باب المرأة تكون في الصلاة فتحسّ بالحيض
وهذه تقطع الصلاة بعد الفحص عنه وحصول العلم به ، وقد سبق حكم القضاء .
باب الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة
وجوب قضاء الصوم عليها دون الصلاة مذهب العلماء كافّة ۱ عدا الخوارج حيث أوجبوا عليها قضاء الصلاة أيضاً ، ۲ معلّلين بأنّ اللّه سبحانه أوجب الصلاة في القرآن المجيد مطلقاً ، ولم يسقطها عنها كالصوم ، بناءً على ما أصّلوه من العمل بالقرآن وردّ السنن ، كما يدلّ عليه قولهم: «لا حكم إلّا للّه »، ومنه نفوا وجوب وجود الإمام .
ويدلّ على المذهب المنصور زائدا على ما رواه المصنّف ما رواه الشيخ عن أبان، عمّن أخبره، عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه عليهماالسلام، قالا : ۳ «الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة». ۴
ويدلّ على سقوط الصلاة بعض ما سبق من الأخبار في الأبواب السابقة .
وعلى وجوب قضاء الصوم ما رواه عمّار الساباطي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في المرأة يطلع الفجر ۵ وهي حائض في شهر رمضان ، فإذا أصبحت طهرت وقد أكلت ثمّ صلّت الظهر والعصر ، كيف تصنع في ذلك اليوم الّذي طهرت فيه؟ قال : «تصوم ولا تعتدّ به» . ۶
وقد ورد في بعض الأخبار الاعتداد بصوم اليوم الّذي ترى فيه الدم بعد الزوال ، رواه يعقوب الأحمر ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال : «إن عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعة أن تأكل وتشرب ، وإن عرض لها بعد زوال الشمس فلتغتسل ولتعتدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل وتشرب» . ۷
وهو لعدم صحّته واضطراب متنه لا يقبل المعارضة لما ذكر.
و في الاستبصار : «هذا الخبر وهم من الراوي ؛ لأنّه إذا كان رؤية الدم هو المفطر فلا يجوز لها أن تعتدّ ب [صوم] ذلك اليوم ، وإنّما يستحبّ لها أن تمسك بقيّة النهار تأديباً إذا رأت الدم بعد الزوال ».
واستشهد له بما رواه محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن المرأة ترى الدم غدوة أو ارتفاع النهار أو عند الزوال ، قال : «تفطر ، وإذا كان بعد العصر أو بعد الزوال فلتمضِ على صومها ولتقض ذلك اليوم». ۸
وكما لا يجب عليها قضاء الفرائض اليوميّة لا يجب عليها قضاء المنذورة والموقّتة الّتي استوعب الدم وقتها ؛ لانحلال هذا النذر على ما يُستفاد من الأخبار والفتاوى.
وكذا قضاء الكسوفين أيضاً إذا استوعب الدم وقتهما ؛ لإصالة عدم الوجوب وانتفاء دليل عليه . وربّما قيل بوجوب قضائهما ، وهو ضعيف ؛ إذ وجوب العادة الموقّتة لا يستلزم وجوب القضاء .
وأمّا ما اتّسع وقتها كصلاة الزلزلة والنذر المطلق والطوافُ فالظاهر وفاق الأصحاب على عدم سقوطها .
ونقل طاب ثراه عن المازري ۹ أنّه قال : وعندنا أنّها لا تقضي من الصلوات إلّا ركعتي الطواف . ۱۰
واختلفوا في معنى قضاء الصوم ، قال طاب ثراه : «قيل : إنّه ليس بقضاء حقيقة ؛ ۱۱ لأنّ وجوب القضاء فرع تقدّم الوجوب ولم يتقدّم ، وإلّا لزم من منعها عنه تكليفها بالنقيضين . وقيل : إنّه قضاء حقيقة ». ۱۲
وقالوا : «يكفي فيه تقدّم سبب الوجوب ۱۳ وهو دخول الوقت »، وبه قال بعض العامّة؛ زعماً منه أنّ المنع إنّما هو عن نفس الفعل لا عن تعلّق الوجوب . وهؤلاء اختلفوا، فقال بعضهم : وجب الصوم عليها وجوباً موسّعاً ، وقيل : وجوباً مرادا به القضاء بمعنى أنّه وجب عليها في الحيض أن تصوم بعده .
قوله في خبر الحسن بن راشد : (قلت : من أين جاء هذا) ، إلخ . [ح 2 / 4219] كأنّ ابن راشد استبعد عدم وجوب قضاء الصلاة مع وجوب قضاء الصوم ۱۴ لكون الصلاة أفضل من الصوم ۱۵ فالجواب يدلّ على نفي القياس بالأولويّة ، وهذا هو القياس قاسه إبليس بقوله : «خَلَقْتَنِى مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ»۱۶ ، وأوعده اللّه عليه بنصّ «إِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إِلَى يَوْمِ الدِّينِ»۱۷ ، وإذا كان حاله مع الأولويّة هكذا فما ظنّك بالمجرّد عنها؟ فيامن قال به أولى لك فأولى ، ثمّ أولى لك فأولى .
قوله في حسنة زرارة : (ثمّ تقضي الصيام) . [ح 3 / 4220] نقل عن المحقّق الداماد قدس سره ۱۸ أنّه قال :
ثمّ هنا للاستبعاد كما في قوله عزّ من قائل : «ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ»۱۹ ، وفي قوله جلّ سلطانه : «ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ»۲۰ ، ومعناها استبعاد ما بعدها مع تحقّق ما قبلها . ومفاد الكلام ومغزاه استبعاد قضاء الحائض الصوم مع عدم قضائها الصلاة . ۲۱
انتهى .
والمراد بقوله عليه السلام : «إنّ رسول للّه صلى الله عليه و آله كان يأمر بذلك فاطمة» أنّه يأمرها أن تأمر المؤمنات بذلك ، فلا ينافي صحيحة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام ، قال : «إنّ فاطمة صدّيقة شهيدة ، وإنّ بنات الأنبياء لا يطمثن». ۲۲
وما رواه الصدوق في الفقيه عنهم عليهم السلام : «أنّ فاطمة صلوات اللّه عليها ليست كإحداكنّ ، أنّها لا ترى دماً في حيض ولا نفاس كالحوريّة». ۲۳
وفي كتاب العلل : «إنّ فاطمة بتول»، وفسّر البتول بأنّها لم تحض ، ۲۴ والحمل على التقيّة أيضاً محتمل .
والتقريب في قوله عليه السلام : «إنّ امرأة عمران نذرت ما في بطنها محرّرا» ، ۲۵ إلخ على ما قاله طاب ثراه ـ :
إنّ المغيرة كأنّه اعتقد أنّ كلّ ما وجب عليها على تقدير الطهارة وجب عليها قضاؤه على تقدير الحيض ، فدفعه عليه السلام بأنّ ابنة عمران كان واجباً عليها الإقامة في المسجد في الأيّام الّتي خرجت منه للحيض لولاه ، ولم يكن واجباً عليها قضاء تلك الأيّام ؛ لعدم إمكان ذلك لوجوب كون جميع أيّام دهرها فيه .
1.اُنظر: أحكام النساء للشيخ المفيد، ص ۲۳؛ الاقتصاد للشيخ الطوسي، ص ۲۴۵؛ مصباح المتهجّد، ص ۱۱؛ المعتبر، ج ۱، ص ۲۲۷؛ إرشاد الأذهان، ج ۱، ص ۲۲۸؛ تذكرة الفقهاء، ج ۱،ص ۲۷۱؛ قواعد الأحكام، ج ۱، ص ۲۱۷؛ منتهى المطلب، ج ۲، ص ۳۷۰ ؛ نهاية الإحكام، ج ۱، ص ۱۱۹؛ ذكرى الشيعة، ج ۱، ص ۲۷۶؛ جامع المقاصد، ج ۱، ص ۳۲۸ ؛ مجمع الفائدة و البرهان، ج ۱، ص ۱۵۴، لكن استثنى بعضهم ركعتي الطواف ، و قالوا بوجوب إتيانهما بعد الطهر.
2.حكاه عنهم العلّامة في منتهى المطلب، ج ۲، ص ۳۷۰ ؛ و العيني في عمدة القاري، ج ۳ ، ص ۳۰۰ ؛ و النووى في شرح صحيح مسلم، ج ۴، ص ۲۷؛ و الشوكاني في نيل الأوطار، ج ۱، ص ۳۵۴ ؛ و البهوتي في كشّاف القناع، ج ۱، ص ۲۳۲؛ و ابن قدامة في المغني، ج ۱، ص ۳۱۵ ؛ و عبدالرحمان بن قدامة في الشرح الكبير، ج ۱، ص ۳۱۵ .
3.في الأصل: «قال»، و التصويب من المصدر.
4.هذا هو الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي. و من طريقه رواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۱۶۰، ح ۴۵۷ ؛ وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۳۴۷ ۳۴۸ ، ح ۲۳۳۰.
5.في الأصل: «في المرأة تطلع الفجر»، و التصويب من المصدر.
6.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۳۹۲ ۳۹۳ ، ح ۱۲۱۲؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۱۴۵، ح ۴۹۷ ؛ وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۳۶۶ ، ح ۲۳۸۱؛ و ج ۱۰، ص ۲۳۱، ح ۱۳۲۹۲.
7.تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۳۹۳ ، ح ۱۲۱۶؛ الاستبصار، ج ۱، ص ۱۴۶، ح ۵۰۰ ؛ وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۳۶۷ ، ح ۲۳۸۴.
8.الاستبصار، ج ۱، ص ۱۴۶، ح ۵۰۱ . و رواه أيضا في تهذيب الأحكام، ج ۱، ص ۳۹۳ ۳۹۴ ، ح ۱۲۱۷؛ وسائل الشيعة، ج ۳ ، ص ۴۴۹، ح ۴۱۳۸.
9.هو محمّد بن عليّ بن عمر التميمي المالكي، تقدمت ترجمته.
10.اُنظر: شرح صحيح مسلم للنووي ، ج ۴، ص ۲۶.
11.اُنظر : المجموع للنووي، ج ۳ ، ص ۹؛ حواشي الشرواني و العبادي على تحفة المحتاج، ج ۱، ص ۳۸۸ .
12.لم أعثر عليه.
13.هذا هو الظاهر، و في الأصل «الوضوء» بدل : «الوجوب».
14.هذا هو الظاهر، و في الأصل: «قضاء الصلاة»، و هو تصحيف.
15.في «أ» : «الصوات» . وفي «ب» : «الصواب» . و الصحيح ما اُثبت .
16.الأعراف (۷) : ۱۲؛ ص (۳۸) : ۷۶.
17.ص (۳۸) : ۷۸.
18.السيّد الأجل محمّد باقر بن محمّد الحسيني الإسترآبادي المعروف بالمير الداماد و المحقّق الداماد، محقّق، مدققّ، حكيم، متبحّر، نقّاد، له من المؤلّفات: الاُفق المبين، الحبل المتين، الرواشح السماويّة، شارع النجاة، الصراط المستقيم، ضوابط الرضاع، القبسات، و غير ذلك من الكتب الكثيرة . مات سنة ۱۰۴۰ أو ۱۰۴۱ بالنجف الأشرف و دفن بها. راجع : الكنى و الألقاب ، ج ۲، ص ۲۲۶ ۲۲۷؛ معجم المؤلّفين، ج ۹، ص ۹۳.
19.الأنعام (۶) : ۱.
20.الأنعام (۶) : ۲.
21.لم أعثر عليه.
22.رواه الكليني في الكافي، باب مولد الزهراء فاطمة عليهاالسلام من أبواب التاريخ.
23.الفقيه، ج ۱، ص ۸۹ ، ح ۱۹۴.
24.علل الشرائع، ج ۱، ص ۱۸۱.
25.هذا هو الحديث ۴ من هذا الباب من الكافي.