باب من غسّل الميّت ومن مسّه وهو حارّ، ومن مسّه وهو بارد
المشهور وجوب الغسل على غاسل الميّت إذا مسّه بناءً على وجوب غسل مسّه بعد برده وقبل تطهيره، كما هو المشهور بين الأصحاب، ۱ ونسبه في المنتهى ۲ إلى أبي هريرة وسعيد بن المسيّب وأبي سعيد والزهري، والشافعي في البويطي، ۳ وأحمد في الكافر ۴ [خاصة]، وذهب السيّد المرتضى إلى استحبابه، ۵ وهو محكي عن ابن عبّاس وابن عمر وعائشة والحسن وأبي حنيفة والنخعي وإسحاق، ۶ وعن قول للشافعي . ۷
ويدلّ على الأوّل زائدا على ما رواه المصنّف في الباب ما رواه الشيخ في التهذيب عن سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وغسل من غسّل ميّتاً واجب». ۸
وعن يونس، عن [بعض] رجاله، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «وغسل من غسّل ميّتاً»، ۹ وعدّه من الفروض.
وفي الصحيح عن الحلبي، قال : «اغتسل إذا غسّلت ميّتاً». ۱۰
وفي الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «الغسل في سبعة عشر موطناً». وعدّ منها: «إذا غسّلت ميّتاً أو كفّنته أو مسسته بعد ما برد» . ۱۱
وعن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «وغسل الغاسل للميّت فرض واجب». ۱۲
وكذلك كلّ من مسّه بعد برده بالموت وقبل غسله يجب عليه الغسل، فإن مسّه بعد تطهيره لم يجب عليه شيء، وإن مسّه قبل برده لم يلزمه الغسل ويغسل يده.
وأجمع أهل العلم على عدم وجوبه بالمسّ قبل البرد؛ لعدم نجاسته حينئذٍ، ولا بعد تطهيره بالغسل؛ لأنّه حينئذٍ طاهر.
ويدلّ أيضاً عليهما طائفة من الأخبار المتقدّمة.
وربّما قيل باستحبابه بعد التطهير؛ للجمع بين ما اُشير إليه وبين موثّق عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «يغتسل الّذي غسّل الميّت، وكلّ من مسّ ميّتاً فعليه الغسل وإن كان الميّت قد غسّل». ۱۳
ويؤيّده حسنة الحلبي ۱۴ على ما سيأتي.
وهل يجب قبل البرد غسل موضع الملاقاة؟ الظاهر العدم؛ لما عرفت من طهارته حينئذٍ.
وقال الشيخ في المبسوط: «يغسل يده»، ۱۵ وظاهره الوجوب، وكأنّه تمسّك بخبر عبد اللّه بن سنان ۱۶ المذكور، وحَملُه على الاستحباب أظهر، ولا يبعد أن يكون مراد الشيخ أيضاً ذلك.
وفي حكم المغسول المقتول قودا ورجماً إذا اغتسل قبل القتل على المشهور؛ لما دلّ على طهارته حينئذٍ.
وأوجب ابن إدريس الغُسل بمسّه أيضاً، ۱۷ وهو ضعيف.
نعم، لو اغتسل ثمّ مات حتف أنفه أو بسبب آخر غير ما ذكر من القتل يجب الغسل حينئذٍ بمسّه؛ ۱۸ لعموم ما دلّ عليه من غير معارض هنا، كما يجب تغسيله للموت.
وفي حكم الميّت القطعة المبانة منه حيّاً أو ميّتاً إذا كانت ذات عظم، بخلاف ما لو كانت خالية عنه؛ لمرسلة أيّوب بن نوح، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسّه إنسان فكلّما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسّه الغسل، فإن لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه». ۱۹
واحتجّ عليه في المنتهى بأنّها بعضه، فيجب فيها ما يجب فيه، وبأنّ المسّ المعلّق عليها الوجوب يصدق بمسّ الجزء، وليس الكلّ مقصودا، و الانفصال لا يغيّر حكماً. ۲۰
وفي الخالية من العظم أوجبوا غسل موضع الملاقاة ولو كانت بيبوسة. ۲۱
ويدلّ عليه حسنة الحلبي ۲۲ وخبر إبراهيم، ۲۳ وقد سبق القول فيه .
قوله في حسنة حريز: (قلت فمن أدخله القبر؟ قال : لا غسل عليه إنّما يمسّ الثياب) . [ح 1 / 4417] يفهم منه ثبوت الغسل بمسّ جسده، وحمله الشيخ على الاستحباب، وربّما قيل: المراد منه أنّه ليس محلّ توهّم وجوب الغسل، فإنّه لم يمسّ جسده حتّى يتوهّم الوجوب، وإنّما يمسّ كفنه، وهو غير موجب للغسل ولو كان قبل تطهيره .
قوله في صحيحة محمّد بن مسلم: (يغمّض عين الميّت) . [ح 2 / 4418] قال طاب ثراه:
تغميض الميّت سنّة أجمع عليه المسلمون، ودلّ أيضاً عليه فعل الصادق عليه السلام بابنه إسماعيل. ۲۴
وفي كتب العامّة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله غمّض أبا سلمة ثمّ قال : «إنّ الروح إذا قبض تبعه البصر». ۲۵
والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «إنّ الروح»، إلى آخره تعليل لشخوص البصر المفهوم ضمناً، وذلك أنّ المحتضر يتمثّل له ما يتمثّل، فينظر إليه ولا يرتدّ إليه طرفه، فإذا برد بقيت عينه على تلك الهيئة، ولمّا كانت موجبة لقباحة منظره أمرنا بتغميضه .
قوله: (عن الحجّال) . [ح 5 / 4421] الظاهر أنّه الحسن بن عليّ أبو محمّد من أصحابنا القميّين بقرينة رواية محمّد بن عبد الجبّار القمّي عنه، ويحتمل عبد اللّه محمّد الأسدي، وعلى أيّ حال فالخبر صحيح . ۲۶
وظاهر المصنّف قدس سره بقرينة عنوان الباب أنّه حمل النهي عن الغسل بعد الدفن في هذا الخبر على النهي عن الغسل للمسّ بمسّه بعد إدخاله في القبر؛ لكونه طاهرا حينئذٍ، والظاهر من الخبر النهي عن تغسيله إذا دفن قبله، فيدلّ على حرمة نبش القبر ولو لتغسيله.
ويؤيّده ما هو مطلق في تحريم نبشه، كما هو مذهب أبي حنيفة على ما حكى عنه في المنتهى؛ ۲۷ معلّلاً بأنّه مُثلَة منهيّ عنها، ولا يبعد حمله على التقيّة .
1.اُنظر: الخلاف، ج ۱، ص ۲۲۲؛ المبسوط، ج ۱، ص ۴۰ ؛ غنية النزوع، ص ۴۰ ؛ السرائر، ج ۱، ص ۱۲۴؛ المعتبر، ج ۱، ص ۳۵۱ ؛ المختصر النافع، ص ۱۵؛ شرائع الإسلام، ج ۱، ص ۴۱، مدارك الأحكام، ج ۲، ص ۲۷۷؛ الذكرى، ج ۲، ص ۹۴؛ ذخيرة المعاد، ج ۱، ص ۹۱؛ كفاية الأحكام، ج ۱، ص ۳۸ ؛ تبصرة المتعلّمين، ص ۳۱ ، تحرير الأحكام، ج ۱، ص ۱۳۷، تذكرة منتهى المطلب، ج ۱، ص ۴۳۸ ؛ مفتاح الكرامة، ج ۴، ص ۳۱۲ .
2.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۴۵۲ ۴۵۳.
3.في الأصل: «البزنطي» ، و التصويب من المصدر. و البويطي هو أبو يعقوب يوسف بن يحيى المصري، منسوب إلى بويط قرية من صعيد مصر، كان خليفة الشافعي بعد وفاته، مات سنة ۲۳۱ في سجن الواثق العبّاسى ببغداد ؛ لامتناعه عن القول بخلق القرآن . من آثاره: المختصر الكبير، المختصر الصغير، الفرائض و النزهة الذهبيّة. راجع : سير أعلام النبلاء، ج ۱۲، ص ۵۸ ۶۱، الرقم ۱۳؛ معجم المؤلّفين، ج ۱۳، ص ۳۴۲ . و انظر أيضا : المجموع للنووي، ج ۵ ، ص ۱۸۵.
و حكى القول بالوجوب الرافعي في فتح العزيز، ج ۴، ص ۶۱۶ عن الشافعي في القديم، ثمّ قال : «والجديد أنّه مستحبّ» . و نحوه في فتح الوهّاب، ج ۱، ص ۱۳۶.
4.في الإصل: «الكافي»، و التصويب من المصدر. و كلامه مذكور في فتح العزيز، ج ۲، ص ۱۳۰ ۱۳۱ و لم يقيّد فيه بالكافر، ثمّ قال : «و الجديد أنّه ليس من موجبات الغسل».
5.حكاه عنه الشيخ الطوسي في الخلاف، ج ۱، ص ۲۲۲، المسألة ۱۹۳؛ و المحقق في المعتبر، ج ۱، ص ۳۵۱ عن شرح الرسالة و المصباح .
6.الخلاف، ج ۱، ص ۷۰۱، المسألة ۴۸۹.
7.المحلّى، ج ۲، ص ۲۴، فتح العزيز، ج ۴، ص ۶۱۶؛ المجموع للنووي، ج ۲، ص ۲۰۳.
8.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۱۰۴، ح ۲۰۷ . و رواه الصدوق في الفقيه، ج ۱، ص ۷۹، ح ۱۷۶ . و ورد في الاستبصار، ج ۱، ص ۹۸، ح ۳۱۵ بلفظ «من مسّ ميّتا» . وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۱۷۳ ۱۷۴، ح ۱۸۵۴.
9.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۱۰۵، ح ۲۷۱؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۹۸، ح ۳۱۶؛ وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۱۷۴، ح ۱۸۵۵.
10.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۱۰۵، ح ۲۷۳؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۲۹۷، ح ۳۶۹۷ .
11.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۱۱۴ ۱۱۵، ح ۳۰۲ ؛ وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۳۰۷ ، ح ۳۷۱۸ .
12.لم أعثر على الحديث بهذا اللفظ . و هذه العبارة بعينها مذكورة في المبسوط، ج ۱، ص ۱۷۹، لكنّها من كلام الشيخ.
13.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۴۳۰، ح ۱۳۷۳؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۱۰۰ ۱۰۱، ح ۳۲۸ ؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۲۹۵، ح ۳۶۹۳ .
14.هي الرواية ۴ من هذا الباب من الكافي.
15.المبسوط، ج ۱، ص ۱۷۹.
16.هو الحديث ۳ من هذا الباب من الكافي .
17.السرائر، ج ۱، ص ۱۶۷.
18.اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج ۱، ص ۳۸۰ ؛ نهاية الإحكام، ج ۲، ص ۲۳۸؛ مسالك الأفهام، ج ۱، ص ۸۲ ؛ جامع المقاصد، ج ۱، ص ۳۶۶ ؛ كشف اللثام، ج ۲، ص ۲۳۰؛ مفتاح الكرامة، ج ۳ ، ص ۴۷۷.
19.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۴۲۹ ۴۳۰، ح ۱۳۶۹؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۱۰۰، ح ۳۲۵ ؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۲۹۴، ح ۳۶۸۹ .
20.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۴۵۸.
21.اُنظر: السرائر، ج ۱، ص ۱۶۸؛ منتهى المطلب، ج ۲، ص ۴۵۸ ؛ عناية الإحكام ج ۱، ص ۱۷۳؛ شرح اللمعة، ج ۱، ص ۳۴۸ .
22.هو الحديث ۴ من هذا الباب من الكافي.
23.هو الحديث ۷ من هذا الباب من الكافي.
24.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۲۸۹، ح ۸۴۲ ، كمال الدين، ص ۷۲؛ وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۴۶۸، ح ۲۶۶۷.
25.مسند أحمد، ج ۶، ص ۲۹۷؛ صحيح مسلم، ج ۳ ، ص ۳۸ ؛ مسند أبييعلى، ج ۱۲، ص ۴۵۸، ح ۷۰۳۰؛ المعجم الكبير للطبراني، ج ۲۳، ص ۳۱۵ ؛ كتاب الدعاء له أيضا، ص ۳۵۰ ، ح ۱۱۵۴؛ مسند الشاميّين، ج ۳ ، ص ۲۲۹، ح ۲۱۴۳؛ صحيح ابن حبّان، ج ۱۵؛ ص ۵۱۵ ؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۳ ، ص ۳۸۴ ، باب ما يستحبّ من إغماض عينيه إذا مات؛ معرفة السنن والآثار، ج ۳ ، ص ۱۲۲، ح ۲۰۵۷؛ كنز العمّال، ج ۱۵، ص ۵۶۱ ، ح ۴۲۱۷۲.
26.اُنظر: رجال النجاشي، ص ۴۹، الرقم ۱۰۴ ؛ و ص ۲۶، الرقم ۵۹۵ ؛ خلاصة الأقوال، ص ۱۰۵، الرقم ۲۸؛ و ص ۱۹۳، الرقم ۱۸؛ رجال ابن داود، ص ۷۵ و ۱۲۲؛ معجم رجال الحديث، ج ۵ ، ص ۱۲، الرقم ۲۹۲۴؛ و ج ۱۰، ص ۳۰۱ ، الرقم ۷۰۹۵.
27.منتهى المطلب، ج ۱، ص ۴۶۵ (ط قديم) . و حكاه أيضا في تذكرة الفقهاء، ج ۲، ص ۱۰۳ ۱۰۴. و نقله الشيخ الطوسي في الخلاف، ج ۱، ص ۷۳۰، المسألة ۵۶۰ ؛ و الرافعي في فتح العزيز، ج ۵ ، ص ۲۵۰؛ و ابن قدامة في المغني، ج ۲، ص ۴۱۵ ؛ و عبدالرحمان بن قدامة في الشرح الكبير، ج ۲، ص ۴۱۵ ؛ و القاري في عمدة القاري، ج ۸ ، ص ۱۶۵؛ و السرخسي في المبسوط، ج ۲، ص ۷۳؛ و النووي في المجموع للنووي، ج ۵ ، ص ۳۰۰ ؛ و السمرقندي في تحفة الفقهاء، ج ۱، ص ۲۵۳.