479
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2

الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
478

الباب الثاني والثلاثون : بَابُ الْبَيَانِ وَ التَّعْرِيفِ وَ لُزُومِ الْحُجَّةِ

وأحاديثه كما في الكافي ستّة :

الحديث الأوّل

۰.روى في الكافي بإسناده ،۱عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، عَنِ ابْنِ الطَّيَّارِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام ، قَالَ :«إِنَّ اللّه َ احْتَجَّ عَلَى النَّاسِ بِمَا آتَاهُمْ وَعَرَّفَهُمْ» .

هديّة :

المراد ب(البيان) في العنوان الإخبار البيّن بما هو الحقّ من العقائد والأقوال والأعمال في هذا النظام .
ب(التعريف) : تبيين ما هو الحقّ ممّا ذكر بما لا مزيد عليه .
وب(لزوم الحجّة) : وجوب وجود الواسطة المعصوم العاقل عن اللّه ممتازا حسبا ونسبا ما دام الاشتباه ، والاشتباه باقٍ ما دام الشيطان ، والشيطان مشكّك ما دام الدنيا .
وما أوضح أنّ من البديهيّات أنّ الأعلم بما هو الحقّ ممّا ذكر في هذا النظام إنّما هو مدبّره ، فانحصر القطع بحقّية شيء من ذلك في إخباره وتعريفه ، ولمّا لم يمكن الرؤية ومثل المعاشرة بالملامسة ونحوها وجب على لطفه الإخبار والتعريف بالإلهام أو الوحي أو الواسطة «لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَىَّ عَنْ بَيِّنَةٍ»۲ ، وعلى حكمته توسّط المخلوق من البشر فيما بينه وبينهم ، وأن يكون لتوسّطه بين ربّ العالمين والعالمين لمثل الأمر العظيم في مثل هذا النظام بهذا النسق من المدبّر العدل الحكيم تعالى شأنه ، بحيث يكون ممتازا عن الجميع بالعصمة وسائر مكارم الأخلاق والأحساب وبشرف النسب وكرم الأصل في نظام سلاسل الأنساب ، وبهذا تتعيّن «الناجية» في حديث الافتراق . ۳ وهو متواتر بالاتّفاق .
(بما آتاهم وعرّفهم) أي بما أعطاهم من العقل والفهم ودرك شواهد الربوبيّة من السماء والأرض وما فيهما وما بينهما من عجائب الصنع المُتقن وغرائب التدبير المحكم ، والاستطاعة للفعل عنده وكذا للترك . وعرّفهم كلّ ما يحتاجون في معاشهم ومعادهم إلى معرفته من الخير والشرّ بإخبار الحجّة الواسطة المعصوم العاقل عن اللّه وفعله وتقريره .
قال برهان الفضلاء :
قد وضع ثقة الإسلام هذا الباب بهذا العنوان إبطالاً لمذهب الجهميّة ، وقول المرجئة وسائر المذاهب الباطلة في حقيقة الإيمان على ما ستعرف إن شاء اللّه تعالى .
قالت الجهميّة : الإيمان إنّما هو مجرّد معرفة الربوبيّة لربّ العالمين والمكلّف يكلّف به . وقالت المرجئة : إيمان المكلّف مجرّد معرفة ربوبيّته تعالى ومعرفة الرسول وتصديقه في جميع ما جاء به ، ولا مدخل للعمل في حقيقة الإيمان ، فالمؤمن باللّه ورسوله بجميع ما جاء به سواء عمل أم لا ، مؤمن حقّا .
«بما آتاهم » أي بما أعطاهم من شواهد الربوبيّة مثل السماء والأرض ، «وعرّفهم» بالمعجزات والمحكمات بتوسّط الرّسل والأوصياء في كلّ عصرٍ من الأعصار إلى انقراض الدنيا .
وقال السيّد الأجلّ النائيني : «بما آتاهم وعرّفهم » أي بإتيانهم المعرفة وتعريفهم . ۴
وقال الفاضل الإسترابادي رحمه الله :
هنا مقامان : الأوّل : أنّ الصور الإدراكيّة ـ المطابقة للواقع وغير المطابقة ـ كلّها فائضة من اللّه سبحانه بأسبابها المختلفة وهذا هو قول الحكماء وعلماء الإسلام ، قال اللّه تعالى : «سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَا مَا عَلَّمْتَنَا»۵ ، وشبهها من الآيات .
والثاني : أنّ اللّه تعالى لم يكلّفنا بالكسب والنظر لنعرف أنّ لنا خالقا ، بل عليه أن يعرّف نفسه . وفيه ردّ على المعتزلة والأشاعرة حيث زعموا أنّ أوّل الواجبات النظر لتحصل معرفة الخالق . وفي كتاب العلل وغيره تصريحات بأنّ أوّل الواجبات الإقرار بالشهادتين . انتهى .
كفى للتوضيح بيانه الأوّل من المقامين ما مرّ في هديّة الثاني في الباب السابق في بيان قوله عليه السلام : «هل تستطيع أن لا تذكر» ـ في الحديث الذي نقله هذا الفاضل من كتاب توحيد الصدوق رحمهماالله ـ : من أنّ الفاعل لفعل العبد وإن كان هو العبد بمدخليّة قدرته المخلوقة فيه كاختياره ومشيّته وإرادته وقدره واستطاعته ، إلّا أنّ الخالق في الوجود مطلقا من الخارجي والذهني هو اللّه سبحانه لا غير .
وتحقيق المقام الثاني منهما : أنّ المعلوم فهمه لكلّ فهم لا يكون مكلّفا به ، كالمعرفة الفطريّة الخَلْقيّة ، والبصيرة الضروريّة الجِبلّيّة ، وهي الفطرة التي فطر اللّه الناس عليها ؛ فإنّ كلّ ذي شعور يعلم قطعا بطائفة من شواهد الربوبيّة التي دلّت على نفي حدّ التعطيل فقط أنّ لمثل هذا النظام العظيم بهذا النسق القويم صانع أعلم من كلّ عليم ، مدبّر أحكم من كلّ حكيم ، مالك أعظم من كلّ عظيم .
وأمّا المعرفة الدينيّة والبصيرة اليقينيّة وهي معرفة الربوبيّة بخصوصيّاتها كما عرّف اللّه به نفسه منها التنزّه عن حدّ التشبيه ، ومعرفة الرسول والإمام بخصائصهما بالمعجزات والآيات والدلالات كما ورد به الكتاب والسنّة ، فمكلّف ۶ بها البتّة ، وحصولها بعد البيان والتعريف قطعا إذا أقبلوا وقبلوا .

1.السند في الكافي المطبوع هكذا : «محمّد بن يحيى و غيره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسين بن سعيد» .

2.الأنفال (۸) : ۴۲ .

3.حديث الافتراق رواه الخاصّة والعامّة . راجع: الوسائل ، ج ۲۷ ، ص ۴۹ ، ح ۳۳۱۸۰ ؛ البحار ، ج ۳۶ ، ص ۳۳۶ ، ح ۱۹۸ ؛ وج ۲۸ ، ص ۲۹ ـ ۳۰ ؛ سنن أبي داود ، ج ۲، ص ۶۰۸ ، ح ۴۵۹۷ ؛ سنن ابن ماجة ، ج ۲ ، ص ۱۳۲۲ ، ح ۳۹۹۳ ؛ مسند أحمد ، ج ۳، ص ۱۴۵ ، ح ۱۲۵۰۱ ؛ المستدرك للحاكم ، ج ۴ ، ص ۴۷۷ ، ح ۸۳۲۵ .

4.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۵۱۲ .

5.البقرة (۲) : ۱۴ .

6.جواب لقوله : «وأمّا المعرفة الدينيّة» .

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 70864
صفحه از 508
پرینت  ارسال به