153
شرح فروع الکافي ج5

باب المحرم يضطرّ إلى الصيد والميتة

قال شيخنا المفيد قدس سره في المقنعة : «من اضطرّ إلى صيد وميتة فليأكل الصيد ويفديه ولا يأكل الميتة ». ۱ و ظاهره عدم جواز أكل الميتة مع القدرة على الصيد، ووجوب الفدية عليه في ذلك الوقت إن قدر عليها، وإلّا ففي وقت القدرة .
ويدلّ عليه إطلاق أخبار الباب، وما رواه الشيخ عن منصور بن حازم، قال : سألته عن محرم اضطرّ إلى أكل الصيد والميتة ، قال : «أيّهما أحبّ إليك أن تأكل من الصيد أو الميتة؟» قلت : الميتة؛ لأنّ الصيد محرّم على المحرم ، فقال : «أيّهما أحبّ إليك أن تأكل من مالك أو الميتة؟» قلت : آكلُ من مالي ، قال : «فكُلْ الصيد وافده» . ۲
وهو ظاهر المصنّف، وبه قال السيّد في الانتصار ۳ محتجّا بإجماع الطائفة، وبأنّ الصيد له فداء يسقط إثمه بخلاف الميتة ، وبالإجماع على حرمة الميتة، بخلاف الصيد فإنّه في الناس مَن يقول: إنّ الصيد ليس بميتة، وأنّه مذكّى وأكله مباح، يعني للمحلّ .
وقال الشيخ في المبسوط : «إذا اضطرّ إلى أكل الميتة والصيد أكل الصيد وفداه ولا يأكل الميتة، فإن لم يتمكّن من الفداء جاز له أكل الميتة ». ۴
وفي النهاية ۵ مثله، وهو منقول عن ابن الجنيد ، ۶ وظاهره القدرة في الوقت ، وصرّح بذلك ابن الجنيد على ما ستعرف، وهو محكي عن ابن البرّاج . ۷
وإنّما قالوا بذلك؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما رواه الشيخ من موثّق إسحاق بن عمّار، عن جعفر، عن أبيه عليهماالسلام: «أنّ عليّا عليه السلام كان يقول : إذا اضطرّ المحرم إلى الصيد وإلى الميتة فليأكل الميتة التي أحلَّ اللّه له» . ۸
وفي الصحيح عن عبد الغفّار الجازيّ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم إذا اضطرّ إلى ميتة فوجدها ووجد صيداً ، فقال : «يأكل الميتة ويترك الصيد»؛ ۹ حملاً لهذين الخبرين على من لا يقدر على الفداء في الوقت ، والأخبار الأوّلة على من قدر عليه فيه .
وربّما جمع بينها بحمل الأوّلة على الصيد المذبوح، والأخيرين على غير المذبوح منه .
ويردّه ما سنرويه عن الصدوق.
وبالوجهين جمع الشيخ بينها في كتابي الأخبار، وحمل في وجه ثالث خبر عليّ عليه السلام على ما إذا لم يجد الصيد، وقال :
ليس في الخبر أنّه إذا اضطرّ إلى الصيد والميتة وهو قادر عليهما متمكّن من تناولهما، وإذا لم يكن في ظاهره حملناه على من لا يجد الصيد ولا يتمكّن من الوصول إليه ويتمكّن من الميتة . ۱۰
وذهب الصدوق في الفقيه إلى التخيير مع رجحان الصيد، فقال :
إذا اضطرّ المحرم إلى صيد وميتة فإنّه يأكل الصيد ويفدي، وإن أكل الميتة فلا بأس ، إلّا أنّ أبا الحسن الثاني عليه السلام قال : «يذبح الصيد ويأكله ويفدي أحبّ إليَّ من الميتة» . ۱۱
واضطرب ابن إدريس هنا، فتارةً رجّح الصيد مع القدرة على الفداء ، واُخرى أكل الميتة مطلقا ، ففي السرائر :
فإذا اضطرّ المحرم إلى أكل الميتة والصيد اختلف أصحابنا في ذلك واختلف الأخبار أيضا، فبعضٌ قال: يأكل الميتة، وبعض قال: يأكل الصيد ويفديه ، وكلّ منهما أطلق مقالته ، وبعض قال: لا يخلو الصيد إمّا أن يكون حيّا أو لا ، فإن كان حيّا فلا يجوز له ذبحه، بل يأكل الميتة؛ لأنّه إذا ذبحه صار ميتة بغير خلاف ، فأمّا إن كان مذبوحا فلا يخلو ذابحه إمّا أن يكون محرما أو محلّاً، فإن كان محرما فلا فرق بينه وبين الميتة، وإن كان ذابحه محلّاً، فإن ذبحه في الحرم فهو ميتة أيضا، وإن ذبحه في الحلّ، فإن كان المحرم المضطرّ قادراً على الفداء أكل الصيد ولم يأكل الميتة، وإن كان غير قادر على فدائه أكل الميتة، وهو الذي يقوى في نفسي؛ لأنّ الأدلّة تعضده وأصول المذهب يؤيّده، وهو الذي اختاره شيخنا أبو جعفر في استبصاره ۱۲ وذكر في نهايته أنّه يأكل الصيد ويفديه ولا يأكل الميتة، فإن لم يتمكّن من الفداء جاز له أن يأكل الميتة . ۱۳
قال محمّد بن إدريس : والأقوى عندي أنّه يأكل الميتة على كلّ حال ؛ لأنّه مضطرّ إليها ولا عليه في أكلّها كفّارة ، ولحم الصيد ممنوع منه لأجل الإحرام على كلّ حال؛ لأنّ الأصل براءة الذمّة من الكفّارة . ۱۴ انتهى .
ولا تظنّنّ احتجاجه على قوله الثاني مصادرة؛ لأنّه رحمه الله عنى به أنّ الآيات الواردة في تحريم الصيد على المحرم وقد سبقت عامّة لجميع الأحوال؛ لعدم استثناء المضطرّ فيها بخلاف آيات تحريم الميتة، فإنّه قد استثنى فيها المضطرّ، وهي قوله سبحانه : «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّه ِ بِهِ » ] إلى أن قال: [ «فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِاءِثْمٍ فَإِنَّ اللّه َ غَفُورٌ رَحِيمٌ»۱۵ ، وقوله عزّ وجلّ : «قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّما عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَما مَسْفُوحا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّه ِ بِهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»۱۶ ، وقوله عزّ وجلّ مشيراً إلى ما ذكر : «فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّه ِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ * وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّه ِ عَلَيْهِ وَقَدْ فُصِّلَ لَكُمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ إِلَا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ»۱۷ . وإنّما قال بذلك مع وجود الأخبار في استثناء المضطرّ بناءً على أصله .
وفي الانتصار :
وربّما رجّحوا الميتة على الصيد بأنّ الحظر في الصيد ثبت من وجوه ، منها : تناوله، ومنها : قتله ، ومنها : أكله ، وليس في الميتة إلّا حظر واحد وهو الأكل ، وهذا ليس بشيء، لأنّا لو فرضنا أنّ رجلاً غصب شاة، ثمّ وقذها وضربها حتّى ماتت، ثمّ أكلها، لكان الحظر هاهنا أيضا من وجوه ، وأنتم مع ذلك لا تفرّقون بين أكل هذه الميتة وبين غيرها عند الضرورة، وتعدلون إليها عن أكل الصيد . ۱۸
ثمّ الظاهر أنّ المراد بالميتة الميتة ممّا يؤكل لحمه، وأنّ الصيد منه بل مطلقا مقدّم على الميتة من غيره بلا شبهة ، وصرّح بذلك ابن الجنيد، فقد قال على ما حكي عنه :
وإذا اضطرّ المحرم المطيق للفداء إلى الميتة والصيد أكل الصيد وفداه، وإن كان في الوقت من لا يطيق الجزاء أكل الميتة التي كان مباحا أكلها بالذكاة، فإن لم يكن كذلك أكل الصيد . ۱۹

1.المقنعة، ص ۴۳۸.

2.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۳۶۸، ح ۱۲۸۲؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۰۹، ح ۷۱۳؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۸۷ ، ح ۱۷۳۰۳.

3.الانتصار، ص ۲۵۱.

4.المبسوط للطوسي، ج ۱، ص ۳۴۹.

5.النهاية، ص ۲۳۰.

6.مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۱۳۵.

7.المهذّب، ج ۱، ص ۲۳۰.

8.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۳۶۸، ح ۱۲۸۴؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۰۹، ح ۷۱۵؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۸۷ ، ح ۱۷۳۰۵.

9.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۳۶۹، ح ۱۲۸۶؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۱۰، ح ۷۱۷؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۸۷ ـ ۸۸ ، ح ۱۷۳۰۶.

10.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۳۶۸، ذيل الحديث ۱۲۸۴؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۰۹، ذيل الحديث ۷۱۵.

11.الفقيه، ج ۲، ص ۳۷۳، ح ۲۷۳۳.

12.الاستبصار، ج ۲، ص ۲۰۹، باب من اضطرّ إلى أكل الميتة والصيد.

13.النهاية، ص ۲۳۰. ومثله فيالمبسوط، ج ۱، ص ۳۴۹.

14.السرائر، ج ۱، ص ۵۶۸ .

15.المائدة (۵) : ۳ .

16.الأنعام (۶) : ۱۴۵ .

17.الأنعام (۶) : ۱۱۸ ۱۱۹ .

18.الانتصار، ص ۲۵۱، المسألة ۱۳۴.

19.حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۱۳۵.


شرح فروع الکافي ج5
152
  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 228373
صفحه از 856
پرینت  ارسال به