باب الصلاة على المؤمن والتكبير والدعاء
يجب فيها على المشهور خمس تكبيرات بينها أربعة أدعية، بل يظهر من الذكرى كما ستعرف إجماع الأصحاب عليه.
وقال المحقّق في الشرائع: «والدعاء بينهن غير لازم». ۱
وقال صاحب المدارك: «وربّما كان مستنده إطلاق الروايات المتضمّنة لأنّ الصلاة على الميّت خمس تكبيرات الواردة في مقام البيان الدالّة بظاهرها على عدم وجوب ما عدا ذلك». ۲
وعلى الأوّل فالظاهر عدم تعيّن دعاء خاصّ؛ للأصل، ولقوله عليه السلام : «ليس في الصلاة على الميّت دعاء مؤقّت» فيما يرويه المصنّف في الباب الآتي، ۳ ويؤيّده اختلاف الأدعية المأثورة في الأخبار، وهو خيرة أكثر قدماء الأصحاب. ۴
وأوجب العلّامة في أكثر كتبه ۵ الشهادتين عقيب الاُولى، والصلاة على النبيّ وآله عليهم السلام عقيب الثانية، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات عقيب الثالثة، والدعاء للميّت عقيب الرابعة؛ تعويلاً على ما رواه المصنّف في باب علّة تكبير الخمس على الجنازة، عن محمّد بن مهاجر، ۶ وما رويناه في ذلك الباب عن إسماعيل بن همّام، ۷ وتبعه على ذلك أكثر المتأخّرين، وهو ظاهر الشهيد في الذكرى، حيث قال :
الأقرب وجوب الأذكار الأربعة إلى قوله : والأصحاب بأجمعهم يذكرون ذلك في كيفيّة الصلاة كابني بابويه ۸ والجعفي ۹
والشيخين ۱۰ وأتباعهما ۱۱ وابن إدريس، ۱۲ ولم يصرّح أحد منهم بندب الأذكار، والمذكور في بيان الواجب ظاهره الوجوب.
فإن قلت: قد روى زرارة ومحمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام : «ليس في الصلاة على الميّت قراءة ولا دعاء مؤقّت إلّا أن تدعو بما بدا لك، وأحقّ الأموات أن يُدعى له أن يبدأ بالصلاة على رسول اللّه صلى الله عليه و آله »؛ ۱۳ ولهذا قال ابن الجنيد: ليس بين التكبيرات شيء مؤقّت لا يجوز غيره».
قلت: نحن لا نوقّت لفظاً بعينه، بل توجب مدلول ما اشتركت فيه الروايات بأيّة عبارة كانت، ولأنّ الغاية من الصلاة الدعاء للميّت فيجب تحصيلاً لها، فيجب الباقي؛ إذ لا قائل بالفرق. انتهى . ۱۴
نعم، هي أفضل، وهي متعدّدة: منها ما سبق.
ومنها: ما رواه المصنّف في الباب.
ومنها: ما رواه الشيخ في الموثّق عن عمّار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن الصلاة على الميّت، فقال : «تكبّر، ثمّ تقول : إنّا للّه وإنّا إليه راجعون، إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليماً، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وبارك على محمّد وآل محمّد كما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد، اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى أئمّة المسلمين، اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى إمام المسلمين، اللّهمّ عبدك فلان وأنت أعلم به، اللّهمّ ألحقه بنبيّه محمّد صلى الله عليه و آله ، فافسح له في قبره، ونوّر له فيه، وصعّد روحه، ولقّنه حجّته، واجعل ما عندك خيرا له، وارجعه إلى خير ممّا كان فيه، اللّهمّ عندك نحتسبه فلا تحرمنا أجره ولا تفتنّا بعده، اللّهمّ عفوك، اللّهمّ عفوك، [تقول هذا كلّه في التكبيرة الأولى، ثمّ تكبّر الثانية و تقول : اللهمّ عبدك فلان، اللهمّ ألحِقه نبيّه محمّد صلى الله عليه و آله ، وَ افسح له في قبره، و نوّر له فيه، و روحه، ولقِّنه حجّته، وَاجعل ما عندك خيرا له، و ارجعه إلى خير ممّا كان فيه، اللهمّ عندك نحتسبه، فلا تحرِمنا أجره، ولاتفتنا بعده، اللهمّ عفوك، اللهمّ عفوك.]تقول هذا في الثانية والثالثة والرابعة، فإذا كبّرت الخامسة فقل: اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، اللّهمّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات وألّف ۱۵ بين قلوبهم وتوفّني على ملّة رسولك، اللّهمّ اغفر لنا ولإخواننا الّذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلّاً للّذين آمنوا، ربّنا إنّك رؤوف رحيم، اللّهمّ عفوك، اللّهمّ عفوك؛ وتسلّم» . ۱۶
وعن أبي ولاّد، قال : سألت أبا عبد اللّه صلى الله عليه و آله وسلم عن التكبير على الميّت، فقال : «خمس تكبيرات، تقول إذا كبّرت: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وحده لا شريك له، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، ثمّ تقول : اللّهمّ إنّ هذا المسجّى قدّامنا عبدك [و] ابن عبدك، وقد قبضت إليك روحه، ۱۷ وقد احتاج إلى رحمتك وأنت غنيّ عن عذابه، اللّهمّ ولا نعلم من ظاهره إلّا خيرا وأنت أعلم بسريرته، اللّهمّ إن كان محسناً فضاعف له إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن إساءته، ثمّ تكبّر الثانية، ثمّ تفعل ذلك في كلّ تكبيرة». ۱۸
قوله في خبر يونس: (ارفع يدك في كلّ تكبيرة) . [ح 5 / 4509] يدلّ على رجحان رفع اليدين في التكبيرات الخمس أجمع.
ومثله صحيحة عبد الرحمان العزرمي، قال : صلّيت خلف أبي عبد اللّه عليه السلام على جنازة، فكبّر خمساً يرفع يده فيكلّ تكبيرة.
ورواية محمّد بن خالد مولى بني الصيداء: أنّه صلّى خلف جعفر بن محمّد على جنازة، فرآه يرفع يديه في كلّ تكبيرة. ۱۹
وما رُوي في المنتهى ۲۰ من طرق العامّة عن ابن عمر، قال : كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله يرفع يديه في كلّ تكبيرة. ۲۱ وأنّ ابن عمر وأنساً كانا يفعلان ذلك . ۲۲
وإليه ذهب الشيخ في كتابي الأخبار ۲۳ وتبعه المتأخّرون، ۲۴ وعدّه العلّامة في المنتهى أقوى، ۲۵ وهو محكي عن الشافعي ۲۶ وإحدى الروايتين عن مالك، ۲۷ وخصّ السيّد في الناصريات استحبابه بالتكبيرة الاُولى حيث قال : «يرفع يديه في الاُولى منها». ۲۸ ونسبه إلى أبي حنيفة وأصحابه وابن حيّ والثوري، ۲۹ وفي رواية اُخرى عن مالك، ۳۰ وهو مذهب الشيخ في المبسوط والنهاية. ۳۱
ويدلّ عليه خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، أنّه كان لا يرفع يده في الجنازة إلّا مرّة واحدة، يعني بالتكبير. ۳۲
وخبر إسماعيل بن أبان الورّاق، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام قال : «كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يرفع يديه في أوّل التكبير على الجنازة، ثمّ لا يعود حتّى ينصرف». ۳۳
وحملا في المشهور على التقيّة، مع ضعفهما بوجود غياث في الأوّل، ۳۴ وسلمة بن الخطّاب في الثاني، ۳۵ ولا يبعد القول بتأكّد الاستحباب في الاُولى وعدم تأكّده في البواقي .
وفي المنتهى: «الرفع مستحبّ فجاز تركه في بعض الأوقات؛ لئلا يوهم المداومة عليه الوجوب». ۳۶
وحكى والدي طاب ثراه عن الآبي أنّه قال :
لم يذكر في الحديث رفع الأيدي مع التكبير. واختلف فيه قول مالك، هل يرفع في الجميع أو يدع في الجميع أو يرفع في الاُولى خاصّة؟ وفيه قول رابع يرفع في الاُولى ويتخيّر في غيرها .
1.شرائع الإسلام، ج ۱، ص ۸۱ .
2.مدارك الأحكام، ج ۴، ص ۱۶۷.
3.هو الحديث الأوّل من ذلك الباب؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۸۸ ، ح ۳۰۹۷ .
4.اُنظر: الهداية، ص ۱۶۶، باب المواطن التي ليس فيها دعاء مؤقّت؛ مفتاح الكرامة، ج ۴، ص ۱۷۵ ۱۷۶.
5.تذكرة الفقهاء، ج ۲، ص ۷۱ ۷۲، المسألة ۲۱۶؛ نهاية الإحكام، ج ۲، ص ۲۶۳، مختلف الشيعة، ج ۲، ص ۲۹۴ ۲۹۵.
6.هو الحديث ۳ من ذلك الباب . تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۱۸۹ ۱۹۰، ح ۴۳۱ ؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۶۰ ۶۱، ح ۳۰۲۱ .
7.وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۶۴ ۶۵، ح ۳۰۲۹ .
8.المقنع، ص ۲۰.
9.لم أعثر عليه.
10.المقنعة، ص ۲۲۷؛ النهاية، ص ۱۴۵، المبسوط، ج ۱، ص ۱۸۴ ـ ۱۸۵، التبيان، ج ۵ ، ص ۲۷۲؛ الخلاف، ج ۱، ص ۷۲۴، المسألة ۵۴۳ .
11.راجع: المراسم، ص ۷۸ ۷۹، الغنية، ص ۱۰۳، الوسيلة، ص ۱۱۹، جامع الخلاف و الوفاق، ص ۱۱۲.
12.السرائر، ج ۱، ص ۳۵۹ .
13.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۱۸۹، ح ۴۲۹ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۷۶ ۴۷۷، ح ۱۸۴۳؛ الكافي ، ج ۳، ص ۱۸۵، باب أنّه ليس في الصلاة دعاء مؤقّت، و أنّه ليس فيها تسليم، ح ۱؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۸۸ ، ح ۳۰۹۷ .
14.الذكرى، ج ۱، ص ۴۳۲ ۴۳۳.
15.في المصدر: «اللّهمّ ألِّف».
16.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۳۳۰ ۳۳۱ ، ح ۱۰۴۳؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۶۵ ۶۶، ح ۳۰۳۱ . و ما بين الحاصرتين منهما.
17.في المصدر: «روحه إليك».
18.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۱۹۱ ۱۹۲، ح ۴۳۶ ؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۶۲ ۶۳، ح ۳۰۲۵ .
19.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۱۹۴ ۱۹۵، ح ۴۴۵ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۷۸، ح ۱۸۵۱؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۹۲، ح ۳۰۱۹ .
20.منتهى المطلب، ج ۱، ص ۴۵۵ (ط قديم) . و حكاه أيضا في تذكرة الفقهاء، ج ۲، ص ۷۸.
21.المغني لابن قد امة، ج ۲، ص ۳۷۳ ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج ۲، ص ۳۴۹ . و رواه الدارقطني في سننه، ج ۲، ص ۶۲، ج ۱۸۱۳ ، بإسناده عن أبي هريرة.
22.المصنّف لابن أبي شيبه، ج ۳ ، ص ۱۸۰ و ۱۸۱، الباب ۸۵ من كتاب الجنائز، ح ۱ و ۹؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۴، ص ۴۴ ؛ المجموع للنووي، ج ۵ ، ص ۲۲۹، المغني، ج ۲، ص ۳۷۳ ؛ الشرح الكبير، ج ۲، ص ۳۴۹ ؛ فتح الباري، ج ۳ ، ص ۱۵۳؛ الدراية، ج ۱، ص ۲۳۶؛ تعليق التعليق، ج ۲، ص ۴۸۰ ؛ عمدة القاري، ج ۲، ص ۱۲۴.
23.الاستبصار، ج ۱، ص ۴۷۸ ۴۷۹، الباب ۲۹۶: رفع اليدين في كلّ تكبيرة، ح ۱۸۵۰ وما بعده ؛ تهذيب الأحكام ، ج ۳ ، ص ۱۹۴ ، ذيل ح ۴۴۴.
24.اُنظر: الوسيلة، ص ۱۲۰؛ إشارة السبق، ص ۱۰۴؛ المعتبر، ج ۲، ص ۳۵۵ ۳۵۶ ؛ كشف الرموز ، ج ۱، ص ۱۹۳؛ مدارك الأحكام، ج ۴، ص ۱۷۸؛ الكافي في الفقه، ص ۱۵۷؛ المهذّب، ج ۱، ص ۱۳۰.
25.منتهى المطلب، ج ۱، ص ۴۵۵ (ط قديم) . و مثله في مختلف الشيعة، ج ۲، ص ۲۹۳.
26.كتاب الاُمّ، ج ۱، ص ۱۲۷، و ص ۳۲۳ . المجموع للنووي، ج ۵ ، ص ۲۳۲؛ المغني، ج ۲، ص ۳۷۳ ؛ عمدة القاري، ج ۸ ، ص ۱۲۳؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج ۲، ص ۲۳۹.
27.المجموع للنووي، ج ۵ ، ص ۲۳۲.
28.الناصريّات، ص ۲۶۸.
29.المجموع للنووي، ج ۵ ، ص ۲۳۲؛ المغني، ج ۲، ص ۳۷۳ ؛ عمدة القاري، ج ۸ ، ص ۱۲۳.
30.المجموع للنووي، ج ۵ ، ص ۲۳۲؛ المدوّنة الكبرى، ج ۱، ص ۱۷۶؛ المغني، ج ۲، ص ۳۷۳ ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج ۲، ص ۲۳۹.
31.المبسوط، ج ۱، ص ۱۸۴؛ النهاية، ص ۱۴۴.
32.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۱۹۴، ح ۴۴۳ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۷۹، ح ۱۸۵۴؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۹۳، ح ۳۱۱۲ . و فيهما «في التكبير» بدل : «بالتكبير».
33.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۱۹۴، ح ۴۴۴ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۷۹، ح ۱۸۵۳؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۹۳ ۹۴، ح ۳۱۱۳ .
34.وثّقه النجاشي في رجاله، ص ۳۰۵ ، الرق۲م ۸۳۳ ؛ والعلّامة في خلاصة الأقوال، ص ۳۸۵ ، إلّا أن طريق الشيخ إليه ضعيف. اُنظر ترجمة غياث بن إبراهيم من معجم رجال الحديث.
35.اُنظر: رجال النجاشي، ص ۱۸۷، الرقم ۴۹۸ ؛ رجال ابن الغضائري، ص ۶۶، الرقم ۶۴؛ خلاصة الأقوال، ص ۳۵۴ ؛ رجال ابن داود الحلّي ، ص ۲۴۸، الرقم ۲۱۸.
36.منتهى المطلب، ج ۱، ص ۴۵۵ (ط قديم) .