باب غسل الحائض وما يجزيها من الماء
قال طاب ثراه:
الواجب في الغسل إنّما هو غسل البشرة دون الشعر، رجلاً كان الغاسل أو امرأة، ولا يجب نقض الشعر عليهما عندنا وعند مالك، ۱ إلّا أن يتوقّف وصول الماء إلى البشرة عليه. وقَصَرَهُ بعض العامّة على النساء فقد أجمعوا على عدم وجوب نقضه على النساء، ۲ فما ورد من أمرها به محمول على الاستحباب. ويجزي من الماء أقلّ ما يجري على الجسد كما مرّ في غسل الجنابة .
قوله في حسنة الكاهلي: (إنّ النساء أحدثن مشطاً) ، الخ . [ح 1 / 4172] المشط مثلّثة وبالتحريك: الخلط وترجيل الشعر. ۳ والقِرمِل كزبرج ـ : ما تشدّ المرأة في شعرها . ۴ والمِسَلَّة بكسر الميم وفتح السين المهملة وتشديد اللام: مخيط كبير ۵ به تفتل النساء شعورهنّ.
والمراد من ترويتها رأسها من الماء أن تدلك رأسها وتخلّل اُصول شعرها، وتبالغ في ذلك حتّى تعلم وصول الماء إلى بشرة رأسها .
قوله في خبر أبي عبيدة: (إذا طهّرت فرجها وتيمّمت) . ۶ [ح 3 / 4174] قال طاب ثراه: «يظهر منه اشتراط جواز الوطئ بعد انقطاع الحيض بالغسل؛ إذ التيمّم إنّما وجب إذا وجبت الطهارة المائيّة».
ووقع التصريح بذلك في رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : سألته عن امرأة كانت طامثاً فرأت الطهر، أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال : «لا حتّى تغتسل». ۷
وموثّقة سعيد بن يسار، عن أبي عبد اللّه عليه السلام ، قال : قلت له: المرأة تحرم عليها الصلاة ثمّ تطهر فتتوضّأ من غير أن تغتسل، ألزوجها أن يأتيها قبل أن تغتسل؟ قال : «لا حتّى تغتسل». ۸
وربّما استدلّ له بقوله تعالى: «وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ»۹ على قراءة التشديد، فإنّ الاطّهار بمعنى الاغتسال، ۱۰ وبه قال بعض الأصحاب، ۱۱ والأكثر حملوا هذه الأدلّة على الكراهة. ۱۲
على أنّه يحتمل حمل الاطّهار في الآية على طهرها من الحيض؛ لمجيئه بهذا المعنى كما ستعرف، أو على غسل الموضع؛ لقول الجوهري: «يقال : تطهّرت بالماء، وهم قوم يتطهّرون، أي يتنزّهون من الأدناس». ۱۳ وهذا هو الأظهر؛ للجمع بينها وبين ما دلّ على جواز وطيها قبله، منها: خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال : المرأة ينقطع عنها الدم دم الحيضة ـ ۱۴ في آخر أيّامها، فقال : «إن أصاب زوجها شبق فليأمرها، فلتغسل فرجها ثمّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل». ۱۵
ومثله موثّقته عن أبي جعفر عليه السلام في المرأة ينقطع عنها دم الحيضة في آخر أيّامها، قال : «إن أصاب زوجها شبق فليأمرها، فلتغسل فرجها ثمّ يمسّها إن شاء قبل أن تغتسل». ۱۶
ومنها: خبر عليّ بن يقطين، عن أبي عبد اللّه عليه السلام : «إذا انقطع الدم ولم تغتسل فليأتها زوجها إن شاء». ۱۷
ومنها: روايته الاُخرى عن أبي الحسن عليه السلام قال : سألته عن الحائض ترى الطهر، أيقع عليها زوجها قبل أن تغتسل؟ قال : «لا بأس، وبعد الغسل أحبّ إليّ». ۱۸
ومثله خبر عبد اللّه بن المغيرة، عمّن سمعه من العبد الصالح عليه السلام في المرأة إذا طهرت من الحيض ولم تمسّ الماء، فلا يقع عليها زوجها حتّى تغتسل وإن فعل فلا بأس به، وقال : «تمسّ الماء أحبّ إليّ». ۱۹
ودلّ أيضاً عليه قوله تعالى : «فَاعْتَزِلُواْ النِّسَآءَ فِى الْمَحِيضِ»۲۰ ؛ لأنّ إيجاب الاعتزال في أيّام الحيض دلّ بحسب المفهوم على عدم اشتراط جواز الوطي بعدها بشيء.
وربّما استدلّ له بقوله تعالى : «وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ»۲۱ ، سواء قرئ بالتخفيف أو بالتضعيف، أمّا على الأوّل؛ فلأنّ الطهر ضدّ الحيض لغةً وشرعاً وعرفاً عامّاً، وأمّا على الثاني؛ فلأنّ التطهّر وإن كان ظاهرا في الاغتسال، إلّا أنّه قد جاء بمعنى الطهر أيضاً، ولابدّ هنا من حمله عليه؛ للجمع بين القراءتين. ۲۲
ولا يبعد الجمع بين الأدلّة بحمل الثانية على ما إذا كان الزوج شبقاً كما هو ظاهر بعض ما ذكر من الأخبار، ۲۳ وبه قال ابن نافع ۲۴ من العامّة، ۲۵ والمشهور عندهم هو القول الأوّل، ۲۶ وقال جماعة منهم بالثاني، ۲۷ وقال بعضهم: إذا توضّأت جاز كما يؤمر الجنب بالوضوء قبل النوم .
قوله في صحيحة محمّد بن مسلم: (الحائض ما بلغ بلل الماء من شعرها أجزاها) . [ح 4 / 4175] قال طاب ثراه: من للتبعيض، وفيه دلالة على أنّ غسل جميع الشعر ليس بواجب، وإنّما الواجب غسل ما يتوقّف عليه غسل البشرة منه كأُصول الشعور .
1.نيل الأوطار، ج ۱، ص ۳۱۲ .
2.إنّهم اتّفقوا في عدم وجوب النقض في الجنابة، و اختلفوا في الحيض، فقال بعضهم بوجوبه . اُنظر: المحلّى، ج ۲، ص ۳۸ ؛ تحفة الأحوذي، ج ۱، ص ۳۰۱ ؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج ۴، ص ۱۲؛ عون المعبود، ج ۱، ص ۲۹۸.
3.تاج العروس، ج ۱۰، ص ۴۱۴ (مشط) .
4.صحاح اللغة، ج ۵ ، ص ۱۸۰۱ (قرمل) .
5.صحاح اللغة، ج ۵ ، ص ۱۷۳۱ (سلل) .
6.في النسخ المطبوعة من المصدر: «غسلت» بدل «طهّرت».
7.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۱۶۶، ح ۴۷۸ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۱۳۶، ح ۴۶۵ ؛ وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۳۲۶ ، ح ۲۲۶۵.
8.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۱۶۷، ح ۴۷۹ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۱۳۶، ح ۴۶۶ ؛ وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۳۹۵ ، ح ۲۴۵۰.
9.البقرة (۲) : ۲۲۲.
10.ترتيب كتاب العين، ج ۲، ص ۱۰۹۷ (طهر) . و في تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۱۰۳، باب الأغسال المفترضات و المسنونات: «الاطهار : الاغتسال بلاخلاف بين أهل اللسان» . و مثله في فقه القرآن للراوندي، ج ۱، ص ۳۲ .
11.المُقنع، ص ۳۲۲ ؛ الهداية، ص ۲۶۳.
12.الانتصار، ص ۱۲۸، المسألة ۲۷؛ أحكام النساء للمفيد، ص ۱۹؛ الخلاف، ج ۱ ، ص ۲۲۸؛ المبسوط، ج ۴، ص ۲۴۲؛ غنية النزوع، ص ۳۹ ؛ السرائر، ج ۱، ص ۱۵۰، شرائع الإسلام، ج ۱، ص ۲۵ ؛ المعتبر، ج ۱، ص ۲۳۵؛ جامع الخلاف و الوفاق، ص ۲۳؛ تذكرة الفقهاء، ج ۱، ص ۱۲۰؛ مدارك الأحكام، ج ۱، ص ۳۳۶ ؛ شرح اللمعة، ج ۱، ص ۳۸۸ ؛ جامع المقاصد، ج ۱، ص ۳۳۳ .
13.صحاح اللغة، ج ۲، ص ۷۲۷ (طهر) .
14.في الكافي: «ينقطع عنها دم الحيض». و مثله في الاستبصار و تهذيب الأحكام، ج ۱ و ج ۷ هكذا: «ينقطع عنها دم الحيضة» . و في الوسائل: «ينقطع عنها الدم دم الحيض».
15.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۱۶۶، ح ۴۷۷ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۱۳۵، ح ۴۶۳ .
16.الكافي، ج ۵، ص ۵۳۹، باب مجامعة الحائض قبلى أن تغتسل، ح ۱ . و رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج ۷۷ ص ۴۸۶، ح ۱۹۵۲؛ وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۳۲۴ ، ح ۲۲۶۰.
17.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۱۶۶، ح ۴۷۶ ؛ وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۳۲۵ ، ح ۲۲۶۲.
18.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۱۳۶، ح ۴۶۸ ؛ و ص ۱۶۷، ح ۴۸۱ ؛ وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۳۲۵ ، ح ۲۲۶۴. و رواه الكليني في الكافي، ج ۵، ص ۵۳۹، باب مجامعة الحائض، ح ۲، إلّا أن فيه: «و يقع» بدل : «أيقع»، و أسقط قوله: «قبل أن تغتسل».
19.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۱۶۷، ح ۴۸۰ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۱۳۶، ح ۴۶۷ ؛ وسائل الشيعة، ج ۲۷ ص ۳۲۵ ، ح ۲۲۶۳.
20.البقرة (۲) : ۲۲۲ .
21.البقرة (۲) : ۲۲۲ .
22.شرح اللمعة ، ج ۱، ص ۳۸۷ .
23.الكافي، ج ۵، ص ۵۳۹، من باب مجامعة الحائض قبل أن تغتسل، ح ۱ . وانظر : تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۱۳۵، ح ۴۶۳ ؛ و ص ۱۶۶، ح ۴۷۵ و ۴۷۷ ؛ و ج ۷، ص ۴۸۶، ح ۱۹۵۲؛ وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۳۲۴ ، ح ۲۲۶۰۰.
24.عبداللّه بن نافع الصائغ مولى بني مخزوم، أبو محمّد ، صاحب مالك، تفقّه عنده و روى عنه، توفّي بالمدينة في رمضان سنة ۲۰۶ أو ۲۰۷ ه. ق، و قيل : سنة ۱۸۶ ه. ق . من آثاره تفسير الموطّأ. راجع : سير أعلام النبلاء، ج ۱۰، ص ۳۷۱ ۳۷۴ ، الرقم ۹۶؛ تهذيب الكمال ، ج ۱۶، ص ۳۱۲ ، الرقم ۳۶۰۹ ؛ معجم المؤلّفين، ج ۶، ص ۱۵۸.
25.حاشية الدسوقي، ج ۱، ص ۱۷۳.
26.فتح العزيز ، ج ۲ ، ص ۴۲۲ ؛ المجموع للنووي ، ج ۲، ص ۳۷۰ ؛ الشرح الكبير لأبي البركات (مع حاشية الدسوقي)، ج ۱، ص ۱۷۳؛ المغني لابن قدامة، ج ۱، ص ۳۵۱ ؛ بداية المجتهد، ج ۱، ص ۵۰ ؛ نيل الأوطار، ج ۱، ص ۳۵۳ ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج ۱، ص ۳۱۶ .
27.البحر الرائق، ج ۱، ص ۳۵۲ ؛ المحلّى، ج ۱۰، ص ۸۲ ؛ بداية المجتهد، ج ۱، ص ۵۰ ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج ۱، ص ۳۱۶ و ۳۶۸ .