باب الصلوات الّتي تُصلّى في كلّ وقت
أراد قدّس سرّه بيان أنّ بعض الصلوات غير موقّتة بوقت محدود ، بل لها أسباب خاصّة تصلّى عند عروض تلك الأسباب وإن كان في الأوقات المكروهة الخمسة الآتية في الباب الآتي ، وعدّ منها خمس صلوات ولا اختصاص لتلك الخمس بهذا الحكم ، بل هو جار فيما عداها أيضا من الصلوات سوى النوافل المبتدأة على المشهور .
لكن تفسير كلّ وقت في خبر أبي بصير ۱ ما بين الفجر إلى طلوع الشمس و ما بعد العصر يقتضي الفرق بين الأوقات الخمسة في ذلك ، كما هو مذهب الشيخ في الخلاف ۲ ، حيث أفتى بعدم كراهية غير النافلة المبتدأة في الوقتين ، وكراهية مطلق الصلوات عند طلوع الشمس وعند غروبها وقيامها في غير يوم الجمعة ، وسنحكي عبارته في الباب الآتي ، وهو ضعيف لا سيّما في الصلوات الخمس ؛ لصحيحة معاوية بن عمّار ۳ وحسنة زرارة ۴ من غير معارض صريح ، وعموم النهي عن الصلاة في تلك الأوقات مخصّص بالنوافل المبتدأة.
وقد نقل إجماع أهل العلم على عدم كراهة صلاة الكسوف ۵ .
ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف إطلاق الأخبار الواردة في وجوبها عند حدوثه والصلاة على الميّت .
وقد ورد في الأخبار الأمر بتعجيل تجهيزه وهو مستتبع لوقوعها في هذه الأوقات ، وذهب إليه الشافعي وأحمد ۶ في إحدى الروايتين عنه محتجّين بما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمأنّه قال : «إنّي لأرى طلحة ۷ قد حدث فيه الموت ، فأذنوني به وعجّلوا ، فإنّه لا ينبغي لجيفة مسلم أن يحبس بين ظهراني أهله» ۸ .
والمشهور بين العامّة أنّها لا تجوز عند طلوع الشمس وقيامها وغروبها ۹ ، وهو رواية اُخرى عن أحمد ۱۰ .
واحتجّوا عليه بما نقلوه عن عقبة بن عامر الجهني ، قال : ثلاث ساعات كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ينهانا أن نصلّي فيهنّ أو نقبر فيهنّ موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتّى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتّى تميل الشمس ، وحين تضيّفت الشمس للغروب حتّى تغرب ۱۱ .
وفي المنتهى : «معنى قوله : تضيّفت ، أي مالت ، يقال : تضيّفت فلاناً ، إذا ملت إليه ونزلت به» ۱۲ .
وفيه : أنّ الصلاة فيه ليست صريحة في صلاة الميّت ، فلو صحّ الخبر ينبغي أن تحمل على النافلة المبتدأة .
ويدلّ على عدم كراهة صلاة الإحرام فيها زائدا على ما رواه المصنّف إطلاق أخبارها ، وهو المشهور بين العامّة خلافا لأبي حنيفة ، وكذا صلاة الطواف وإن كانت نغلاً ۱۳ .
وفي المنتهى:
يصلّي صلاة الطواف في أوقات النهي وإن كانت نفلاً ، ذهب إليه علماؤنا وفعله الحسن والحسين عليهماالسلام وابن عمر وابن الزبير وعطا وطاوس وابن عبّاس ومجاهد والقاسم بن محمّد بعد الصبح والعصر ، وفعله عروة بعد الصبح ، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وأبو ثور ۱۴ .
وأنكر ذلك أبو حنيفة ومالك ۱۵ ، ونقل طاب ثراه عن الترمذي أنّه روى عن جبير بن مطعم أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال : «يا بني عبد مناف ، لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلّى في أيّ ساعة من ليل أو نهار» ۱۶ .
وكذا قضاء الفرائض ، بل يجب عند الذكر ما لم يتضيّق وقت حاضرة .
ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف عموم ما رواه الشيخ في الحسن عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، أنّه سئل عن رجل صلّى بغير طهور أو نسى صلوات لم يصلّها أو نام عنها؟ فقال : «يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة ذكرها من ليل أو نهار ، فإذا دخل وقت الصلاة ولم يتمّ ما قد فاته فليقض ما لم يتخوّف أن يذهب وقت هذه الصلوات الّتي قد حضرت ، وهذه أحقّ فليقضها ، فإذا قضاها فليصلّ ما فاته ممّا قد مضى ، ولا يتطوّع بركعة حتّى يقضي الفريضة كلّها» ۱۷ .
وعن الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «اقض صلاة النهار أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار ، كلّ ذلك سواء» ۱۸ .
وعن ابن أبي يعفور ، قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول : «صلاة النهار يجوز قضاؤها أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار» ۱۹ .
وخصوص ما رواه في الصحيح عن أحمد بن النضر ، قال : سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن القضاء قبل طلوع الشمس وبعد العصر؟ قال : «نعم فاقضه ، فإنّه من سرّ آل محمّد عليهم السلام » ۲۰ .
وعن سليمان بن هارون ، قال : سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قضاء الصلاة بعد العصر ، قال : «[نعم] إنّما هي النوافل فاقضها متى ما شئت» ۲۱ .
والظاهر أنّ قوله عليه السلام : «هي» راجع إلى الصلاة المشهور كراهتها في هذا الوقت ، و«النوافل»: النوافل المبتدأة.
وما روته العامّة عنه صلى الله عليه و آله وسلم أنّه قال : «من فاتته فريضة فليقضها إذا ذكرها ما لم يتضيّق وقت حاضرة» ۲۲ .
وعن أبي حنيفة كراهته عند طلوع الشمس ۲۳ ؛ محتجّاً بعموم أخبار النهي في ذلك الوقت ، وبما رواه مسلم : أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلملمّا نام عن صلاة الفجر حتّى طلعت الشمس أخّرها حتّى انتصف النهار ۲۴ .
واُجيب عن الأوّل بتخصيص العمومات ؛ لما عرفت. وعن الثاني بمنع الخبر ؛ لعدم استقامته على طريقة أهل العدل.
وفي المنتهى: وقال أصحاب الرأي: «لا تقضى فوائت الفرائض في الأوقات الثلاثة المنهي عنها للوقت» ۲۵ .
وأمّا قضاء النوافل فالمشهور بين الأصحاب أنّه أيضا كقضاء الفرائض ؛ لعموم ما ذكر من الأخبار ، وخصوص ما رواه الشيخ في الصحيح عن عليّ بن بلال ، قال : كتبت إليه في قضاء النافلة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، ومن بعد العصر إلى أن يغيب الشفق. فكتب إليّ: «لا يجوز إلّا للمقتضي ، فأمّا لغيره فلا» ۲۶
.
وفي الحسن عن جميل بن درّاج ، قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن قضاء صلاة الليل بعد الفجر إلى طلوع الشمس ، قال : «نعم وبعد العصر إلى الليل فهو من سرّ آل محمّد صلى الله عليه و آله وسلم المخزون» ۲۷ .
وعن عبد اللّه بن عون الشامي ، قال : حدّثني عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبداللّه عليه السلام في قضاء صلاة الليل والوتر تفوت الرجل ، يقضيها بعد صلاة الفجر وبعد العصر؟ قال : «لا بأس بذلك» ۲۸ .
وكرهه الشيخان في المقنعة ۲۹ والنهاية ۳۰ عند طلوع الشمس وغروبها ، وكأنّهما تمسّكا بعموم النهي في ذينك الوقتين ، وقد عرفت ما فيه.
1.هو الحديث الأوّل من هذا الباب.
2.الخلاف، ج ۱، ص ۵۲۰ ، المسألة ۲۶۳.
3.هو الحديث ۲ من هذا الباب.
4.هو الحديث ۳ من هذا الباب.
5.اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج ۴، ص ۱۸۸، المسألة ۴۹۳.
6.الخلاف، ج ۱، ص ۷۲۱، المسألة ۵۴۰ ؛ المعتبر، ج ۲، ص ۳۵۹ ، المجموع للنووي، ج ۴، ص ۱۶۸؛ و ج ۵ ، ص ۱۱۱؛ عمدة القاري، ج ۸ ، ص ۱۲۴؛ المغني، ج ۲، ص ۴۱۶.
7.في الأصل: «ظلمة»، و التصويب من المصدر.
8.سنن أبي داود، ج ۲، ص ۷۰، ح ۳۱۵۹ ؛ الاستذكار، ج ۳ ، ص ۱۲۳؛ أسد الغابة، ج ۳ ، ص ۵۷ .
9.المجموع للنووي، ج ۴، ص ۱۶۴؛ الإقناع، ج ۱، ص ۱۴۸؛ بدائع الصنائع، ج ۱، ص ۳۱۶ .
10.المغني، ج ۲، ص ۴۱۷.
11.مسند أحمد، ج ۴، ص ۱۵۲؛ سنن الدارمي، ج ۱، ص ۳۳۳ ؛ صحيح مسلم، ج ۲، ۲۰۸؛ سنن ابن ماجة، ج ۱، ص ۴۸۶، ح ۱۵۱۹؛ سنن أبي داود، ج ۲، ص ۷۷، ح ۳۱۱۲ ؛ سنن النسائي، ج ۱، ص ۲۷۵ و ۲۷۷؛ و ج ۴، ص ۸۲ ؛ السنن الكبرى له أيضا، ج ۱، ص ۴۸۲، ح ۱۵۴۳، و ص ۴۸۴، ح ۱۵۴۸ و ص ۶۴۹، ح ۲۱۴۰؛ مسند أبييعلى، ج ۳ ، ص ۲۹۲ ۲۹۳، ح ۱۷۵۵؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۴، ص ۲۲؛ معرفة السنن والآثار، ج ۲ ، ص ۲۸۰، و ما بين الحاصرتين من المصادر، و في الجميع: «تضيّف» بدل «تضيّفت».
12.منتهى المطلب، ج ۴، ص ۱۴۱.
13.المجموع للنووي، ج ۸ ، ص ۵۷ ؛ روضة الطالبين، ج ۱، ص ۳۰۴ ؛ تحفة الأحوذى، ج ۳ ، ص ۵۱۴ ، حاشية ردّ المختار، ج ۲، ص ۵۴۲ ؛ فتح الباري، ج ۳ ، ص ۳۹۱ .
14.منتهى المطلب، ج ۴، ص ۱۴۹. و انظر: المغني، ج ۱، ص ۷۴۹؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج ۱ ، ص ۸۰۰ .
15.فتح الباري، ج ۳ ، ص ۳۹۱ ، تنقيح التحقيق، ج ۱، ص ۲۰۱؛ المغني، ج ۱، ص ۷۴۹؛ الشرح الكبير، ج ۱، ص ۸۰۰ .
16.سنن ابن ماجة، ج ۱ ، ص ۳۹۸ ، ح ۱۲۵۴؛ سنن الترمذي، ج ۲ ، ص ۱۷۸ ، ح ۸۶۹ ؛ سنن النسائي، ج ۱، ص ۲۸۴، السنن الكبرى له أيضا، ج ۱، ص ۴۸۷، ح ۱۵۶۱؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۲، ص ۴۶۱ ؛ و ج ۵ ، ص ۹۲؛ مسند الحميدي، ج ۱، ص ۲۵۵؛ ح ۵۶۱ ؛ المصنّف لابن أبي شيبة، ج ۴ ، ص ۲۵۷، الباب ۷۸ من كتاب الحجّ، ح ۱؛ و ج ۸ ، ص ۴۲۰، الباب ۱۰۳ ، ح ۱؛ صحيح ابن حبّان، ج ۴، ص ۴۲۱ ؛ سنن الدارقطني، ج ۲، ص ۲۳۴، ح ۲۶۱۲.
17.تهذيب الأحكام، ج ۳ ، ص ۱۵۹، ح ۳۴۱ ؛ و ج ۲، ص ۱۷۲، ح ۶۸۵؛ و ص ۲۶۶، ح ۱۰۵۹؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۲۸۶، ح ۱۰۴۶؛ وسائل الشيعة، ج ۴، ص ۲۷۴، ح ۵۱۴۶ .
18.تهذيب الأحكام، ج ۲ ، ص ۱۷۲ ۱۷۳، ح ۶۹۱؛ و ج ۳ ، ص ۱۶۸، ح ۳۶۹ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۲۹۰، ح ۱۰۶۲؛ وسائل الشيعة، ج ۴، ص ۲۴۳، ح ۵۰۴۲ ؛ و ص ۲۷۷، ح ۵۱۵۷ .
19.تهذيب الأحكام، ج ۲، ص ۱۷۴، ح ۶۹۲؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۲۹۰، ح ۱۰۶۳؛ وسائل الشيعة، ج ۴، ص ۲۴۳، ح ۵۰۴۱ .
20.تهذيب الأحكام، ج ۲، ص ۱۷۴، ح ۶۹۳؛ وسائل الشيعة، ج ۴، ص ۲۴۴، ح ۵۰۴۶ .
21.تهذيب الأحكام، ج ۲، ص ۱۷۳، ح ۶۹۰؛ الاستبصار، ج ۱ ، ص ۲۹۰، ح ۱۰۶۱؛ وسائل الشيعة، ج ۴، ص ۲۴۳، ح ۵۰۴۰ .
22.لم أعثر على حديث بهذا اللفظ إلّا في : المعتبر، ج ۲، ص ۶۰؛ و منتهى المطلب، ج ۴، ص ۱۳۹. و كان في الأصل «من فاته»، وَ التصويب حسب السياق و المصدرين.
23.المغني، ج ۱، ص ۷۴۸؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة ، ج ۱، ص ۷۹۷.
24.منتهى المطلب، ج ۴، ص ۱۴۷ . و فيه: «أخّرها حتّى ابيضّت الشمس». رواها و نسب إلى مسلم، ولم أعثر عليه في صحيح مسلم. و مثله في كشّاف القناع، ج ۱، ص ۵۴۹ ۵۵۰ ، و قال : «متّفق عليه».
25.منتهى المطلب، ج ۴، ص ۱۴۶.
26.تهذيب الأحكام، ج ۲، ص ۱۷۵، ح ۶۹۶؛ الاستبصار، ج ۱ ، ص ۲۹۱، ح ۱۰۶۸؛وسائل الشيعة، ج ۴ ، ص ۲۳۵، ح ۵۰۱۸ .
27.تهذيب الأحكام، ج ۲، ص ۱۷۳، ح ۶۸۹؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۲۹۰، ح ۱۰۶۰؛ وسائل الشيعة، ج ۴ ، ص ۲۴۳ ۲۴۴، ح ۵۰۴۳ .
28.تهذيب الأحكام، ج ۲، ص ۱۷۳، ح ۶۸۷ ؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۲۸۹، ح ۱۰۵۸؛ وسائل الشيعة، ج ۴، ص ۲۴۲ ۲۴۳، ح ۵۰۳۹ .
29.المقنعة، ص ۱۴۴.
30.النهاية، ص ۶۲.