرأ برهان الفضلاء : «محدّثة» في الموضعين بالتشديد ، أي معدودة من الحوادث . قال : ويحتمل : «ولا متكلَّم» بفتح اللام ، أي المتكلّم به ، وهو الكلام أو المتكلّم له ؛ أي المخاطب . والمضبوط كسر اللام .
قال السيّد الأجلّ النائيني :
«فلم يزل اللّه متكلّما؟» سؤال عن كون الكلام من صفاته الحقيقيّة الذاتيّة . والجواب : أنّ الكلام صفة محدَثة غير أزليّة ، والكلام فيه كالكلام في الحركة ، فلا اتّصاف له به حقيقة ، لا أزلاً ولا فيما يزال . والاتّصاف به فيما لا يزال إنّما يكون بالاتّصاف بالإضافة إليه ؛ حيث لا يعتبر في كون الكلام كلامَه قيامُ الكلام به ، كما هو في الحاضر ، وذلك بخلاف الحركة ؛ حيث يعتبر في كونها حركة للمتحرّك بها قيامها به . ۱۰

1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن إبراهيم ، عن محمّد بن خالد الطيالسي ، عن صفوان بن يحيى» .

2.في الكافي المطبوع : + «عن ذلك» .

3.في جميع النسخ الثلاث : «ثبوته» .

4.في المصدر : «و إلّا تنقض» بدل «ولا ينتقض» .

5.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۱۶ .

6.لم نعثر عليه، نعم يمكن استفادة ذلك من تضاعيف كلامه في تقويم الإيمان، ص ۳۰۹ ـ ۳۱۴ و ۳۷۸ ـ ۳۸۰.

7.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۱۷ .

8.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۳۵۷ ـ ۳۵۸ .

9.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۳۵۸ .

10.المصدر .

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 70866
صفحه از 508
پرینت  ارسال به