باب أنّه ليس في الصلاة دعاء مؤقّت وأنّه ليس فيها تسليم
النفي في قوله : «ليس في الصلاة دعاء مؤقّت» متوجّه إلى القيد، والغرض نفي تعيّن الدعاء وذلك، لا ينافي وجوبه على الإطلاق، وقد سبق القول فيه.
وهل تجوز القراءة مقامه؟ الظاهر ذلك؛ لأصالة الجواز، وعدم دليل صالح على المنع عنها، ولما رواه عليّ بن سويد، عن الرضا عليه السلام . قال فيما أعلم: قال الرضا عليه السلام في الصلاة على الجنائز: ۱ «تقرأ في الاُولى اُمّ الكتاب، وفي الثانية تصلّى على النبيّ صلى الله عليه و آله ، وتدعو في الثالثة للمؤمنين والمؤمنات، وتدعو في الرابعة لميّتك، والخامسة تنصرف بها». ۲
وقد رواه عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام أيضاً مثله. ۳
وما رواه الشهيد في الذكرى عن عبد اللّه بن ميمون القدّاح، عن الصادق، عن أبيه، عن عليّ عليه السلام : «كان إذا صلّى على ميّت يقرأ بفاتحة الكتاب ويصلّي [على النبيّ و آله]». ۴
ولا ينافي ذلك نفي القراءة في بعض ما سبق من الأخبار؛ لأنّ الظاهر منه نفي وجوبها، ثمّ إنّها ليست واجبة عند الأصحاب أجمع ۵ وأبي حنيفة ومالك والثوري والأوزاعي وجماعة اُخرى من العامّة؛ ۶ على ما حكى عنهم في الخلاف ۷ والمنتهى. ۸
ونقل في الخلاف وجوبها واشتراطها في صحّة الصلاة عن العبادلة ۹ والشافعي وأحمد، ۱۰ محتجّين بخبر جابر بن عبد اللّه : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كبّر على الميّت أربعاً، وقرأ بعد التكبيرة باُمّ القرآن. ۱۱
وبقوله صلى الله عليه و آله : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب». ۱۲
وبأنّها صلاة تجب فيها القيام فوجب القراءة أيضاً كسائر الصلوات. ۱۳
وفيه : أنّ الخبر الأوّل لو صحّ فإنّما يدلّ على الجواز، بل هو أظهر للجمع بينه وبين ما رواه عن ابن مسعود، قال : «لم يوقّت لنا رسول اللّه صلى الله عليه و آله في صلاة الجنازة قولاً ولا قراءة، اختر من طيّب القول ما شئت». ۱۴
والخبر الثاني مخصوص بغير صلاة الجنازة، للجمع، ودفع الأخير واضح. ۱۵
وهل تكره؟ الظاهر لا؛ لما ذكر.
ورجّحه الشهيد في الذكرى معلّلاً؛ «بأنّ القرآن في نفسه حسن ما لم يثبت النهي عنه، والأخبار خالية عنه وغايتها النفي، وكذا كلام الأصحاب». ۱۶
وصرّح الشيخ في الخلاف بكراهتها محتجّاً بإجماع الفرقة وأخبارهم، ونسبها إلى أبي حنيفة وأضرابه. ۱۷
وأنت خبير بأنّ الأخبار لا تدلّ على النهي عنها، بل إنّما تدلّ على نفي وجوبها كما عرفت.
وفي الذكرى: «ونحن لم نر أحدا ذكر الكراهة فضلاً عن الإجماع عليها». ۱۸
ولقد بالغ في التهذيب وقال بحرمتها، حيث حمل ما تقدّم من الخبرين على الوهم من الراوي، وأيّده بأنّ الراوي في الخبر الأوّل لم يكن متيقّناً في نقله عن الرضا عليه السلام ، بل كان شاكّاً، وما يكون الراوي شاكّاً فيمن يخبر عنه يجوز أن يكون قد وهم في قوله يقرأ باُمّ الكتاب، ثمّ حمله على التقيّة، ۱۹ فتأمّل.
وأمّا التسليم ، فقد نفاه العلّامة في المنتهى مدّعياً عليه إجماع علمائنا، ۲۰ وحكاه عن النخعي، وحكى عن أكثر الجمهور مشروعيّته، ۲۱ ويفهم منه أنّه أراد بنفيه نفي مشروعيّته لا نفي وجوبه فقط.
واحتجّوا عليه بما رواه المصنّف في الباب، وما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي وزرارة، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلامقالا : «ليس في الصلاة على الميّت تسليم». ۲۲
وعن إسماعيل بن سعد الأشعري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : سألته عن الصلاة على الميّت، فقال : أمّا المؤمن فخمس تكبيرات، وأمّا المنافق فأربع، ولا سلام فيها. ۲۳
واحتجّ عليه في الانتصار بإجماع الطائفة، وبأنّ صلاة الجنازة مبنيّة على التخفيف؛ لأنّه قد حذف منها الركوع والسجود وهما أوكد من التسليم، فغير منكر أن يحذف التسليم. ۲۴
وأنت خبير بأنّ هذه الأدلّة إنّما تدلّ على نفي وجوبه لا على عدم مشروعيّته.
وإجماع الأصحاب أيضاً إنّما انعقد عليه على ما حكاه في الذكرى عن ابن أبي عقيل أنّه قال : «أمّا شرعيّة التسليم استحباباً أو جوازا، فالكلام فيه كالقراءة؛ إذ الإجماع المعلوم فيه إنّما هو على عدم وجوبه». ۲۵
وقال الشهيد في الذكرى: «أجمع الأصحاب على سقوط التسليم فيها». ۲۶ وهو أيضاً ظاهر في أنّ المجمع عليه هو نفي الوجوب كما لا يخفى.
وقد صرّح بعض الأصحاب بجوازه، فقد قال ابن الجنيد على ما حكى عنه في الذكرى ـ : «لا أستحبّ التسليم فيها، فإن سلّم الإمام فواحدة عن يمينه». ۲۷
وهذا يدلّ على شرعيّته، فالقول بجوازه أظهر؛ للأصل، وعدم دليل يعتدّ به على المنع، بل لايبعد القول باستحبابه؛ للجمع بين ما ذكر، وبين قوله عليه السلام : «وتسلّم» وقوله عليه السلام : «فإذا فرغت [منها] سلّمت عن يمينك» فيما تقدّم من موثّقة عمّار، ۲۸ ومضمرة سماعة، ۲۹ وقوله عليه السلام : «والخامسة يسلّم» في خبر المنقري، ۳۰ وقد تقدّم أيضاً.
ويؤيّدها ما رواه المصنّف في باب جنائز الرجال والنساء والأحرار والعبيد في موثّق عمّار من قوله: «وسئل عن ميّت صلّي عليه، فلمّا سلّم الإمام فإذا الميّت مقلوب». ۳۱
وعلى المشهور حملت هذه على التقيّة.
وذكر الشيخ في الخلاف أنّ جميع الفقهاء من العامّة اتّفقوا على مشروعيّته، وأنّهم إنّما اختلفوا في وجوبه واستحبابه، وأنّ كيفيّة التسليم عندهم ككيفيّته في باقي الصلوات. ۳۲
وفي الانتصار:
أنّ أبا حنيفة وأصحابه يذهبون إلى أنّه تسليم عن يمينه وعن يساره. ۳۳ قال مالك: يسلّم الإمام واحدة ويُسمع من يليه، ويُسلّم مَن وراءه واحدة في أنفسهم، وإن أسمعوا من يليهم فلا بأس. ۳۴ وقال الثوري: يسلّم عن يمينه تسليمة خفيفة. ۳۵ وقال ابن حيّ: ۳۶ يسلّم عن يمينه وعن شماله بخفية ولا يجهر به ۳۷ وقال الشافعي مثل قول ابن حيّ في العدد والمنع من الجهر ۳۸ . ۳۹
1.في المصدر: «عن الرضا عليه السلام فيما يعلم قال في الصلاة على الجنائز».
2.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۱۹۳، ح ۴۴۰ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۷۷، ح ۱۸۴۴؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۶۴، ح ۳۰۲۸ .
3.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۱۹۳، ح ۴۴۱.
4.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۳۱۹ ؛ ح ۹۸۸؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۷۷، ح ۱۸۴۵؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۸۹ ، ح ۳۱۰۰ .
5.اُنظر : مفتاح الكرامة، ج ۴، ص ۱۹۲.
6.المغني لابن قدامة، ج ۲، ص ۳۷۰ ؛ بداية المجتهد، ج ۱، ص ۱۸۸؛ عمدة القاري، ج ۸ ، ص ۱۳۹؛ فتح الباري، ج ۳ ، ص ۴۶۳ ؛ الجوهر النقي، ج ۴، ص ۳۹ ، عون المعبود، ج ۸ ، ص ۳۴۴ ؛ المجموع للنووي، ج ۵ ، ص ۲۴۲.
7.الخلاف، ج ۱، ص ۷۲۳، ذيل المسألة ۵۴۱ .
8.منتهى المطلب، ج ۱، ص ۵۴۲ (ط قديم) .
9.في هامش الأصل: «عبداللّه بن عمر و عبداللّه بن عبّاس و عبداللّه بن مسعود و عبداللّه بن الزبير . منه».
10.راجع: السنن الكبرى للبيهقي، ج ۴، ص ۳۹ ؛ المغني، ج ۲، ص ۳۷۰ ؛ بداية المجتهد، ج ۱، ص ۱۸۸، عمدة القاري، ج ۸ ، ص ۱۳۹؛ المبسوط للسرخسي، ج ۲، ص ۶۴؛ المجموع للنووي، ج ۵ ، ص ۲۴۲؛ فتح الباري، ج ۳ ، ص ۱۶۳؛ عون المعبود، ج ۸ ، ص ۳۴۴ ؛ الجوهر النقي، ج ۴، ص ۳۹ ، سنن الترمذي، ج ۱، ص ۱۹۶۱۹۵، ذيل ح ۳۱۱ .
11.السنن الكبرى للبيهقي، ج ۴، ص ۳۹ ؛ معرفة السنن والآثار، ج ۳ ، ص ۱۶۸، ح ۲۱۴۸.
12.للحديث بهذا اللفظ و بألفاظ اُخرى مثل «لاصلاة لمن لا يقرأ بفاتحة الكتاب» مصادر عديدة، منها: مسند أحمد، ج ۵ ، ص ۳۱۴ ؛ سنن الدارمي، ج ۱، ص ۲۸۳؛ صحيح البخاري، ج ۱، ص ۱۸۴ و ۱۸۵؛ و ج ۸ ، ص ۲۱۱؛ صحيح مسلم، ج ۲، ص ۹ و ۱۰؛ سنن ابن ماجة، ج ۱، ص ۲۷۴، ح ۸۴۱ ؛ سنن أبي داود، ج ۱، ص ۱۸۹، ح ۸۲۱ ؛ سنن الترمذي، ج ۱، ص ۱۵۶، ح ۲۴۷؛ سنن النسائي، ج ۲، ص ۱۳۷ ۱۳۸؛ السنن الكبرى له أيضا، ج ۱، ص ۳۱۶ ۳۱۷ ، ح ۹۸۲ ۹۸۳؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۲، ص ۳۷ .
13.اُنظر : المجموع، ج ۵ ، ص ۲۳۲.
14.مجمع الزوائد، ج ۳ ، ص ۳۲ ، بدائع الصنائع، ج ۱، ص ۳۱۳ ؛ تحفة الفقهاء، ج ۱، ص ۲۵۰، المبسوط للسرخسي، ج ۲، ص ۶۴؛ عون المعبود، ج ۸ ، ص ۳۵۲ .
15.فإنّه قياس باطل.
16.الذكرى، ج ۱، ص ۴۴۲.
17.الخلاف، ج ۱، ص ۷۲۳، المسألة ۷۴۲.
18.الذكرى، ج ۱، ص ۴۴۲.
19.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۱۹۳، ذيل ح ۴۴۰ و ۴۴۱.
20.منتهى المطلب، ج ۱، ص ۴۵۳ (ط قديم) . و مثله في تذكرة الفقهاء، ج ۲، ص ۷۵، المسألة ۲۱۹ ، و لم ينسبه إلى التحقيق.
21.اُنظر: المغني لابن قدامة، ج ۲، ص ۳۷۳ ؛ المجموع للنووي، ج ۵ ، ص ۲۳۹، الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج ۲، ص ۳۴۹ ، المستدرك للحاكم ، ج ۱، ص ۳۶۰ .
22.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۱۹۲، ح ۴۳۸ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۷۷، ح ۱۸۴۷؛ فانّه رواه من طريق الكليني، والحديث هو الحديث ۳ من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۱۹۱، ح ۳۰۱۵ .
23.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۱۹۲ ۱۹۳، ح ۴۳۹ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۷۷ ۴۷۸، ح ۱۸۴۸؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۷۴، ح ۳۰۵۰ .
24.الانتصار، ص ۱۷۷.
25.الذكرى، ج ۱، ص ۴۴۴، و الكلام للشهيد نفسه ، لاعن ابن أبي عقيل.
26.الذكرى، ج ۱، ص ۴۴۲.
27.الذكرى، ج ۱، ص ۴۴۳. وحكاه عنه أيضا العلّامة في مختلف الشيعة، ج ۲، ص ۲۹۸.
28.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۳۳۱ ، ح ۱۰۳۴؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۶۵ ـ ۶۶، ح ۳۰۳۱ .
29.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۱۹۱، ح ۴۳۵ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۷۸، ح ۱۸۴۹؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۶۴، ح ۳۰۲۶ .
30.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۳۱۸ ۳۱۹ ، ح ۹۸۷؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۶۵، ح ۳۰۳۰ ، والمنقري رواه عن يونس، عن أبي عبداللّه عليه السلام .
31.هو الحديث ۲ من ذلك الباب. و رواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۳۲۲ ۳۲۳ ، ح ۱۰۰۴؛ و الاستبصار، ج ۱، ص ۴۸۲ ۴۸۳، ح ۱۸۷۰ . وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۱۰۷، ح ۱۳۵۱.
32.الخلاف، ج ۱، ص ۷۲۴، المسألة ۵۴۴ . و انظر: المجموع للنووي، ج ۵ ، ص ۲۳۹؛ المغني، ج ۲، ص ۳۷۳ ؛ الشرح الكبير، ج ۲، ص ۳۴۹ ؛ بداية المجتهد، ج ۱، ص ۱۸۹؛ تلخيص الحبير، ج ۵ ، ص ۱۸۶؛ عمدة القاري، ج ۸ ، ص ۱۲۳؛ عون المعبود، ج ۸ ، ص ۳۵۹ .
33.المجموع للنووي، ج ۵ ، ص ۲۴۳ ۲۴۴؛ عمدة القاري، ج ۸ ، ص ۱۲۳؛ تحفة الفقهاء، ج ۱، ص ۲۴۹؛ بداية المجتهد، ج ۱، ص ۱۸۹؛ الاستذكار، ج ۳ ، ص ۵۱ .
34.الثمرالداني، ص ۲۷۹؛ الاستذكار، ج ۳ ، ص ۵۱ .
35.المجموع للنووي، ج ۵ ، ص ۲۴۴؛ المغني لابن قدامة، ج ۲، ص ۳۷۳ ؛ الاستذكار، ج ۳ ، ص ۵۱ .
36.في الأصل: «ابن حسن»، و التصويب من المصدر، و كذا المورد التالي.
37.الاستذكار، ج ۳ ، ص ۵۱ .
38.اُنظر: مختصر المزني، ص ۳۸ ؛ المجموع للنووي، ج ۵ ، ص ۲۴۳ ۲۴۴، فتح العزيز، ج ۵ ، ص ۱۸۲؛ بداية المجتهد، ج ۱، ص ۱۸۹؛ الاستذكار، ج ۳ ، ص ۵۱ .
39.الانتصار، ص ۱۷۶.