59
الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2

الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
58

الباب الثالث : بَابُ أَنَّهُ تعالى لَا يُعْرَفُ إِلَا بِهِ

وأحاديثه كما في الكافي ثلاثة :

الحديث الأوّل

۰.روى في الكافي بإسناده عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حُمْرَانَ ،۱عَنِ الْفَضْلِ بْنِ السَّكَنِ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه ِ عليه السلام : قَالَ :«قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : اعْرِفُوا اللّه َ بِاللّه ِ ، وَالرَّسُولَ بِالرِّسَالَةِ ، وَأُولِي الْأَمْرِ بِالْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالْعَدْلِ وَالْاءِحْسَانِ» .

هديّة :

قال ثقة الإسلام ـ طاب ثراه ـ بعد ذكر هذا الحديث في الكافي :
وَمَعْنى قَوْلِهِ عليه السلام : «اعْرِفُوا اللّه َ بِاللّه ِ» يَعْنِي أَنَّ اللّه َ خَلَقَ الْأَشْخَاصَ وَالْأَنْوَارَ وَالْجَوَاهِرَ وَالْأَعْيَانَ ، فَالْأَعْيَانُ : الْأَبْدَانُ ، وَالْجَوَاهِرُ : الْأَرْوَاحُ ، فَهُوَ ـ جَلَّ وَعَزَّ ـ لَا يُشْبِهُ جِسْما وَلَا رُوحا ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِي خَلْقِ الرُّوحِ الْحَسَّاسِ الدَّرَّاكِ أَمْرٌ وَلَا سَبَبٌ ، هُوَ الْمُتَفَرِّدُ بِخَلْقِ الْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَامِ ، فَإِذَا نَفى عَنْهُ الشَّبَهَيْنِ : شَبَهَ الْأَبْدَانِ ، وَشَبَهَ الْأَرْوَاحِ ، فَقَدْ عَرَفَ اللّه َ بِاللّه ِ ، وَإِذَا شَبَّهَهُ بِالرُّوحِ أَوِ الْبَدَنِ أَوِ النُّورِ ، فَلَمْ يَعْرِفِ اللّه َ بِاللّه ِ . انتهى .
(يعني) تكرار للتأكيد في قطعه ـ طاب ثراه ـ بحمله هذا .
(أنّ اللّه ) يحتمل فتح الهمزة وكسرها .
و(الشبه) بالكسر ومحرّكة : لغتان .
قال برهان الفضلاء :
المراد ب «الأشخاص» هنا : أفراد نوع الإنسان . وب «الأنوار» : علماء أهل الحقّ . وب «الجواهر» : النفائس وب «الروح» كما هو الحقّ : الجسم اللّطيف الحسّاس الدّرّاك .
وهو ـ سلّمه اللّه تعالى ـ لا يقول بوجود المجرّدات كالفلاسفة ومن تبعهم ، لا عقولها ولا نفوسها .
وضبط هو «المنفرد» من الانفعال ، فكأنّه فرار من استشمام شائبة التكلّف . وفاعل (نفى) على المعلوم ، مثل المكلّف والموحّد .
وقال الصدوق رحمه الله في كتاب التوحيد بعد ما أسند هذا الحمل إلى الكليني ثقة الإسلام طاب ثراه :
والقول الصواب في هذا الباب أن يُقال : عرفنا اللّه باللّه ؛ لأنّا إن عرفناه بعقولنا فهو ـ جلّ وعزّ ـ واهبُها ، وإن عرفناه جلّ وعزّ بأنبيائه ورسله وحججه فهو ـ عزّ وجلّ ـ باعثُهم ومرسلُهم ومتّخذُهم حججا ، وإن عرفناه بأنفسنا فهو ـ عزّ وجلّ ـ محدثُها ، فبه عرفناه . وقد قال الصادق عليه السلام : «لولا اللّه ما عرفناه ، ولولا نحن ما عرف اللّه » ۲
. انتهى .
ما أرفع شأنه قوله ولد بدعاء المعصوم حقّا . «وإن عرفناه بأنفسنا» ؛ أي بأفاعيله تعالى وتدبيراته في خلقتنا من بدء نشوء النطفة إلى أرذل العمر .
ولبرهان الفضلاء في بيان هذا الحديث تفصيل حاصله يظهر بتطبيق فقرات الصدوق رحمه اللهبفقرات ثقة الإسلام طاب ثراه .
وقال السيّد الأجلّ النائيني ميرزا رفيعا رحمه الله :
هذا الحديث يحتمل وجوها :
أحدها : أن يكون المراد بالمعروف به ۳ ما يعرف الشيء به بأنّه هو هو ، فمعنى «اعرفوا اللّه باللّه » : اعرفوه بأنّه هو اللّه مسلوبا عنه جميع ما يُعرف به الخلق من الأجسام والأرواح والأعيان والأكوان ۴ والأنوار ، وبالجملة من الجواهر والأعراض ومشابهة شيء منها أو مماثلته ، فهو هو اللّه معروفا بسلب المشابهة والمماثلة للمخلوقات . وهذا هو الذي ذكره ثقة الإسلام .
ومعنى «والرسول بالرِّسالة» أي بأنّه أرسل بهذه الشريعة ، وهو مرسَل بهذه الأحكام وهذا الكتاب وهذا الدِّين ، ومعرفة اُولي الأمر بأنّه الآمر بالمعروف والعالم العامل به .
و«العدل» أي الطريقة الوسطى . و«الإحسان» أي الاستقامة واتّباع طريقة السابقين عليه من الثابتين ۵ على الطريقة المستقيمة . وفسّر ـ كما ذكر في الغريبين ـ قوله تعالى : «اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ»۶ باستقامة وسلوك للطريق الذي درج عليه السابقون الهادون . ۷ والحاصل أنّه يعرف الإمام بأنّه الذي عُيّن لإقامة المعروف والعدل والإحسان ، وهو العالم به عن اللّه ، والقائم عليه ، والمقيم له .
وثانيهما : أن يكون المراد بما يُعرف به ما يعرف باستعانته من قوى النفس العاقلة والمدركة وما يكون بمنزلتها ويقوم مقامها . فالمعنى : أعرفوه بنور اللّه المشرق على القلوب ولو بواسطة ۸ العقول المفارقة ؛ فإنّ القوى النفسانيّة بنفسها قاصرة عن معرفته سبحانه ، إنّما يعرف بنور اللّه المُطّلعَ على الأفئدة .
واعرفوا «الرسول بالرسالة» ؛ أي بما يُشرق على النفوس بتوسّط رسالة الرسول .
«واُولي الأمر بالمعروف» أي بالعلم بالمعروف والعدل والإحسان ، وما يحصل للنفس من استكمال القوّة العقليّة بها .
وثالثها : أن يكون المراد ما يعرف بها من الأدلّة والحجّة ۹ . فالمعنى : اعرفوه بالمقدّمات العقليّة البرهانيّة التي هداكم اللّه إليها وأعطاكم علمها ، وإن كانت قد تحتاج إلى تنبيه وهداية إليها ، لا بما اُرسل به الرسول من الآيات والمعجزات ، وبقول الرسل ، فإنّها متأخّرة المعرفة عن معرفة اللّه .
و«اعرفوا الرسول بالرسالة» أي بما اُرسل به من الآيات والدلالات بعد معرفة اللّه سبحانه .
واعرفوا اُولي الأمر بعلمه بالمعروف ، وإقامة العدل والإحسان بعد معرفتكم المعروف بتوسّط معرفة اللّه ومعرفة الرسول والاطّلاع على ما جاء به .
ووجه رابع ، وهو أنّ جميع ما يعرف به ينتهي إليه سبحانه كما ذكره الصدوق رحمه اللهفي كتاب التوحيد بقوله : الصواب في هذا الباب إلى آخره . ۱۰ انتهى .
الظاهر من بيانه رحمه الله أنّ المضبوط عنده هكذا «واُولي الأمر بالمعروف» بدون «بالأمر» . أو فسّر الأمر بالعلم ؛ إشارة إلى ما لا يخفى .
وللفاضل الإسترابادي صاحب الفوائد المدنيّة نزيل مكّة المعظّمة ثمّ المدينة المنوّرة رحمه اللههنا عبارتان ؛ الاُولى :
يعني تعقّلوا ربّنا بعنوان كلّي منحصر في الفرد وُضع [له] ۱۱ لفظ اللّه ، أو جُعل آلةً للملاحظة عند وضع لفظة اللّه للشخص المنزّه عن كلّ نقص ، على اختلاف المذهبين . وذلك العنوان عند الفضلاء : «الذات المستجمع لجميع صفات الكمال» وفي الحديث : «المستولي على ما دقّ وجلّ» لا بعنوان آخر ، كما تعقّلتم الرسول بعنوان أنّه رسول اللّه ، واُولي الأمر بعنوان أنّه صاحب الأمر .
الثانية : يعني اعرفوا اللّه بالعنوان الذي ألقاه في قلوبكم بطريق الضرورة ، أي بغير اكتساب واختيار منكم كما مرّ وسيجيء ، وهو أنّه شيءٌ موجود ليس له مثل ولا نظير ، خالق كلّ شيء ، وعَيِّنوا رسوله بإرساله تعالى إيّاه وإجراء المعجزة على يده ، وعيِّنوا الأئمّة بالآثار التي أجراها اللّه على أيديهم من الأمر بما هو معروف في حكم اللّه ، ورعاية الطريقة الوسطى ، والإتيان بما هو الحقّ في كلّ باب ؛ أي بما خصّهم اللّه به من العلم بكلّ معروف والعمل على وفقه . ومقصوده عليه السلام أنّه ليس لكم الاختيار في شيء من المقامات الثلاثة ، بل يجب عليكم تعيين ما عيّنه اللّه فيها . ۱۲
أقول : «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْ ءٌ» لا في الذهن ولا في الخارج ، وهو سبحانه منزّه عن تعقّلنا إيّاه بعنوان كلّي منحصر في الفرد كتعقّلنا الشمس ، بل المرجع لنا في الجميع ما وصف به نفسه تعالى ، وهو منزّه عن جميع ما خطر بالخاطر .
ولبعض المعاصرين أيضا هنا عبارتان ؛ الاُولى :
قال أهل الحكمة: من عرف اللّه جلّ جلاله لا باستشهاد من الخلق عليه ، بل إنّما عرفه بالنظر إلى حقيقة الوجود بما هو وجود ، وأنّه لابدّ أن يكون قائما بذاته أو مستندا إلى من يقوم بذاته ، فقد عرف اللّه باللّه . ۱۳
الثانية : طويلة أخذنا بعضها وهو خلاصة تمامها ، قال :
يعني انظروا في الأشياء إلى وجوهها التي إلى اللّه سبحانه بعدما أثبتّم أنّ لها ربّا صانعا ، فاطلبوا معرفته بآثاره فيها من حيث تدبيره لها ، وقيموميّته إيّاها ، وتسخيره لها ، وإحاطته بها ، وقهره عليها حتّى تعرفوا اللّه بهذه الصفات القائمة به ؛ ولا تنظروا إلى وجوهها التي إلى نفسها ، أعني من حيث إنّها أشياء لها ماهيّات لا يمكن أن توجد بذواتها بل مفتقرة إلى موجد يوجدها ؛ فإنّكم إذا نظرتم إليها من هذه الجهة تكونوا قد عرفتم اللّه بالأشياء فلن تعرفوه إذن حقّ المعرفة . ۱۴ انتهى .
ومن الوجوه لهذا الحديث أنّ قوله عليه السلام : (اعرفوا اللّه باللّه ) يعني بقول اللّه بما عرّف به نفسه تعالى ، وأخبركم بتوسّط الحجج المعصومين المنصوصين المحصورين عددا في حكمته تعالى ، لا بما عرّفه الصوفي القَدَري من أنّه تحت الوجود المتنزّل من العلّيّة إلى المعلوليّة ، سائرا في سلسلتي البدو والعود .
(والرسول بالرسالة) المقرونة بالمعجزات الظاهرة والدلالات الباهرة، والامتياز حسبا ونسبا إلى آدم عليه السلام ، لا بما عرّفه الصوفي القَدَري من أنّه هو اللّه في صورة البشر كالإسكندر في رسالته منه إلى النوشابة البردعيّة .
(واُولي الأمر بأمره بالمعروف والعدل والإحسان) بأمر اللّه تعالى واختياره ، لا بما عرّفه الصوفي القدري من أنّ أمره باختياره واختيار الناس . وقد ذكر ابن العربي في فتوحاته : أنّه خيّر في قبول الإمامة فلم يرض بها . وقال أيضا فيها : إنّي لم أسأل اللّه أن يعرّفني إمام زماني ولو كنت سألته لعرّفني . ۱۵
وفسّر برهان الفضلاء «المعروف» : بالعلوم الحقّة ؛ يعني بتعلّمها ، و«العدل» : بالعدل بين الناس بحكم اللّه لا بالظنّ والرأي والقياس . و«الإحسان» : بالعصمه عن الخطأ ، و«العلم» : بالأحكام عند اللّه ، والعمل بما أمر به ونهى عنه في دين اللّه تبارك وتعالى .

1.في الكافي المطبوع : «عليّ بن محمّد ، عمّن ذكره ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن محمّد بن حمران» .

2.التوحيد ، ص ۲۹۰ ، ذيل حديث ۱۰ ، من باب أنّه عزّوجلّ لا يعرف إلّا به .

3.في المصدر : «بالمعرّف به» .

4.في المصدر : «والألوان» .

5.في المصدر : «السالكين» .

6.التوبة (۹) : ۱۰۰ .

7.الغربيين، ج ۲، ص ۴۴۴ (حسن).

8.في المصدر : «بوساطة» .

9.في المصدر : «والحجج» .

10.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۲۸۱ ـ ۲۸۲ .

11.أضفناه من المصدر .

12.الحاشية على اُصول الكافي ، ص ۱۰۸ .

13.الوافي ، ج ۱ ، ص ۳۳۸ .

14.الوافي ، ج ۱ ، ص ۳۳۹ .

15.لم نعثر عليهما رغم الفحص الأكيد والتتبّع الكثير.

  • نام منبع :
    الهدايا لشيعة ائمة الهدي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین ؛ القیصریه ها، غلام حسین
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 70870
صفحه از 508
پرینت  ارسال به