الباب الثانى : بَابُ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ تعالى شَيْءٌ
وأحاديثه كما في الكافي سبعة :
الحديث الأوّل
۰.روى في الكافي بإسناده ، عَنْ مُحَمَّدُ بْنِ عِيسى ، عَنْ التميمي۱، قَالَ : سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنِ التَّوْحِيدِ ، فَقُلْتُ : أَتَوَهَّمُ شَيْئا؟ فَقَالَ :«نَعَمْ ، غَيْرَ مَعْقُولٍ ، وَلَا مَحْدُودٍ ، فَمَا وَقَعَ وَهْمُكَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ ، فَهُوَ خِلَافُهُ ، لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ ، وَلَا تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ ، كَيْفَ تُدْرِكُهُ الْأَوْهَامُ وَهُوَ خِلَافُ مَا يُعْقَلُ ، وَخِلَافُ مَا يُتَصَوَّرُ فِي الْأَوْهَامِ؟! إِنَّمَا يُتَوَهَّمُ شَيْءٌ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلَا مَحْدُودٍ» .
هديّة :
يعني أبا جعفر الثاني الجواد عليه السلام .
و«عبد الرحمان بن أبي نجران التميمي» من رجال الرّضا والجواد عليهماالسلام ثقة ثقة .
(أتوهّم) على المتكلّم وحده من التفعّل بتقدير الاستفهام ، و«إنّما يتوهّم» في آخر الحديث يعضده .
وضبط برهان الفضلاء : «أتوهّم» على المضارع المجهول الغائبة من باب وعد ، بمعنى هل تتوهّم الذات .
«شيء» كلمة من العمومات ، عمومها كعموم «العين» وعموم نقيضها كعموم «الممتنع» بالاشتراك المعنوي . وقولك : «شيءٌ ممتنع» على نهج التجوّز .
فكما ثبت أنّ الواحد ممّا سوى اللّه وحدته من باب الأعداد وشيئيّته كشيئيّة الأشياء ، ثبت أنّ وحدة الربّ تعالى إنّما هي حقيقة الوحدانيّة المباينة بالذات لوحدة باب الأعداد ، وشيئيّته حقيقة الشيئيّة المخالفة من جميع الجهات لشيئيّة سائر الأشياء . وقد عرفت في الخامس من الباب الأوّل، وهديّته أنّه تبارك وتعالى شيء بحقيقة الشيئيّة ، وأنّه أحديّ المعنى، لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم ، وقد قال أمير المؤمنين عليه السلام : «ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد» . ۲
(نعم ، غير معقول) في الأذهان ، (ولا محدود) في الأذهان والأعيان . وقال بعض المعاصرين :
«نعم غير معقول» أي يصدق عليه مفهوم شيء وإن لم يكن شيئا معقولاً لغيره ، ولا محدودا بحدّ ؛ وذلك للفرق بين مفهوم الأمر وما صدق عليه ، فهو ليس مفهوم الشيء ولا شيئا من الأشياء المعقولة وإن صدق عليه أنّه شيء . ۳ انتهى .
أقول : ظاهر أنّ حاصل بيانه أنّه عزّوجلّ هو ما صدق مفهوم الشيء ، لا مفهوم الشيء ، وهو ـ بعد بنائه على ما ذهب إليه القدريّة من وحدة الوجود ـ مبنيّ على صحّة صدق بعض المفهومات عليه ـ سبحانه ـ بالاشترك المعنوي ، وهو شيء بخلاف الأشياء بحقيقة الشيء ، وكلّ ما وقع عليه الوهم من شيء فهو خلافه ، فلا يصدق عليه مفهوم بالاشتراك المعنوي أصلاً ، وهو محيط بجميع الأعيان والأذهان بمفهوماتها الخاصّة والعامّة ، ولذا من خاصّته ـ تبارك وتعالى ـ أنّه ليس لغيره العلم بكنه ما لا يتناهى . نعم، غير الحجّة إذا كان نظره في التحقيق من عند نفسه لا يلتفت إلى حديث الحجّة، وهو يشرحه أنّه حجّة له أو عليه .