325
شرح فروع الکافي ج2

شرح فروع الکافي ج2
324

[باب آخر في أرواح المؤمنين]

وفي بعض النسخ : «باب آخر في أرواح المؤمنين»
قوله في حسنة أبي ولّاد: (يروون أنّ أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش) . [ح 1 / 4718] قال طاب ثراه:
وذلك مثل ما رواه مسلم عن مسروق، قال : سألنا عبد اللّه عن هذه الآية : «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَ تَا بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ»۱ ، قال : أما إنّا قد سألنا عن ذلك، فقال : «أرواحهم في جوف طير خضر، لها قناديل معلّقة بالعرش، تسرح من الجنّة حيث شاءت، ثمّ تأوى إلى تلك القناديل، فيطلع عليهم ربّهم اطّلاعةً، فقال : هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أيّ شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنّة حيث شئنا؟! ففعل بهم ذلك ثلاث مرّات، فلمّا رأوا أنّهم لم يُتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا ربّ، نريد أن تردّ أرواحنا في أجسادنا حتّى نُقتل في سبيلك مرّةً اُخرى، فلمّا رأى أن ليس لهم حاجة تركهم». ۲
وفي غير صحيح مسلم : «في حواصل طير». ۳ وفي آخر : «كطير». ۴ وفي آخر : «صورة طير» . ۵
وفي المُوطّا: «إنّما نسمة المؤمن طير». ۶
وقال القرطبي: المراد بنسمة المؤمن الشهداء، والنسمة تُطلق على الذات مع الروح، وعلى الروح وحدها، وهو المراد هنا؛ لعلمنا أنّ الجسد يفنى ويأكله التراب.
وقيل: المراد بها سائر المسلمين الّذين يدخلون الجنّة بغير حساب؛ بدليل عموم نسمة المؤمن.
ثمّ قال طاب ثراه:
أقول : في بعض رواياتنا دلالة واضحة على أنّ أرواح المؤمنين يصوّرون على شكل الطيور كما مرّ في باب أنّ الميّت يزور أهله، وفي هذا الخبر دلالة على أنّهم في أبدان مثاليّة، ولا تنافي بينهما؛ لأنّهم للطافتهم يتشكّلون بأيّ شكل أراد اللّه سبحانه، كما تتشكّل الملائكة والأجنّة والشياطين.
وقال بعض مشايخنا قدّس اللّه أرواحهم: ۷ قد يتوهّم أنّ القول بتعلّق الأرواح بعد مفارقتهم عن الأبدان العنصريّة بأشباح اُخر قول بالتناسخ.
وهذا توهّم سخيف؛ لأنّ التناسخ الّذي أطبق المسلمون على بطلانه هو تعلّق الأرواح بعد خراب الأبدان بأبدان اُخر في هذا العالم، إمّا عنصريّة كما يزعمه بعض الناس ويقسّمونه إلى النسخ والمسخ والفسخ والرسخ، أو ملكيّة، إمّا ابتداء أو بعد تردّدها في الأبدان العنصرية على اختلاف آرائهم الواهية المفصّلة في محلّها.
وأمّا القول بتعلّقها في عالم البرزخ بأبدان مثاليّة إلى أن تقوم قيامتها الكبرى فتعود إلى أبدانهاالأوّليّة، إمّا بجمع أجزائها المشتّتة، أو بإيجاده من كتم العدم كما أنشأها أوّل مرّة، فليس من التناسخ في شيء، وإن سمّيته تناسخاً فلا مشاحّة في التسمية.
قال الفخر الرازي في نهاية العقول : إنّ المسلمين يقولون بحدوث الأرواح وردّها إلى الأبدان لا في هذا العالم، والتناسخية يقولون بقدمها وردّها إليها في هذا العالم، وينكرون الآخرة والجنّة والنار، وإنّما كفروا من جهة هذا الإنكار.
وقال الآبي في كتاب إكمال الإكمال : قال بعض الفقهاء المتكلّمين: على الحديث الأشبه صحّة أنّها طير أو كطير أو في صورة طير، و بعّده بعضهم، وأنكر أنّها في جوف طير أو في حواصل طير، وليس فيه ما ينكر؛ إذ لا فرق بين كونها طيرا أو في حواصل طير، فإنّ للّه سبحانه أن يجعل أرواح المؤمنين إذا قبضها حيث شاء.
نعم، يبعد أن يحمل رواية طير على ظاهرها؛ لأنّه إذا تغيّرت الأرواح عن صفاتها إلى صفات الطير فليست بأرواح.
وكذلك استبعد بعضهم أن يكون رواية في جوف طير أيضاً على ظاهرها؛ لأنّ الجوف والحواصل على ما عهد في الدنيا دم ولحم، فيؤول الأمر بذلك إلى القول بالتناسخ.
وأيضاً لو كانت في جوف طير لكانت مسجونة معذّبة، فلا يبعد أن يكون أجواف الطيور وحواصلها كناية عن مراكب ممتدّة لاستقرار الأرواح عليها، واللّه سبحانه أعلم بتلك المراكب كما قال : «ما لا عين رأت»، ۸ فتنتقل تلك المراكب وتسرح حيث شاءت الأرواح، فعبّر عن الأرواح تارةً بأنّها طير؛ لسرعة حركتها، ولعلّ هذه المراكب طيور حقيقيّة من ذهب أو فضّة أو ياقوت كما في صفة خيل الجنّة، وإن كان كلّها مراكب ومجالس لأهل الجنّة في الجنّة ولأرواح الشهداء والمؤمنين كلّهم قبل البعث. وقد جاء في سدرة المنتهى أنّها إليها تنتهي أرواح الشهداء، وأنّها غشيها فراش من ذهب، والفراش الطيور الصغار، فلعلّ ذلك الفراش من تلك الطيور الّتي تسرح بها أرواح الشهداء، وكلٌّ محتمل غير مستحيل. انتهى. ۹
وقال عياض:
إنّما جعل الأرواح في جوف طير صيانة لها ومبالغة في إكرامها؛ لتطّلع على ما في الجنّة من المحاسن والنعم كما يطّلع الراكب المظلّل عليه بهودج شفّاف، ويدركون في تلك الحال من روائح الجنّة ونعيمها وسرورها ما يليق بالأرواح، وأمّا اللذات الجسمانيّة، فإذا اُعيدت إلى أبدانها استوفت منها ما أعدّ اللّه سبحانه لها، ثمّ إنّ تلك الأرواح ترجع بها تلك الطيور إلى مواضعها المكرّمة المشرّفة المنوّرة الّتي عبّر عنها بالقناديل؛ لكثرة نورها وإشراقها . ۱۰
قوله: (عن الحسين بن أحمد) . [ح 6 / 4723] هو الحسين بن أحمد بن ظبيان؛ بقرينة روايته عن يونس بن ظبيان، وهو مجهول الحال. ۱۱
ونظير الخبر ما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بناءً على ما هو ظاهره من أنّه عليّ بن مهزيار عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن أبي بصير، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن أرواح المؤمنين، فقال : «في الجنّة على صورة أبدانهم لو رأيتهم لقلت فلان ». ۱۲

1.آل عمران (۳) : ۱۶۹ ۱۷۰ .

2.صحيح مسلم، ج ۶، ص ۳۸ ۳۹ .

3.سنن الدارمي، ج ۲، ص ۲۰۶؛ مسند الطيالسي، ص ۳۸ .

4.سنن ابن ماجة، ج ۲، ص ۱۶۳؛ المصنفّ لعبد الرزّاق، ج ۵ ، ص ۲۶۳، ح ۹۵۵۴؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج ۴، ص ۵۷۳ ، كتاب الجهاد، ح ۸۲ ؛ المعجم الكبير، ج ۹، ص ۲۰۹ ۲۱۰.

5.التمهيد لابن عبدالبرّ، ج ۱۱، ص ۶۳ و ۶۴؛ الاستذكار، ج ۳ ، ص ۹۱.

6.الموطّأ، ج ۱، ص ۲۴۰، ح ۴۹. و رواه أحمد في مسنده، ج ۳ ، ص ۴۶۰ ؛ و عبد بن حميد في مسنده، ص ۱۴۷، ح ۳۷۶ .

7.هو الشيخ البهائي قدس سره، كما صرّح به العلّامة المجلسي قدس سره في بحار الأنوار، ج ۶، ص ۲۲۷ ۲۷۸، و نهاية كلامه انتهاء كلام الفخر الرازي، و هذا التوهم و ردّه مذكوران في شرح المازندراني، ج ۱۲، ص ۳۱۵ .

8.هذه الفقرة وردت في روايات عديدة ذكرت فيها نعم الجنّة . فانظر: الأمالي للصدوق، المجلس ۳۸ ، ح ۱؛ و المجلس ۶۶، ح ۱؛ و المجلس ۸۰ ، ح ۱؛ و المجلس ۸۱ ، ح ۱؛ و المجلس ۸۳ ، ح ۱؛ ثواب الأعمال، ص ۵۶ ، ثواب صوم رجب؛ فضائل الأشهر الثلاثة للصدوق، ص ۲۷، ح ۱۲ و ۱۵؛ الفقيه، ج ۱، ص ۲۹۵، ح ۹۰۵؛ و ج ۴، ص ۱۷، ح ۴۹۶۸ ؛ تهذيب الأحكام، ج ۶، ص ۲۲، ح ۵۰ ؛ و ص ۱۰۷، ح ۱۸۹.

9.لم أعثر عليه بتمامه، لكن بعض فقراتها مذكور في شرح المازندراني كما أشرنا إلى موضعه.

10.حكى السيوطي في الديباج، ج ۴، ص ۴۷۹ ما يقرب منها نقلاً عن القرطبي في شرح صحيح مسلم، و تجد نحوها في تفسير القرطبي، ج ۴، ص ۲۷۴، في تفسير الآية ۱۶۹ من سورة آل عمران.

11.ذكره الشيخ في رجاله، ص ۱۹۶، الرقم ۲۴۶۵ في أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ، ولم يذكر له ترجمة ، ولم يقل فيه شيء، ولم يذكر في رجالي الكشّي و النجاشي.

12.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۴۶۶، ح ۱۵۲۷.

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج2
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 266593
صفحه از 575
پرینت  ارسال به