باب المرأة يرتفع طمثها ثمّ يعود، وحدّ الأياس من الحيض
فيه مسألتان :
الاُولى : المسترابة : وهي الّتي تكون في سنّ من تحيض ولم تحض لعلّة ، ولا ريب في أنّه متى عاد الدم تعمل عمل الحيض ، ويجيء بعض أحكامها في باب العدّة .
الثانية: اختلف أهل العلم في سنّ من تحيض في جانب القلّة والكثرة جميعاً ، أمّا الأوّل فمذهب الأصحاب أجمع أنّه تسع سنين كاملة ؛ ۱ لشهادة العرف بذلك، وبعض الأخبار الواردة في العدد .
واختلفت العامّة فيه على ثلاثة أقوال ، ففي العزيز :
أصحّها أنّه تسع سنين ، فإن رأت الصبيّة دماً قبل استكمال التسع فهو دم فساد.
والثاني : أنّ أوّل وقت الإمكان يدخل بالطعن في السنة التاسعة ، وقد تسمّى حينئذٍ بنت تسع .
والثالث : يدخل بمضى ستّة أشهر من السنة التاسعة .
ثمّ قال :
وقال الأصحاب : المتّبع في وقت الحيض وقدر الوجود فيرجع فيه إلى العرف ؛ لأنّ كلّ ما ورد به الشرع مطلقاً ولم يكن له ضابط في الشرع واللغة يرجع فيه إلى العرف ، وكلّ واحد من أصحاب الوجوه الثلاثة يزعم أنّ ما ذكره قد عُهِد . ۲
وأمّا الثاني فذهب المحقّق في باب الطلاق من الشرائع إلى أنّه خمسون من غير تقييد بغير القرشية والنبطية ، ۳ ونسبه في النافع إلى أشهر الروايتين ، ۴ وبه قال المفيد في المقنعة. ۵
وهو ظاهر خبري البزنطي ۶ وعبد الرحمان بن أبي نجران ، ۷ ومثلهما ما يرويه المصنّف بطريق فيه سهل بن زياد عن عبد الرحمان بن الحجّاج ، قال : قال أبو عبد اللّه عليه السلام : «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال : الّتي لم تحض ومثلها لا تحيض» قال : قلت : وما حدّها؟ قال : «إذا أتى لها أقلّ من ۸ تسع سنين ، والّتي لم يدخل بها ، والّتي قد يئست من المحيض ومثلها لا تحيض» قلت : وما حدّها؟ قال : «إذا كان لها خمسون سنة». ۹
و في باب الحيض من الشرائع جرم بالستّين كذلك من غير تقييد بالقرشيّة و النبطيّة، ۱۰ و نسبه المصنّف قدس سره إلى الرواية. ۱۱
وفي المدارك : «وقد ورد بالستّين رواية اُخرى عن عبد الرحمان بن الحجّاج أيضاً عن الصادق عليه السلام ، ۱۲ وفي طريقها ضعف ». ۱۳
ولم أجد هذه الرواية . ۱۴
وخصّ في المعتبر الستّين بالقرشيّة والروايات الأوّلة بغيرها. ۱۵
ويدلّ عليه مرسلة ابن أبي عمير ۱۶ لما سبق مع ما فيه. واختاره الشيخ أيضاً في المبسوط، ۱۷ وألحق في غيره النبطيّة بها ؛ ۱۸ لاشتراكهما في حرارة المزاج المستتبعة لزيادة مدّة الحيض .
وتبعه على ذلك أكثر المتأخّرين منهم العلّامة في أكثر كتبه ۱۹ ، وحكاه في المنتهى عن أهل المدينة. ۲۰
وقد اعترف جماعة بعدم نصٍّ فيها ، لكن قال المفيد في المقنعة في باب عدد النساء :
وإن كانت قد استوفت خمسين سنة وارتفع عنها الحيض وآيست منه لم تكن عليها عدّة من طلاق . وقد روي أنّ القرشيّة من النساء والنبطيّة تريان الدم إلى ستّين سنة ، فإن ثبت ذلك فعليهما العدّة حتّى تتجاوز الستّين . ۲۱
وظاهره ورود النصّ في النبطيّة أيضاً ، ولم أجده ، وأظنّ أنّ التحديد بالخمسين مطلقاً أو في غير القرشيّة فيما ذكر من الأخبار مبنيّ على الغالب ، فقد أخبرتني جماعة من بنات اثنتين وخمسين سنة ونحوها بتحيّضهن في أيّام عاداتهن من غير تغيير عنها، وكنّ معروفات بغير القرشيّة والنبطيّة .
ونعم ما قال الشيخ في التهذيب في سنّ اليأس من غير تقييد : «وحُدّ ذلك بخمسين سنة ، ۲۲
وأقصاه ستّون سنة »، وما قاله العلّامة في المنتهى :
ولو قيل : اليأس يحصل ببلوغ ستّين أمكن بناءً على الموجود ، فإنّ الكلام مفروض فيما إذا وجد من المرأة دم في زمن عادتها على ما كانت تراه قبل ذلك ، فالوجود هنا دليل الحيض كما كان قبل الخمسين دليلاً . ولو قيل : ليس بحيض مع وجوده وكونه على صفة الحيض كان تحكّماً لا يقبل ، أمّا بعد الستّين فالإشكال زائل للعلم بأنّه ليس بحيض ؛ لعدم الوجود ولما علم من أنّ للمرأة حالاً يبلغها ويحصل معها الإياس ؛ لقوله تعالى : «وَ الَّــ?ى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ»۲۳ . ۲۴
وحكى عن بعض الحنفيّة أنّه سبعون ، وعن بعضهم أنّه قال بأكثر من سبعين . ۲۵
وعن محمّد بن الحسن أنّه قال في نوادر الصلاة : قلت : أرأيت العجوز الكبيرة ترى الدم ، أيكون حيضاً؟ قال : «نعم» . ۲۶
1.المقنعة، ص ۵۳۳ ؛ المراسم، ص ۱۶۷؛ المهذّب، ج ۲، ص ۲۸۴؛ الوسيلة، ص ۵۶ و ۳۲۲ ؛ السرائر، ج ۲، ص ۷۳۲؛ تذكرة الفقهاء، ج ۱، ص ۱۹۸؛ ذكرى الشيعة، ج ۱، ص ۲۲۸.
2.فتح العزيز، ج ۲، ص ۴۱۰. و في المذكور هنا تلخيص و مغايرة جزئيّة في بعض الألفاظ.
3.شرائع الإسلام، ج ۳ ، ص ۵۹۹ .
4.المختصر النافع، ص ۲۰۰، كتاب الطلاق.
5.المقنعة، ص ۵۳۲ .
6.هو الحديث ۲ من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۳۳۵ ۳۳۶ ، ح ۲۲۹۶.
7.كذا في الأصل، و الظاهر أنّه سهو من القلم؛ لأنّ الرواية الدالّة على ذلك رواية عبدالرحمان بن الحجّاج عن أبي عبداللّه عليه السلام . و هو الحديث ۴ من هذا الباب من الكافي، و ليس فيه رواية عن عبدالرحمان بن أبي نجران.
8.في الوسائل : «ما لم تبلغ تسع سنين» بدل «إذا أتى لها أقلّ من تسع سنين» .
9.هذا هو الحديث ۴ من «باب طلاق الّتى لم تبلغ و الّتى قد يئست من المحيض» من الكافي. و من طريقه رواه الشيخ الطوسي في : الاستبصار، ج ۳ ، ص ۳۳۷ ، ح ۱۲۰۲؛ و تهذيب الأحكام، ج ۸ ، ص ۶۷، ح ۲۲۲. وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۳۳۶ ، ح ۲۲۹۹.
10.شرائع الإسلام، ج ۱، ص ۲۴.
11.ذيل الحديث ۲ من هذا الباب من الكافي.
12.تهذيب الأحكام، ج ۷، ص ۴۶۹، ح ۱۸۸۱؛ وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۳۳۷ ، ح ۲۳۰۱؛ و ج ۲۲، ص ۱۸۳، ح ۲۸۳۳.
13.مدارك الأحكام، ج ۱، ص ۳۲۴ ، و الضعف ناش من وجود عليّ بن الحسن بن فضّال، و هو فطحيّ، و طريق الشيخ إليه ضعيف بعليّ بن محمّد بن الزبير. اُنظر : معجم رجال الحديث، ج ۱۱، ص ۳۳۷ ، ترجمة عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضال (۸۰۰۵) .
14.لكنّي وجدته و ذكرت موضعه. راجع تعليق ما قبل المتقدّم .
15.المعتبر، ج ۱، ص ۲۰۰.
16.هي الرواية ۳ من هذا الباب من الكافي. وسائل الشيعة، ج ۲، ص ۳۳۵ ، ح ۲۲۹۵.
17.المبسوط، ج ۱، ص ۴۲.
18.حكاه عنه العلاّمة في منتهى المطلب، ج ۲، ص ۲۷۲، و اختاره في: تبصرة المتعلّمين، ص ۱۳؛ و تحرير الأحكام، ج ۴، ص ۴۵۳ ؛ و القواعد، ج ۳ ، ص ۱۸۳. ولم أعثر على هذا القول في كتب الشيخ الطوسي، نعم يظهر من كلام المفيد في المقنعة، ص ۵۳۲ ، اختياره لذلك.
19.اُنظر التعليق المتقدّم.
20.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۲۷۲. و انظر: المغني لابن قدامة، ج ۱، ص ۳۷۲ ؛ الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامة، ج ۱، ص ۳۱۹ .
21.المقنعة، ص ۵۳۲ .
22.تهذيب الأحكام، ج ۸ ، ص ۱۱۷، ذيل ح ۴۰۴.
23.الطلاق (۶۵) : ۴.
24.منتهى المطلب ، ج ۲ ، ص ۲۷۲ .
25.المصدر السابق.
26.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۲۷۲؛ المبسوط للسرخسي، ج ۳ ، ص ۱۴۹ ۱۵۰.