375
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2

الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
374

الباب الرابع والعشرون : بَابُ الْبَدَاءِ

وأحاديثه كما في الكافي سبعة عشر :

الحديث الأوّل

۰.روى في الكافي بإسناده ، عَنِ الْحَجَّالِ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ ، عَنْ زُرَارَةَ ،۱عَنْ أَحَدِهِمَا عليهماالسلام ، قَالَ :«مَا عُبِدَ اللّه ُ بِشَيْءٍ مِثْلِ الْبَدَاءِ» .

هديّة :

يعني مثل الإقرار بالبداء وحقّيّته ؛ فإنّه الإقرار باختصاص علم الغيب باللّه تبارك وتعالى ، وبكونه قادرا مختارا في الفعل والترك يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء .
يُقال : بدا له في هذا الأمر كغزا بدوّا . والاسم : «البداء» بالفتح والمدّ ، أي نشأ وظهر له أمر آخر وحكم جديد لم يكن من قبل . قال في المصباح : بدا له في الأمر: ظهر له ما لم يظهر أوّلاً . والاسم : «البداء» مثل سلام . ۲
و«البداء» في أفعال اللّه : عبارة عن المحو والإثبات ؛ قال اللّه عزّ وجلّ في سورة الرعد : «لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُوا اللّه ُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ» . ۳
و«البداء» في حقّه تعالى حقّ بالكتاب والسنّة وإجماع أهل الحقّ وثبوت المعجزات الظاهرة الباهرة المتظافرة المتوافرة المتواترة أيضا من البراهين القاطعة لحقّيّته في حقّه تعالى .
ومنها أنّه لولاه لانتفى فائدة كثير من الأوامر والنواهي لا سيّما الأمر بالدّعاء والتصدّق .
وبالإقرار بحقّيّته يبطل الإيجاب كما زعمت الفلاسفة ، وكون الأفاعيل والآثار باقتضاء الطبائع كما توهّم الطبيعيّون في كلّ شيء والصوفيّة في ذات الوجود ، وقول اليهود ومن يقفوا إثرهم ؛ حيث قالوا : فرغ اللّه من الأمر ؛ ۴ ولذا بالغ الحجج عليهم السلام في إثباته والحثّ على الإقرار بمثل قولهم : «ما عبد اللّه بشيء مثل البداء» .
والوجه بينه وبين ما سبق في الثاني عشر من الباب الأوّل في كتاب العقل حيث قال : «يا هشام، كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : ما عُبد اللّه بشيءٍ أفضل من العقل» أنّ الإقرار بحقّيّة البداء في حقّه تعالى هو العقل .
وبالبداء يظهر المعجزات ، فيمحو اللّه ما هو المقتضي العادي للطبائع ويثبت خلافه . وبالبداء يقطع باختصاص علم الغيب به سبحانه .
والقول بحقّيّة البداء في حقّه سبحانه من خواصّ مذهب أهل البيت عليهم السلام .
وتوضيح المقام : أنّ الإخبار مثلاً بصدور أمر دون الإخبار باستثنائه أو شرط صدوره أو سبب انتفائه أو تعليقه بالمشيئة بقوله : إن شئت ، أو إن شاء اللّه مع علم المخبر بالجميع لا يستلزم عدم علمه بالجميع وعنده اُمّ الكتاب . وهل يمحى إلّا ما كان ثابتا عاديّا كإحراق النار ، أو ثابتا بدون العلم بشرط انتفائه ـ مثلاً ـ كإماتة إسماعيل ؟ أو هل يثبت إلّا ما لم يكن ثابتا عاديّا كتكلّم الشجر والحجر ، أو لم يكن ثابتا بدون العلم بشرط صدوره كإمامة الكاظم عليه السلام ؟ والخامس عشر توضح لك خلاصة ما في الباب إن شاء اللّه تعالى ، فكما أنّه تعالى يخبر بالمحتوم يخبر بما يقع إن شاء ولا يقع إن لم يشأ .
قال الفاضل الإسترابادي بخطّه :
البداء في حقّه تعالى أن يظهر في ثاني الحال علما كان مخفيّا عنده تعالى ، وفي حقّ الخلق أن يظهر له رأي بعد أن لم يكن . فمعنى البداء في حقّه تعالى ظهور إرادة وتقدير عند الخلق لم يكن ظاهرة قبل ، سواء كان مظنونهم خلافه أو لم يكن . ۵
وقال برهان الفضلاء :
البداء في حقّه تعالى صدور شيء من أفعاله تعالى في وقت لم يكن ذلك الصدور قبل ذلك الوقت معلوما لغيره تعالى ، فمظنون لغيره أو مشكوك فيه . فالبداء مستلزم لمحو ظنّ الإمام إن كان ظنّه خلاف مقتضى ذلك ، ومستلزم لإثبات علم الإمام إن كان شكّ في مقتضى ذلك . وبهذا يدفع طعن الحشويّة في جملة جهالاتهم على الإماميّة: أنّ قولهم بالبداء يرجع إلى نسبة الجهل السابق وحدوث العالَم .
وفي الصحيح ۶ البخاري في حديث الأقرع والأبرص والأعمى : «بدا للّه أن يبتليهم» . ۷
وإنّما لم يعبد اللّه بشيء مثل البداء ؛ لأنّ الإقرار به إيمان بالغيب بمعنى الإقرار باختصاص علم الغيب باللّه سبحانه .
أقول : ثابت أنّ الحجّة لا يخبر إلّا بإذن اللّه وقد أخبر النبيّ صلى الله عليه و آله بأجَلِ ذلك اليهوديّ الحطّاب واُخّر بتصدّقه فأخبر النبيّ صلى الله عليه و آله بأنّ للّه بدا فيما أخبرت به للصدقة . فقول برهان الفضلاء : فالبداء مستلزم لمحو ظنّ الإمام أو إثباته ، إيماءٌ إلى ما هو الحقّ الدافع للإشكال ، كما سنتلو عليك في هديّة الخامس إن شاء اللّه تعالى . فقصده من ظنّ الإمام أنّ الإمام يعلم بعلامة باهرة أنّ المُخْبَر به بعضُ العلم أو تمامه ، فإذا كان بعضه فظنّ أو شكّ وقوعه أو لا وقوعه .
وقال السيّد الأجلّ النائيني رحمه الله :
تحقيق القول في البداء أنّ الاُمور كلّها ـ عامّها وخاصّها ، ومطلقها ومقيّدها ، ومنسوخها وناسخها ، مفرداتها ومركّباتها ، وإخباراتها وإنشاءاتها بحيث لا يشذّ عنها شيء ـ منتقشة في اللّوح ، والفائض منه على الملائكة والنفوس العِلْويّة والنفوس السفليّة قد يكون الأمر العامّ ، أو المطلق ، أو المنسوخ حسب ما يقتضيه الحكمة الكاملة من الفَيَضان في ذلك الوقت، ويتأخّر المبيّن إلى وقت يقتضي الحكمة فَيَضانَه فيه ، وهذه النفوس العِلْويّة وما يشبهها يعبّر عنها بكتاب المحو والإثبات .
والبداء عبارة عن هذا التغيّر في ذلك الكتاب من إثبات ما لم يكن مثبتا ، ومحو ما اُثبت فيه . والروايات كلّها تنطبق عليه . وبملاحظة جميعها يُهتدى إليه .
وإنّما بالغوا عليهم السلام في إثبات البداء ؛ ردّا على اليهود ومن تابعهم ؛ حيث قالوا : إنّ اللّه تبارك وتعالى فرغ من الأمر ، ۸ فقالوا عليهم السلام ـ كما ورد به التنزيل : «يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَ يُثْبِتُ» . الرعد (13): 39. وهل يمحى إلّا ما كان مثبَتا؟ وهل يثبت إلّا ما لم يكن؟
وإنّما لم يعبد اللّه بشيء مثل البداء ؛ لأنّ فيه الإقرارَ بما في كتاب اللّه ، وتصديقَه وتصديقَ أنبيائه ورسله والراسخين في العلم ، وسدّ سبيل الوساوس النفسانيّة والشيطانيّة في إنكار الأنبياء والأوصياء بالتغيّر فيما أضمروا ۹ به من غير ما اُمروا بتبليغه من الشرائع إن خصّص البداء بما دون النسخ في الأوامر والنواهي ، وفيما جاءوا به مطلقا إن عمّم . ۱۰ انتهى .
وقال السيّد السند أمير حسن القائني رحمه الله :
القول في حقّه تعالى بالبداء ؛ ردّ على اليهود ؛ حيث قالوا : إنّه تعالى فرغ من الأمر ؛ لأنّه عالم في الأزل بمقتضيات الأشياء فقدّر كلّ شيء على وفق علمه .
وملخّص الردّ : أنّ له تعالى إرادات حادثة ، والبداء بحسب الإرادة لا بحسب العلم المحيط بالجميع فيقدّم المؤخّر بالإرادة ويؤخّر المقدّم بالإرادة . قول المتكلّمين : إنّ إرادته أزليّة ، يعني علمه أزليّ .
وإنّما لم يعبد اللّه ولم يعظّم بشيء مثل البداء ؛ لأنّ مدار استجابة الدعاء والرغبة إليه سبحانه والرهبة منه وتفويض الاُمور إليه وأمثال ذلك على ثبوت البداء في حقّه تعالى .
وقال بعض المعاصرين :
اعلم أنّ القوى المنطبعة الفلكيّة لم تحط بتفاصيل ما سيقع من الاُمور دفعة واحدة ؛ لعدم تناهي تلك الاُمور ، بل إنّما ينتقش فيها الحوادث شيئا فشيئا وجملة فجملة مع أسبابها وعللها على نهج مستمرّ ونظام مستقرّ ؛ فإنّ ما يحدث في عالم الكون والفساد إنّما هو من لوازم حركات الأفلاك المسخّرة للّه ونتايج بركاتها ، فهي تعلم أنّه كلّما كان كذا كان كذا ، فمهما حصل لها العلم بأسباب حدوث أمرٍ مّا في هذا العالم حكمت بوقوعه فيه فينتقش فيها ذلك الحكم ، وربما تأخّر بعض الأسباب الموجب لوقوع الحادث على خلاف ما يوجبه بقية الأسباب لولا ذلك السبب ولم يحصل لها العلم بذلك بعد ؛ لعدم الاطّلاع لها على سبب ذلك السبب ، ثمّ لمّا جاء أوانه واطّلعت عليه حكمت بخلاف الحكم الأوّل ، فيمحى عنها نقش الحكم السابق ويثبت الآخر . ۱۱ انتهى .

1.السند في الكافي المطبوع هكذا: «محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحجّال، عن أبي إسحاق ثعلبة، عن زرارة بن أعين».

2.المصباح ، ج ۱ ، ص ۴۰ (بدا) .

3.الرعد (۱۳) : ۳۸ ـ ۳۹ .

4.تفسير القمّي ، ج ۱ ، ص ۱۷۱ ، ذيل الآية ۶۴ من المائدة (۵) ؛ وعنه في البحار ، ج ۴ ، ص ۹۸ ، ح ۶ .

5.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۲۵ .

6.كذا في جميع النسخ.

7.صحيح البخاري ، ج ۳ ، ص ۱۲۷۶ ، ح ۳۲۷۷ .

8.تفسير القمّي ، ج ۱ ، ص ۱۷۱ ، ذيل الآية ۶۴ من المائدة (۵) ؛ وعنه في البحار ، ج ۴ ، ص ۹۸ ، ح ۶ .

9.في المصدر : «بالتغيير فيما أخبروا به» مكان «بالتعيّر فيما أضمروا به» .

10.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۴۷۵ .

11.الوافي ، ج ۱ ، ص ۵۰۷ ـ ۵۰۸ .

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 94792
صفحه از 508
پرینت  ارسال به