الباب السابع عشر : بَابٌ آخَرُ وَ هُوَ مِنَ الْبَابِ الْأَوَّلِ إِلَا أَنَّ فِيهِ زِيَادَةً وَ هُوَ الْفَرْقُ مَا بَيْنَ الْمَعَانِي الَّتِي تَحْتَ أَسْمَاءِ اللّه ِ وَأَسْمَاءِالْمَخْلُوقِينَ
وفيه كما في الكافي حديثان :
الحديث الأوّل
۰.روى في الكافي بإسناده ،۱عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُخْتَارِ الْهَمْدَانِيِّ ؛ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ، عَنْ عَبْدِ اللّه ِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَلَوِيِّ جَمِيعا ، عَنِ الْفَتْحِ بْنِ يَزِيدَ الْجُرْجَانِيِّ ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام ، قَالَ :
سَمِعْتُهُ يَقُولُ :«وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ، الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ «لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوا أَحَدٌ» ، لَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُ الْمُشَبِّهَةُ ، لَمْ يُعْرَفِ الْخَالِقُ مِنَ الْمَخْلُوقِ ، وَلَا الْمُنْشِئُ مِنَ الْمُنْشَاَ?، لكِنَّهُ الْمُنْشِئُ ، فَرَّقَ بَيْنَ مَنْ جَسَّمَهُ وَصَوَّرَهُ وَأَنْشَأَهُ ؛ إِذْ كَانَ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، وَلَا يُشْبِهُ هُوَ شَيْئا» .
قُلْتُ : أَجَلْ ـ جَعَلَنِيَ اللّه ُ فِدَاكَ ـ لكِنَّكَ قُلْتَ : الْأَحَدُ الصَّمَدُ ، وَقُلْتَ : لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، وَاللّه ُ وَاحِدٌ ، وَالْاءِنْسَانُ وَاحِدٌ ، أَ لَيْسَ قَدْ تَشَابَهَتِ الْوَحْدَانِيَّةُ؟
قَالَ : «يَا فَتْحُ ، أَحَلْتَ ـ ثَبَّتَكَ اللّه ُ ـ إِنَّمَا التَّشْبِيهُ فِي الْمَعَانِي ، فَأَمَّا فِي الْأَسْمَاءِ ، فَهِيَ وَاحِدَةٌ ، وَهِيَ دَلَالَةٌ عَلَى الْمُسَمّى ، وَذلِكَ أَنَّ الْاءِنْسَانَ وَإِنْ قِيلَ : وَاحِدٌ ، فَإِنَّهُ يُخْبَرُ أَنَّهُ جُثَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلَيْسَ بِاثْنَيْنِ ، وَالْاءِنْسَانُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِوَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ أَعْضَاءَهُ مُخْتَلِفَةٌ ، وَأَلْوَانَهُ مُخْتَلِفَةٌ ، وَمَنْ أَلْوَانُهُ مُخْتَلِفَةٌ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَهُوَ أَجْزَاءٌ مُجَزَّأٌ ۲ لَيْسَتْ بِسَوَاءٍ : دَمُهُ غَيْرُ لَحْمِهِ ، وَلَحْمُهُ غَيْرُ دَمِهِ ، وَعَصَبُهُ غَيْرُ عُرُوقِهِ ، وَشَعْرُهُ غَيْرُ بَشَرِهِ ، وَسَوَادُهُ غَيْرُ بَيَاضِهِ ، وَكَذلِكَ سَائِرُ جَمِيعِ الْخَلْقِ ؛ فَالْاءِنْسَانُ وَاحِدٌ فِي الِاسْمِ ، وَلَا وَاحِدٌ فِي الْمَعْنى ، وَاللّه ُ ـ تَباركَ وتعالى ـ هُوَ وَاحِدٌ لَا وَاحِدَ غَيْرُهُ ، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا تَفَاوُتَ ، وَلَا زِيَادَةَ وَلَا نُقْصَانَ ، فَأَمَّا الْاءِنْسَانُ الْمَخْلُوقُ الْمَصْنُوعُ الْمُؤَلَّفُ مِنْ أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ وَجَوَاهِرَ شَتّى غَيْرَ أَنَّهُ بِالِاجْتِمَاعِ شَيْءٌ وَاحِدٌ» .
قُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَرَّجْتَ عَنِّي فَرَّجَ اللّه ُ عَنْكَ ، فَقَوْلَكَ : اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فَسِّرْهُ لِي كَمَا فَسَّرْتَ الْوَاحِدَ ؛ فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّ لُطْفَهُ عَلى خِلَافِ لُطْفِ خَلْقِهِ لِلْفَصْلِ ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ أَنْ تَشْرَحَ ذلِكَ لِي ، فَقَالَ : «يَا فَتْحُ ، إِنَّمَا قُلْنَا : اللَّطِيفُ ؛ لِلْخَلْقِ اللَّطِيفِ ، لِعِلْمِهِ ۳ بِالشَّيْءِ اللَّطِيفِ ، أَ وَلَا تَرى ـ وَفَّقَكَ اللّه ُ وَثَبَّتَكَ ـ إِلى أَثَرِ صُنْعِهِ فِي النَّبَاتِ اللَّطِيفِ وَغَيْرِ اللَّطِيفِ ؛ وَمِنَ الْخَلْقِ اللَّطِيفِ ، وَمِنَ الْحَيَوَانِ الصُّغَارِ ، وَمِنَ الْبَعُوضِ وَالْجِرْجِسِ ، وَمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْهَا مَا لَا يَكَادُ تَسْتَبِينُهُ الْعُيُونُ ، بَلْ لَا يَكَادُ يُسْتَبَانُ ـ لِصِغَرِهِ ـ الذَّكَرُ مِنَ الْاُنْثى ، وَالْحَدَثُ الْمَوْلُودُ مِنَ الْقَدِيمِ .
فَلَمَّا رَأَيْنَا صِغَرَ ذلِكَ فِي لُطْفِهِ ، وَاهْتِدَاءَهُ لِلسَّفَادِ ، والْهَرَبَ مِنَ الْمَوْتِ ، وَالْجَمْعَ لِمَا يُصْلِحُهُ ، وَمَا فِي لُجَجِ الْبِحَارِ ، وَمَا فِي لِحَاءِ الْأَشْجَارِ وَالْمَفَاوِزِ وَالْقِفَارِ ، وَإِفْهَامَ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ مَنْطِقَهَا ، وَمَا يَفْهَمُ بِهِ أَوْلَادُهَا عَنْهَا ، وَنَقْلَهَا الْغِذَاءَ إِلَيْهَا ، ثُمَّ تَأْلِيفَ أَلْوَانِهَا : حُمْرَةٍ مَعَ صُفْرَةٍ ، وَبَيَاضٍ مَعَ حُمْرَةٍ ، وَأَنَّهُ مَا لَا تَكَادُ عُيُونُنَا تَسْتَبِينُهُ ، لِدَمَامَةِ خَلْقِهَا لَا تَرَاهُ عُيُونُنَا ، وَلَا تَلْمِسُهُ أَيْدِينَا ، عَلِمْنَا أَنَّ خَالِقَ هذَا الْخَلْقِ لَطِيفٌ ، لَطُفَ بِخَلْقِ مَا سَمَّيْنَاهُ بِلَا عِلَاجٍ وَلَا أَدَاةٍ وَلَا آلَةٍ ، وَأَنَّ كُلَّ صَانِعِ شَيْءٍ فَمِنْ شَيْءٍ صَنَعَ ، وَاللّه ُ ـ الْخَالِقُ اللَّطِيفُ الْجَلِيلُ ـ خَلَقَ وَصَنَعَ لَا مِنْ شَيْءٍ» .