باب من زاد على خمس تكبيرات
قال العلّامة في المختلف: «المشهور كراهة تكرار الصلاة على الميّت»، ۱ وخصّها ابن إدريس بالصلاة جماعة، ۲ وقيّدها الشيخ في الخلاف بمن صلّى عليه. ۳
والظاهر عدم الكراهة للإمام؛ لما ثبت من تكرير النبيّ صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام الصلاة على حمزة وعلى سهل بن حنيف، ودلّ عليه أخبار الباب. ۴ ولا لمن لم يصلّ عليه؛ لما ثبت من تكرير الصحابة الصلاة على النبيّ صلى الله عليه و آله واحدا بعد واحد. ۵ وما رواه الشيخ عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله خرج في جنازة امرأة من بني النجار، فصلّى عليها فوجد الحَفَرَة لم يمكّنوا، فوضعوا الجنازة، فلم يجيء قوم إلّا قال لهم: صلّوا عليها». ۶
وفي الموثّق عن عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «الميّت يصلّى عليه ما لم يوار بالتراب وإن كان قد صلّى عليه». ۷
وفي الموثّق عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : سألته عن الجنازة لم أدركها للصلاة حتّى بلغت القبر، قال : «إن أدركتها قبل أن تُدفن، فإن شئت فصلّ عليها». ۸
والأكثر إنّما قالوا بالكراهة؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما رواه إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى على جنازة، فلمّا فرغ جاء قوم فقالوا: فاتتنا الصلاة عليها، فقال صلى الله عليه و آله : إنّ الجنازة لا تصلّى عليها مرّتين، ادعوا له وقولوا خيرا». ۹
ووهب بن وهب، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام : «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلّى على جنازة، فلمّا فرغ جاءه ناس فقالوا: لم ندرك الصلاة عليها، فقال : لا تصلّى على جنازة مرّتين، ولكن ادعوا له» . ۱۰
والأظهر الجمع بعدم تأكّد الاستحباب، كما يشعر به قوله عليه السلام : «فإن شئت فصلّ عليها» في موثّق يونس بن يعقوب المتقدّم.
هذا، والظاهر في المكررة نيّة الندب؛ لسقوط الفرض بالاُولى.
وفي المدارك: «وجوّز المحقّق الشيخ عليّ إيقاعها بنيّة الوجوب اعتبارا بأصل الفعل، ۱۱ ولا وجه له». ۱۲
وهل يجب الصلاة على من دُفن بغير صلاة؟ الظاهر ذلك، وبه صرّح العلّامة في المختلف؛ ۱۳ للروايات الدالّة على وجوب الصلاة على الميّت مطلقاً من غير تقييد بما قبل الدفن، كقوله صلى الله عليه و آله : «لا تَدَعُوا أحدا من اُمّتي بلا صلاة»، ۱۴ وقوله عليه السلام : «صلّ على من مات من أهل القبلة وحسابه على اللّه »، ۱۵ وغيرهما.
ويؤيّدها صحيحة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يصلّي الرجل على الميّت بعدما يدفن». ۱۶
وخبر مالك مولى الجهم، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إذا فاتتك الصلاة على الميّت حتّى يدفن فلا بأس بالصلاة عليه وقد دفن»، ۱۷ وقريب منهما خبر اُخرى. ۱۸
وما رواه مسلم عن ابن نمير، قال : انتهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى قبر رطب، فصلّى عليه وصلّوا خلفه وكبّر أربعاً. ۱۹ وله في ذلك روايات اُخرى.
وهو المشهور بين الأصحاب منهم العلّامة في المختلف، ۲۰ ولكن اختلفوا في تحديده، فذهب الأكثر إلى يوم وليلة، وقالوا بعدم جوازها بعده، ۲۱ وعن سلّار: «أنّه يصلّى عليه إلى ثلاثة أيّام»، ۲۲ وعن ابن الجنيد: «أنّه يصلّى عليه ما لم يتغيّر صورته»، ۲۳ ولم أجد مستندا لهذه التقديرات، وأطلقها الصدوق من غير تقدير وقت، ۲۴ وهو أظهر.
وقال المحقّق الأردبيلي: «والّذي يقتضيه النظر وجوب الصلاة [على قبر ميّت لم يصلّ عليه] ما دام الميّت باقياً ويصدق عليه الميّت، بحيث لو كان على تلك الحالة خارجاً عن القبر يصلّى عليه». ۲۵
وفي المنتهى: «الأقوى عندي أنّها بعد الدفن ليست بواجبة؛ لأنّه بدفنه خرج عن أهل الدنيا، فساوى البالي في قبره». ۲۶
وظاهره جوازها كما هو مذهب المحقّق في المعتبر، حيث جزم فيه بعدم وجوب الصلاة بعد الدفن وقال : «ولا أمنع الجواز» ۲۷ محتجّاً عليهما بما ذكر من دليل المنع والجواز، وهو ظاهر الشيخين ۲۸ وابن إدريس ۲۹
حيث عبّروا بالجواز وكأنّهم قالوا بذلك للجمع بين ما ذكر وبين ما يرويه المصنّف قدّس سرّه في باب من يموت في السفينة في الموثّق عن عمّار بن موسى، قال : قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام : ما تقول في قوم كانوا في سفر، فهم يمشون على ساحل البحر فإذا هم برجلٍ ميّتٍ عريان قد لفظه البحر، وهم عراة ليس معهم إزار، كيف يصلّون عليه وهو عريان وليس معهم فضل ثوب يلفّونه فيه؟ قال : «يحفر له ويوضع في لحده، ويوضع اللبن على عورته لستر عورته باللبن، ثمّ يصلّى عليه، ثمّ يُدفن». قال : قلت: فلا يصلّى عليه إذا دفن؟ قال : «لا، لا يصلّى على الميّت بعدما يدفن، ولا تصلّي عليه وهو عريان حتّى تواري عورته». ۳۰
قال طاب ثراه:
ومثله رواية محمّد بن أسلم أو مسلم ۳۱ عن رجل من أهل الجزيرة، عن الرضا عليه السلام قال : «لا يصلّون عليه وهو مدفون». ۳۲
ورواية محمّد بن مسلم أو زرارة، قال : «الصلاة على الميّت بعد ما يدفن إنّما هو الدعاء». قال : قلت: والنجاشي لم يصلّ عليه النبيّ صلى الله عليه و آله فقال : «لا، إنّما دعا له». ۳۳
وبالجملة، فلم أجد تصريحاً بعدم الجواز على من لم يصلّ عليه قبل الدفن من أحد، بل ظاهر الأكثر جوازها لمن لم يصلّ على الميّت وإن كان الميّت قد صُلّي عليه قبل الدفن.
نعم، منع في المختلف جوازها على من صلّى عليه قبل الدفن، ۳۴ والأظهر والأحوط هو الأوّل؛ لأنّ عمّارا مع عدم صحّته ما كان ضابطاً، فلا يعتمد على ما تفرّد بروايته لاسيّما مع معارضته لغيره.
على أنّه قابل للتأويل بإرادة عدم جواز الصلاة عليه بعد الدفن فيما إذا أمكن الصلاة عليه قبله بستر العورة باللبن، بل هو ظاهر الخبر، ورواية ابن أسلم ضعيفة باشتراكه بين الغالي والمجهول، ۳۵ وبالإرسال.
وأمّا خبر محمّد بن مسلم فالترديد بينه وبين زرارة ممّا يوجب القدح فيه؛ لأنّه مناف للضبط وموجب لضعف الخبر، وقطعه أيضاً موجب لعدم الاعتماد عليه ، مع أنّه معارض بما هو ظاهر في أنّه عليه السلام صلّى على النجاشي الصلاة المتعارفة على الموتي.
واحتمل المحقّق الأردبيلي قدّس سرّه حمل النهي في هذه الأخبار على الكراهة بالمعنى المشهور، يعني في العبادات، بمعنى أقلّ ثواباً، وقال : «فلا يدلّ على نفي الوجوب أيضاً». واحتمل أيضاً اختصاصه بمن صلّى عليه ثمّ قال : «وبالجملة، شغل الذمّة ظاهر ، والخروج عن العهدة والبراءة غير ظاهر، والاحتياط يقتضي الوجوب». ۳۶
وقال طاب ثراه:
واختلف علماء العامّة فيه، فقال محي الدين البغوي: إن دفن الميّت بغير صلاة فالمشهور أنّه يصلّى عليه، وأمّا الصلاة على قبر من صلّي عليه فالمشهور أنّه لا يصلّى عليه، وبه قال أبو حنيفة، قال : إلّا أن يكون وليّ الميّت. وعن مالك أيضاً والشافعي جوازه، كذا نقل عنه الآبي في كتاب إكمال الإكمال . ۳۷
1.مختلف الشيعة، ج ۲، ص ۳۰۱ . و كلامي ابن إدريس و الشيخ أيضا مذكورتان فيه.
2.السرائر، ج ۱، ص ۳۶۰ .
3.الخلاف، ج ۱، ص ۷۲۶، المسألة ۵۴۸ .
4.راجع : وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۸۰ ۸۱ ، ح ۳۰۷۳ و ۳۰۷۵ و ۳۰۷۷ ۳۰۷۹ .
5.وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۸۰ ۸۱ ، ح ۳۰۷۴ .
6.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۳۲۵ ، ح ۱۰۱۲؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۸۴، ح ۱۸۷۷؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۸۷ ، ح ۳۰۹۴ .
7.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۳۳۴ ، ح ۱۰۴۵؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۸۴، ح ۱۸۷۴؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۸۶ ، ح ۳۰۹۰ .
8.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۳۳۴ ، ح ۱۰۴۶؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۸۴، ح ۱۸۷۵؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۸۶ ، ح ۳۰۹۲ .
9.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۳۲۴ ، ح ۱۰۱۰؛ الاستبصار، ج ۵ ، ص ۴۸۴ ۴۸۵، ح ۱۸۷۸؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۸۷ ، ح ۳۰۹۵ .
10.تهذيب الأحكام ، ج ۱ ، ص ۴۶۸ ، ح ۱۵۳۴ ؛ و ج ۳ ، ص ۳۳۲ ، ح ۱۰۴۰ ؛ الاستبصار ، ج ۱ ، ص ۴۸۵ ، ح ۱۸۷۹ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۳ ، ص ۸۷ ۸۸ ، ح ۳۰۹۶ .
11.جامع المقاصد، ج ۱، ص ۴۲۹.
12.مدارك الأحكام، ج ۴، ص ۱۸۶.
13.مختلف الشيعة، ج ۲، ص ۳۰۵ ۳۰۶ .
14.الفقيه، ج ۱، ص ۱۶۶، ح ۴۸۰ ؛ تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۳۲۸ ، ح ۱۰۲۶؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۶۸ ۴۶۹، ح ۱۸۱۰؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۱۳۳، ح ۳۲۱۳ .
15.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۳۲۸ ، ح ۱۰۲۵؛ الأمالي للصدوق، ص ۲۱۷، المجلس ۳۹ ، ح ۲؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۶۸، ح ۱۸۰۹؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۱۳۳، ح ۳۲۱۲ .
16.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۴۶۷، ح ۱۵۳۰؛ و ج ۳ ، ص ۲۰۰، ح ۴۶۶ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۸۲، ح ۱۸۶۶؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۱۰۴، ح ۳۱۴۱ .
17.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۲۰۱، ح ۴۶۷ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۸۲، ح ۱۸۶۷؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۱۰۴، ح ۳۱۴۲ . و روى نحوه الصدوق في الفقيه، ج ۱، ص ۱۶۶، ح ۴۷۵.
18.نفس المصادر المتقدّمة ، الحديث التالي من الأرقام المذكورة .
19.صحيح مسلم، ج ۳ ، ص ۵۵ . و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج ۴، ص ۴۵.
20.تقدّم أنفا.
21.اُنظر: المقنعة، ص ۲۳۱؛ المهذّب، ج ۱، ص ۱۳۲، الوسيلة، ص ۱۲۰، إشارة السبق، ص ۱۰۵؛ البيان، ص ۲۹ (ط قديم)، الدروس، ج ۱، ص ۱۱۲، درس ۱۳، مدارك الأحكام، ج ۴، ص ۱۸۸.
22.المراسم، ص ۷۹ ۸۰ .
23.حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج ۲، ص ۳۰۵؛ و السيّد محمّد العاملي فى مدارك الأحكام، ج ۴، ص ۱۸۷.
24.نفس المصدرين المتقدّمين.
25.مجمع الفائدة والبرهان، ج ۲، ص ۴۵۰.
26.منتهى المطلب، ج ۱، ص ۴۵۰ (ط قديم) .
27.المعتبر، ج ۲، ص ۳۵۸ .
28.المقنعة، ص ۲۲۹؛ المبسوط، ج ۱، ص ۱۸۵.
29.السرائر، ج ۱، ص ۳۶۰ .
30.هو الحديث ۴ من ذلك الباب، و رواه الصدوق في الفقيه، ج ۱، ص ۱۶۶، ح ۴۸۲ ؛ و الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۱۷۹، ح ۴۰۶ ؛ و ص ۳۲۷ ، ح ۱۰۲۲؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۱۳۱، ح ۳۲۰۹ .
31.و الصحيح الأوّل كما في المصدر ، و رجال النجاشي، ص ۳۶۸ ، الرقم ۹۹۹؛ و الفهرست، ص ۲۰۵، الرقم ۵۸۷ ؛ و رجال الطوسي، ص ۳۶۴ ، الرقم ۵۴۰۱ .
32.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۳۲۸ ، ح ۱۰۲۳؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۱۳۲، ح ۳۲۱۰ .
33.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۲۰۲، ح ۴۷۳ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۴۳۸، ح ۱۸۷۳؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۱۰۵، ح ۳۱۴۵ .
34.مختلف الشيعة، ج ۲، ص ۳۰۵ ۳۰۶ .
35.اُنظر: ترجمته في معجم رجال الحديث.
36.مجمع الفائدة و البرهان، ج ۲، ص ۴۵۲ ۴۵۳.
37.راجع: كتاب الاُمّ، ج ۱، ص ۳۰۹ ؛ فتح العزيز، ج ۵ ، ص ۱۹۲؛ التمهيد، ج ۶، ص ۲۷۹ ۲۸۰؛ بداية المجتهد، ج ۱، ص ۱۹۱؛ الاستذكار، ج ۳ ، ص ۳۵ ؛ الفتوحات المكّيّة، ج ۱، ص ۵۳۳ ؛ رسالة ابن أبي زيد، ص ۲۸۸؛ مواهب الجليل، ج ۳ ، ص ۷۲؛ سنن الترمذي، ج ۲، ص ۲۵۱، ذيل ح ۱۰۴۲؛ عمدة القاري، ج ۶، ص ۱۵۲؛ و ج ۸ ، ص ۲۶؛ تحفة الأحوذي، ج ۴، ص ۱۱۳ ۱۱۴.