205
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2

هديّة :

لفحول المتبحّرين من الأصحاب في شرح هذا الحديث أقوال من كلّ باب ، والكلّ مقرّ بالعجز عن فهمه على ما هو الصواب ؛ لظهور انحصار فهمه في الحجّة المعصوم العاقل عن اللّه المفيض الوهّاب ، فقد يكون له في التكلّم بمثله بإذن الحكيم حِكَم وأغراض ومصالح خلا التفهيم فلمّا لا مانع من الحمل الغير المنافي للمذهب المستقيم .
قال الفاضل الإسترابادي بخطّه :
«فالظاهر هو اللّه » كأنّ مراده عليه السلام أنّ لفظة «اللّه » عَلَم شخصيّ ، وسائر أسمائه تعالى موضوعة لمفهومات كلّيّة منحصر مصداقها ، ومنشأ انتزاعها ذلك الشخص جلّ جلاله ، ولمّا امتنع تعقّل ذلك الشخص إلّا بعنوان كلّي فجعل اللّه تعالى اثنى عشر عنوانا كلّيّا آلة لملاحظة ذلك الشخص ، وهذا معنى قوله : «سخّر» . ثمّ خلق لكلّ من تلك العنوانات ثلاثين أسماء أفعال .
«بهذه الأسماء» أي بسبب الاستغناء بهذه الأسماء من غيرها . ۱
وقال برهان الفضلاء :
«الأسماء» جمع الاسم بمعنى العلامة ، فيعمّ الألفاظ المستعملة في اللّه تعالى على أنّها أسماء اللّه ومفهومات تلك الألفاظ ، وهي أجزاء الكلام النفسي ، المدلول للكلام النفسي والحجج المعصومين العالمين بجميع الأحكام كما في التالي .
والمراد بحدوثها حدوثها باعتبار وجودها في نفسها لا باعتبار وجودها الرابطي ؛ فإنّ استعمال لفظ الوجود في الوجود الرابطي مجاز ، وهي باعتبار وجودها الرابطي على قسمين : أسماء صفات الذات ، كما سيجيء في السابع من الباب السادس عشر من قوله : «فإن قلت : لم تزل عنده في علمه وهو مستحقّها فَنَعم» . وأسماء صفات الفعل ، كما مرّ في الأبواب السابقة .
وفي هذا الباب إبطال لخمسة من أقوال أهل الضلال :
الأوّل : قول الأشاعرة : إنّ كلام اللّه قديم ، ويلزم من حدوث الأسماء حدوث كلام اللّه بطريق أولى دون العكس .
الثاني : قول الأشاعرة وتابعيهم : إنّ بعض أسمائه تعالى عَلَم الذات .
الثالث : قول الغلاة في أمير المؤمنين عليه السلام باتّحاده مع اللّه ، كقول النصارى في عيسى عليه السلام .
الرابع : قول الأشاعرة : إنّ صفات الذات ـ وهي سبع : العلم والقدرة والحياة والإرادة والسمع والكلام والبصر ـ زائدة على الذات وقائمة بها بوجودها في أنفسها لا بوجودها الرابطي كما هو الحقّ والمتّفق عليه ، فإنّهم يقولون لهذه السبع وجودان : الوجود الرابطي للذات، وهو المتّفق عليه منهم ومن غيرهم . والوجود في أنفسها ، كالبياض القائم بالجسم . ولا شريك لهم في هذا القول إلّا في الصفتين : العلم والحياة . والنصارى مثلهم فيهما كما قال اللّه تعالى في سورة المائدة : «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللّه َ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ»۲ لم يقل : «أحد ثلاثة» ؛ للإشارة إلى أنّ الصفة لو كانت زائدة وموجودة في نفسها، فيكون شرف الذات بانضمام الصفة أكبر من الذات ، كما قال في سورة التوبة للنبيّ صلى الله عليه و آله : «ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ»۳ للإشارة إلى نفاق صاحبه وتابعية النبيّ صلى الله عليه و آله إيّاه في مبادي الإسلام لئلّا يظهر كفره ، وكما في الحديث: «أنّ القرآن أكبر الثقلين وأهل البيت عليهم السلام أصغرها» . ۴ فإذا كان القائلون بثالث ثلاثة كافرين فما حال الأشاعرة القائلين بثامن ثمانية .
وما ذكر ثقة الإسلام في بيان معنى زيادة صفات الفعل في آخر الباب السابق جارٍ في صفات الذات أيضا ، إلّا أنّهم لا يسمّونها بصفات الفعل ؛ فإنّ اعتقادهم أنّ تلك الصفات ليست داخلة تحت القدرة والاختيار مع قولهم بأنّها موجودة في نفسها في الخارج .
ودلالة حدوث الأسماء ـ كالعالم والقادر ـ على حدوث الصفات ـ كالعلم والقدرة ـ مبنيّة على مقدّمتين :
الاُولى : أنّ المشتقّات والمبادئ ـ كالضاحك والضحك ـ متّحدتان بالذات ومتغايرتان بالاعتبار ، فالضاحك عين الضحك وبالعكس .
الثانية : أن تكون الأشياء موجودة في الذهن بأنفسها لا بصورها ومثلها ، وإلّا لا يستلزم حدوث الأسماء الذهنيّة حدوث الصفات الخارجيّة .
الخامس : قول المعتزلة : إنّ صفاته تعالى عين الذات حقيقة لا بالمعنى الذي ذكره ثقة الإسلام في آخر الباب السابق .
«خلق اسما» على الماضي المعلوم من باب نصر ، إخبار عن تدبير اللّه تعالى ومشيئته في أوّل وقت إحداث الماء الذي أوّل الحوادث ، ومادّة كلّ حادث مشيئته التي تعلّقت في وقتها على جميع الحوادث ولم يكن لا مَلَك ولا إنسٌ ولا جنّ ولا لفظ ولا لافظ كما يظهر من السابع من الباب العشرين . ۵
«اسما» على إلافراد ، عبارة عن لفظ الاسم ، كما يقال : ضرب فعل ماض ، أو عبارة عن لفظ الاسم ومدلوله ؛ إذ هو فرد من أفراده ، كما يوضّح في تمام الكلام إن شاء اللّه تعالى .
قوله : «بالحروف» ونظائره متعلّق بمدخول «غير» . وتقديم الظرف لإفادة الحصر ؛ إذ الألف واللام في «الحروف» ونظائره للعهد الخارجي ، بمعنى حروف موجودة في أنفسها بالفعل في الخارج ، فإشارة إلى كونها بالقوّة عند الخلق .
و«غير» في خمسة مواضع حال من «اسما» على الاحتمال الأوّل ؛ لأنّ «اسما» على هذا في حكم المعرفة .
ووصف ل«اسما» على الاحتمال الثاني . والأوّل أولى ؛ لأنّ هذه الصفات تحقّقها عند المشيئة لا بعدها ، وكلام النحاة يأبى أن يكون ذو الحال نكرة محضة .
و«المتصوّت» على اسم المفعول من التفعّل .
و«المنطق» عليه من الإفعال للتعريض . «الانطاق» : جعل الشيء في عرضة المنطوقيّة .
و«المجسّد» عليه من التفعيل ؛ أي بجسد النعمة .
و«التشبيه» أي المشابهة الحاصلة بينهما في لباس الصوت بالهمس والجهر مثلاً .
و«المصنوع» بالنون ، يعني المكتوب ؛ فإنّ الكتابة من الصنائع .
و«الأقطار» الجوانب الستّ .
و«الحدود» الفواصل بين الأشياء .
و«المستتر» على اسم الفاعل من الافتعال .
و«المستور» ما عليه ستر .
و«الفاء» في «فجعله» للتعقيب . وضمير المنصوب ل«الاسم» ، فإخبار عن وقت الشروع في الإيجاد، إيجاد إيجاد المَلَك والإنس والجنّ .
و«كلمة تامّة» عبارة عن لفظ الاسم ومدلوله .
و«على» في «على أربعة أجزاء» بنائيّة ؛ إذ اللفظ بناؤه على المعنى والكلّ بناؤه على الأجزاء .
والمراد أنّ مدلول لفظ الاسم له أربعة أجزاء :
الأوّل : الذات المستعمل فيها لفظ الاسم ، كما في «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ» و «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ» بعنوان عموم المجاز ، كالأسد المستعمل في الأعمّ من الرجل الشجاع والحيوان المفترس ؛ إذ الاسم موضوع لمفهومه واستعمل هنا في الأعمّ من المفهوم والذات ؛ فإنّ ذات الشيء كاسمها الغير المشتقّ وتحقّقه هنا في ضمن الذات .
الثاني : اللّه ، مدلول همزة الاسم .
الثالث : السَنِيّ مدلول سين الاسم ، مأخوذ من السناء بالفتح والمدّ ، بمعنى فتح الباب . والمراد هنا مفتّح أبواب الخير .
الرابع : الماجد ، مدلول ميم الاسم . فإشارة إلى الثالث والرابع في الأوّل من الباب السادس عشر . ۶
«معا» حال من «أربعة أجزاء» .
«ليس» استئناف بياني ل«معا» .
والمراد أنّ واحدا منها ليس نسبة الآخر ، كما أنّ «الثلاثمائة والستّين» نسبة «الاثني عشر»، وهي نسبة «الثلاثة» الأخيرة . ف«هذه الأسماء» مبتدأ وخبر .
و«الفاء» في «فالظاهر» للتفريع . والمراد الظاهر الأوّل من الثلاثة ، أو المراد أنّ «اللّه » مدلول همزة الاسم ، و«تبارك» مدلول سين الاسم ؛ لأنّ السّني والمتبارك يؤولان إلى معنى . و«تعالى» مدلول ميم الاسم ؛ لأنّ الماجد والمتعالي يؤلان إلى معنى .
و«الركن» : الأصل الذي يكون مدارا عليه . وأهل الحساب من العرب يقولون : فذلك مكان جمعا ، ولذا يسمّى حاصل الجمع بالفذلكة .
ويظهر ممّا يجيء في كتاب الدّعاء في الباب التاسع والخمسين ۷ أن يكون الأركان الاثني عشر : «الظاهر الطهر ، المبارك المقدّس ، الحيّ القيّوم ، نور السماوات ، نور الأرض ، الرحمن الرحيم ، الكبير المتعالي» . ويجيء في الحديث : «نحن واللّه الأسماء الحسنى ، لا يقبل اللّه من العباد عملاً إلّا بمعرفتنا » . ۸
ويجيء في كتاب الدُّعاء : «اللّهُمَّ إنّي أسألك باسمك العظيم الأعظم ، الأجلّ الأكرم ، المخزون المكنون» . ۹ فلعلّ المراد هناك أمير المؤمنين عليه السلام نظير ما في الثاني في هذا الباب .
«لكلّ ركن منها» أي من الأركان .
والمراد ب«الفعل» المفهوم المشتقّ . فتمهيد لدفع توهّم أن يكون اسما من أسماء اللّه تعالى من قبيل الأعلام أو أسماء الأجناس .
«منسوبا» للتصريح بذلك ؛ أي بأن ليس واحد منها رئيسا برأسه ، بل كلّ منها تحت كلّ من الأركان الاثني عشر لو فصّل .
فعلى ما ذكرناه من كتاب الدّعاء يكون «الرحمن» و«الرحيم» و«الحيّ» و«القيّوم» من الأركان ، فيحتمل أن يكون هنا سهو من النسّاخ ؛ لأنّ «البارئ» وقع مكرّرا . ولا ينافي هذا ما يجيء في التّالي من أنّ «العليّ العظيم» أوّل الأسماء ؛ لأنّ له معنى آخر .
فللّه تعالى ستّة وثلاثون اسما ـ مثلاً ـ جميعها مخلوقة في الأذهان وألسِنَة الخلائق : «الرحمن والرحيم ، الملك القدّوس» إلى آخر ما ذكر المصنّف، وهو «الوارث» .
«لا تأخذه سِنة» اسم و«لا نوم» اسم . و«الفاء» في «فهذه الأسماء» للتفريع .
وعلى ما نقلنا من كتاب الدّعاء فالمشار ل«هذه» الأركان ؛ لأنّ المشار إليه لو كانت الستّة والثلاثين ينضمّ إليها الأركان الاثنا عشر، فيكون عدد المجموع اثنين وسبعين وثلاثمائة .
«حتّى يتمّ» على الغائب من باب ضرب ، فالمستتر ل«ما» . أو على الغائبة فل«الأسماء الحسنى» أو ل«هذه الأسماء» و«أسماء» قبل .
«وهي نسبة» على الجمع خبر المبتدأ وهو «فهذه» و«الواو» حاليّة ، والحال من غير الفاعل والمفعول يجوز عند محقّقي النحاة .
والمراد بالنسبة هنا التفضيل .
«بهذه» متعلّق ب«حجب» . والمراد أنّ اللّه سبحانه لا يدرك لا بالكنه ولا بالشخص ، فمعرفته تعالى منحصرة في معرفة الأسماء الثلاثة ، وهي علامة الربوبيّة ، وهذه الثلاثة لا تعرف إلّا بمعرفة الاثني عشر ، وهي لا تعرف إلّا بمعرفة الثلاثمائة والستّين ، بمعنى أنّ الغلط في واحد منها يستلزم عدم معرفته تعالى .
والآية في سورة بني إسرائيل . ۱۰ والمشار إليه ل«ذلك» محجوبيّة ذاته تعالى بهذه الأسماء . انتهى كلام برهان الفضلاء سلّمه اللّه تعالى .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
«إنّ اللّه خلق أسماء بالحروف غير متصوّت» في كثير النسخ : «أسماء» بلفظ الجمع . وفي بعضها : «اسما» بالإفراد . والجمع بين النسختين أنّه اسم واحد على أربعة أجزاء كلّ جزء منه اسم ، فيصحّ التعبير عنه بالاسم وبالأسماء .
«غير متصوّت» بمتعلّقه المقدّم صفة للاسم ، أو حال من فاعل «خلق» أي الاسم موصوف بأنّه غير ذي صوت متصوّر بصورة الحرف .
وبأنّه «غير منطَق» باللّفظ ، أي لم يجعل ناطقا باللفظ كما ينطق الاسم فينا باللفظ . وإسناد النطق إلى الاسم من باب التوسّع .
وبأنّه «غير مجسّد» بالشخص ، أي ليس له سواد يرى فيكون مجسّدا .
وبأنّه «غير موصوف» بالتشبيه ، أي بكونه مشبّها بغيره من خلقه .
وبأنّه «غير مصبوغ» بالكون . وكذا ما بعدها من الصفات .
أو المراد أنّه سبحانه خلق الاسم حال كونه سبحانه غير متصوّت بالحروف ، وغير منطق باللّفظ ، أي لم يجعل الاسم ناطقا باللّفظ بالتوسّع في إلاسناد على قياس ما سبق إلى آخر ما ذكر .
وهذا أنسب بقوله و«بالشخص غير مجسّد» إلى آخره ؛ لأنّ هذه ممّا كثر الاشتباه فيها بالنسبة إليه سبحانه فيحتاج إلى البيان .
وفائدة إيرادها في هذا المقام أنّه يعرف منها حال الاسم من كونه غير مؤلّف من الحروف ، غير متنطّق به باللّسان بلفظٍ ۱۱ غير دالّ على التجسّد والتشبّه واللّون والأقطار والحروف والمدركيّة بالحواسّ والأوهام .
وقوله «مستتر غير مستور» أي متغطّى، بينه وبين غيره ستر وغطاء غير مستور هو بذلك الستر ، أي ليس ذلك الستر له إنّما هو لغيره من نقص الماهيّة والقوّة والإمكان ، وليس من طرفه إلّا غاية الظهور لا ستر منه وفيه له أصلاً ، إنّما الحاجب الذي يمنع من ظهوره على غيره [ما] ۱۲ لغيره من النقص والضعف اللازم لطبيعة الإمكان ، فبظلمة القوّة والاستبعاد في غيره حُجبوا عنه واستتر عنهم .
«فجعله كلمة تامّة» أي فجعل ما خلقه من الاسم كلمة تامّة محيطة بجميع الأشياء لا يخرج شيء عنها وعن نسبتها ، مشتملة على أربعة أجزاء كلّ جزء منها اسم ، ليس بين تلك الأجزاء ترتيب وضعيّ أو لفظيّ ، فلا واحد منها قبل الآخر .
«فأظهر منها ثلاثة أسماء» أي جعلها ظاهرة على خلقه ؛ لحاجتهم إليها وانتظام اُمورهم في العادات بها ، وجعل واحدا منها محجوبا عنهم مستترا عن مداركهم وهو الاسم المكنون المخزون ، فهذه الأجزاء الثلاثة الأسماء التي ظهرت ، فالظاهر هو اللّه تبارك وتعالى بأسمائه . أو المراد أنّ من الأسماء الثلاثة الظاهرة المدلول عليه باسم اللّه تبارك وتعالى .
«وسخّر لكلّ اسم من هذه الأسماء أربعة أركان ، فذلك اثنا عشر ركنا» أي ذلّل لكلّ اسم منها أربعة أركان ، وجعلها آلة لفعله ومَظاهرَ لآثاره .
ولعلّ المراد بالأركان الاثني عشر البروج الفلكيّة ، وأنّه يظهر فعل كلّ اسم منها وأثره بأربعة أركان هي أربعة من البروج الاثني عشر .
«ثمّ خلق لكلّ ركن» من الأركان الاثني عشر بعدد درجاتها الثلاثين «ثلاثين أسماء فعلاً منسوبا إليها» أي لحصول الفعل المنسوب إلى الأركان أو الأسماء ، وظهوره بإعمال درجات الأركان .
أو المراد أنّ هذه الأسماء هي الأفعال بحقيقتها ، فقوله «فعلاً» منصوب بنزع الخافض ، أو على البدليّة .
وبقوله : «هو الرحمن الرحيم» ـ إلى آخره ـ عدّ جملة من الأسماء الثلاثمائة والستّين ، وأجمل عن البواقي منها بقوله : «وما كان من الأسماء الحسنى حتّى يتمّ ثلاثمائة وستّين اسما فهي» الأسماء الثلاثمائة والستّين نسبة لهذه الأسماء الثلاثة، ومعتبرة بحسب نسبتها في الأفعال، «وهذه الأسماء الثلاثة» الظاهرة «هي الأركان» التي باقي الأسماء تنسب إليها ويعتمد عليها .
«وحجب الاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة» أي هو منضمّ فيها محجوبة بها عن الخلق .
«وذلك قوله تعالى» أي ما ذكر ـ من إيجاد الذات الأحديّ اسما على أربعة أجزاء وإظهار ثلاثة منها ، والظاهر هو اللّه تبارك وتعالى ، وأنّه سخّر لكلّ اسم من الثلاثة التي هي من أجزاء الاسم المخلوق على أربعة أجزاء أربعة أركان ، وأنّه خلق لكلّ ركن ثلاثين اسماـ تفصيل لما أجمله سبحانه بقوله : «قُلْ ادْعُوا اللّه َ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَِ»۱۳ الآية ، فإنّه دلّ على أنّه يجوز دعاؤه بالاسم الظاهر من أجزاء الاسم المخلوق أوّلاً، الدال على الذات الموجود بلا ماهيّة كلّيّة له، المشار إليه بالإشارة العقليّة بما هو وجود بلا ماهيّة ، لا كالوجود للماهيّة الممكنة ، وباسم من الأسماء الدالّة على الأفعال كالرحمن ؛ فإنّ الأسماء الحسنى كلّها مختصّة بالذات الأحديّ ويستوي في صحّة التعبير عنه بها . ۱۴ انتهى كلام السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله .
وقال بعض المعاصرين :
الاسم ما دلّ على الذات الموصوفة بصفة معيّنة، سواء كان لفظا أو حقيقةً من الحقائق الموجودة في الأعيان ؛ فإنّ الدلالة كما تكون بالألفاظ كذلك تكون بالذوات من غير فرق بينهما فيما يؤول إلى المعنى ، بل كلّ موجود بمنزلة كلام صادر عنه تعالى دالّ على توحيده وتمجيده ، بل كلّ منها عند اُولي البصائر لسان ناطق بوحدانيّته ، يسبّح بحمده ، ويقدّسه عمّا لا يليق بجنابه كما قال تعالى : «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ»۱۵ ، بل كلّ الموجودات ذكر وتسبيح له تعالى ؛ إذ يفهم منه وحدانيّته وعلمه واتّصافه بسائر صفات الكمال ، وتقدّسه عن صفات النقص والزوال .
وكأنّ الاسم الموصوف بالصفات المذكورة إشارة إلى أوّل ما خلق اللّه ، أعني النور المحمّدي والروح الأحمدي ، والعقل الكلّي .
وأجزاؤه الأربعة إشارة إلى جهته الإلهيّة ، والعوالم الثلاثة التي يشتمل الاسم ۱۶ عليها ؛ أعني عالم العقول المجرّدة عن الموادّ والصور ، وعالم الخيال المجرّد عن الموادّ دون الصور ، وعالم الأجسام المقارنة للموادّ .
وبعبارة اُخرى إلى الحسّ والخيال والعقل والسرّ .
وبثالثة إلى الشهادة والغيب وغيب الغيب وغيب الغيوب .
وبرابعة إلى الملك والملكوت والجبروت واللّاهوت .
ومعيّة الأجزاء عبارة عن لزوم كلّ منها الآخر ، وتوقّفه عليه في تماميّة الكلمة .
وجزؤه المكنون : السرّ الإلهيّ والغيب اللاهوتي .
«فالظاهر هو اللّه » يعني أنّ الظاهر بهذه الأسماء الثلاثة هو اللّه ؛ فإنّ المسمّى يظهر بالاسم ويعرف به .
و«الأركان الأربعة» : الحياة والموت والرزق والعلم التي وكل اللّه بها أربعة أملاك : إسرافيل وعزرائيل وميكائيل وجبرائيل .
وفعل الأوّل : نفخ الصور والأرواح في قوالب الموادّ والأجساد ، وإعطاء قوّة الحسّ والحركة لانبعاث الشوق والطلب وله ارتباط مع المفكّرة ، ولو لم يكن هو لم ينبعث الشوق والحركة لتحصيل الكمال في أحد .
وفعل الثاني : تجريد الأرواح والصور عن الأجساد والموادّ ، وإخراج النفوس من الأبدان وله ارتباط مع المصورة ، ولو لم يكن هو لم يمكن الاستحالات والانقلابات في الأجسام ، ولا الاستكمالات والانتقالات الفكريّة في النفوس ، ولا الخروج من الدنيا والقيام عند اللّه للأرواح ، بل كانت الأشياء كلّها واقفة في منزل واحد ومقام أوّل .
وفعل الثالث : إعطاء الغذاء والإنماء على قدر لائق وميزان معلوم لكلّ شيء بحسبه ، وله ارتباط مع الحفظ والإمساك ، ولو لم يكن هو لم يحصل النشوء والنّماء في الأبدان ، ولا التطوّر في أطوار الملكوت في الأرواح ، ولا العلوم الجمّة للفطرة .
وفعل الرابع : الوحي والتعليم ، وتأدية الكلام من اللّه سبحانه إلى عباده ، وله ارتباط مع القوّة النطقيّة ، ولو لم يكن هو لم يستفد أحد معنى من المعاني بالبيان والقول ، ولم يقبل قلب أحد إلهام الحقّ وإلقاءه في الرّوع . وهاهنا أسرار لا يحتملها المقام . ۱۷ انتهى كلام بعض المعاصرين .
أقول ـ تبعا لأصحابنا رضوان اللّه عليهم في جرأتهم في حمل الحديث المستصعب عنهم عليهم السلام على ما لا ينافي المذهب وفاقا منهم على أنّهم مأذونون في إقامة الاحتمال الصحيح ـ : إنّ هذا الحديث لعلّه من تفاسير «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَـنِ الرَّحِيمِ» وليس اسمٌ أقرب من هذه الآية إلى الاسم الأعظم المكنون المخزون ، وقربها منه كقرب بياض العين إلى سوادها .
(إنّ اللّه تعالى خلق اسما) أي نورا في النور المخلوق أوّلاً ليكون مدلوليّا نفسيّا للاسم اللّفظي حين يخلق ويتجسّد بالحروف ، يعني لجميع أسمائه الحسنى اللّفظيّة ، قال اللّه تعالى في سورة الشورى : «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْاءِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»۱۸ ، وكان ذلك النور في النور ، وهو نور معرفة القائل ب«ما» عرفناك حقّ معرفتك» . غير متّصف حين خلق بالصفات المذكورة بل جسّده بعد خلقه لذلك الروح يتّصف بها .
(غير مستّر) أو (غير مستور) على اختلاف النسخ ، أي بحجاب جسماني .
(فجعله كلمة تامّة) بأنّها نهاية المعارف الحقّة على قدر غاية الطاقة البشريّة التي فوق طاقة المَلَكيّة .
(على أربعة أجزاء معا) أي فجعل أيضا قبل خلق الجسد لذلك النور منشعبا على أربع شعب ، كما جعل المخلوق الأوّل من النور منشعبا على نور النبوّة والولاية ؛ ليكون واحد من الأنوار الأربعة مدلولاً للاسم اللفظي الذي لا ينطق به قطّ بعد خلقه تعالى إيّاه ، ولا يعلم به أبدا غير الحجّة المعصوم المحصور عدده في علم اللّه وحكمته . وثانيها للفظ الجلالة . وثالثها للرّحمن . ورابعها للرحيم .
(فأظهر منها) من تلك الأنوار الأربعة بعد خلق الأسماء اللّفظيّة لها .
(ثلاثة أسماء منها لفاقة الخلق إليها) يعني اللّه ، والرحمن ، والرحيم .
(وحجب واحدا منها ، وهو الاسم) اللفظي الذي لا ينطق به قطّ سوى المعصوم ، ولا يبلغ غاية معرفة اسمه النفسي سواه .
ولعلّ الباء والسين والميم إشارة إلى أنّ محجوبيّة الاسم الأعظم في الأربعة كمحجوبيّة المدرج فيها وهو الهمز ، وأنّها من جملة حُجُبه .
(فالظاهر هو اللّه تبارك وتعالى) يعني فالأوّل من الثلاثة التي ظهرت من الأربعة ، أو فالظاهر الأوّل هو اللّه تبارك وتعالى ، والظاهر الثاني هو الرحمن ، والظاهر الثالث هو الرحيم .
(وسخّر سبحانه لكلّ اسم) من الثلاثة التي ظهرت من الأربعة (أربعة) أبراج ، لكلّ حرف من كلّ واحدٍ منها برجا ، كلّ برج من السماء العليا إلى الأرض السفلى قابلاً لظهور الآثار فيها بإذن اللّه تعالى ، (ثمّ خلق لكلّ ركن منها ثلاثين اسما) لأجل الأفعال المنسوبة إليها ، فالمنسوب إليه المؤثّر بإذن اللّه هو الرحمن والرحيم والملك والقدّوس إلى ثلاثمائة وستّين اسما ، فكلّ يوم بآثارها وحوادثها نسبة إلى اسم ، وكلّ برج بالثلاثين إلى إمام كنسبة كلّ حرف من الثلاثة الظاهرة ، فهمزة «اللّه » إشارة إلى الإمام الأوّل عليه السلام ، و«اللامان» إلى ولديه وشبليه عليهم السلام ، و«الهاء» إلى خامس أهل البيت عليهم السلام ، و«الراء» إلى باقر العلوم عليه السلام ، و«الحاء» إلى حاشر الحديث وحامي حمى الدِّين وحافظ بيضة الإسلام والحقّ المبين عليه السلام ، و«الميم» إلى الكاظم موسى بن جعفر عليه السلام ، و«النون» إلى الثامن الضامن عليه السلام ، و«الراء» إلى ابن الرضا الملقّب بالمرتضى عليه السلام ، و«الحاء» إلى أبي الحسن الملقّب بالناصح والفتاح عليه السلام ، و«الباء» إلى أبي محمّد العسكري عليه السلام ، و«الميم» إلى المهدي صاحب الأمر والزمان صلوات اللّه عليه .

1.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۱۹ .

2.المائدة (۵) : ۷۳ .

3.التوبة (۹): ۴۰ .

4.تفسير العيّاشي ، ج ۱ ، ص ۵ ؛ بصائر الدرجات ، ص ۴۱۴ ، باب ۱۷ ، ح ۵ ؛ البحار ، ج ۲۳ ، ص ۱۴۰ ، ح ۸۹ ؛ و ج ۸۹ ، ص ۲۷ ، ح ۲۹ .

5.وهو باب العرش والكرسي .

6.وهو باب معاني الاسم واشتقاقها .

7.وهو باب الدعاء في حفظ القرآن .

8.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۴۳ ـ ۱۴۴ ، باب النوادر من كتاب التوحيد ، ح ۴ .

9.الكافي ، ج ۲ ، ص ۵۸۲ ، باب دعوات موجزات ... ، ح ۱۷ .

10.الإسراء (۱۷) : ۱۱۰ .

11.في المصدر : «بلفظه» .

12.أضفناه من المصدر.

13.الإسراء (۱۷) : ۱۱۰ .

14.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۳۷۶ ـ ۳۷۹ .

15.الإسراء (۱۷) : ۴۴ .

16.في «الف» والمصدر : - «الاسم» .

17.الوافي ، ص ۴۶۴ ـ ۴۶۵ .

18.الشورى (۴۲) : ۵۲ .


الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
204

الباب الخامس عشر : بَابُ حُدُوثِ الْأَسْمَاءِ

وأحاديثه كما في الكافي أربعة :

الحديث الأوّل

۰.روى في الكافي بإسناده ، عَنْ ابْنِ أَبِي حَمْزَةَ ،۱عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ خَلَقَ اسْما بِالْحُرُوفِ غَيْرَ مُتَصَوَّتٍ ، وَبِاللَّفْظِ غَيْرَ مُنْطَقٍ ، وَبِالشَّخْصِ غَيْرَ مُجَسَّدٍ ، وَبِالتَّشْبِيهِ غَيْرَ مَوْصُوفٍ ، وَبِاللَّوْنِ غَيْرَ مَصْبُوغٍ ، مَنْفِيٌّ عَنْهُ الْأَقْطَارُ ، مُبَعَّدٌ عَنْهُ الْحُدُودُ ، مَحْجُوبٌ عَنْهُ حِسُّ كُلِّ مُتَوَهِّمٍ ، مُسْتَتِرٌ غَيْرُ مُسَتَّرٍ . ۲
فَجَعَلَهُ كَلِمَةً تَامَّةً عَلى أَرْبَعَةِ أَجْزَاءٍ مَعا ، لَيْسَ مِنْهَا وَاحِدٌ قَبْلَ الْاخَرِ ، فَأَظْهَرَ مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَسْمَاءٍ ؛ لِفَاقَةِ الْخَلْقِ إِلَيْهَا ، وَحَجَبَ واحدا مِنْهَا ، ۳ وَهُوَ الِاسْمُ الْمَكْنُونُ الْمَخْزُونُ .
فَهذِهِ الْأَسْمَاءُ الَّتِي ظَهَرَتْ ، فَالظَّاهِرُ هُوَ اللّه ُ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، وَسَخَّرَ سُبْحَانَهُ لِكُلِّ اسْمٍ مِنْ هذِهِ الْأَسْمَاءِ أَرْبَعَةَ أَرْكَانٍ ، فَذلِكَ اثْنَا عَشَرَ رُكْنا ، ثُمَّ خَلَقَ لِكُلِّ رُكْنٍ مِنْهَا ثَلَاثِينَ اسْما فِعْلاً مَنْسُوبا إِلَيْهَا ، فَهُوَ الرَّحْمنُ ، الرَّحِيمُ ، الْمَلِكُ ، الْقُدُّوسُ ، الْخَالِقُ ، الْبَارِئُ ، الْمُصَوِّرُ «الْحَىُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ» الْعَلِيمُ ، الْخَبِيرُ ، السَّمِيعُ ، الْبَصِيرُ ، الْحَكِيمُ ، الْعَزِيزُ ، الْجَبَّارُ ، الْمُتَكَبِّرُ ، الْعَلِيُّ ، الْعَظِيمُ ، الْمُقْتَدِرُ ، الْقَادِرُ ، السَّلَامُ ، الْمُؤْمِنُ ، الْمُهَيْمِنُ ، الْبَارِئُ ، الْمُنْشِئُ ، الْبَدِيعُ ، الرَّفِيعُ ، الْجَلِيلُ ، الْكَرِيمُ ، الرَّازِقُ ، الْمُحْيِي ، الْمُمِيتُ ، الْبَاعِثُ ، الْوَارِثُ .
فَهذِهِ الْأَسْمَاءُ وَمَا كَانَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنى ـ حَتّى تَتِمَّ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ اسْما ـ فَهِيَ نِسْبَةٌ لِهذِهِ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ ، وَهذِهِ الْأَسْمَاءُ الثَّلَاثَةُ أَرْكَانٌ ، وَحَجَبَ الِاسْمَ الْوَاحِدَ الْمَكْنُونَ الْمَخْزُونَ بِهذِهِ الْأَسْمَاءِ الثَّلَاثَةِ ، وَذلِكَ قَوْلُهُ ـ عزّوجلّ ـ : «قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الْأَسْمَآءُ الْحُسْنَى» » .

1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «عليّ بن محمّد ، عن صالح بن أبي حمّاد ، عن الحسين بن يزيد، عن الحسن بن عليّ بن أبي حمزة».

2.في الكافي المطبوع ، وحاشية «ألف» : «مستور» .

3.في الكافي المطبوع : «واحدا منها» بدل «منها واحدا» .

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 70856
صفحه از 508
پرینت  ارسال به