باب المحرم يصيد الصيد من أين يفديه؟ وأين يذبحه؟
يعني من أين يشتري الفداء؟ وأين يذبحه ؟ ويريد بيان أنّه يشتري فداء الصيد من موضع الإصابة مع الإمكان ويذبحه بمكّة في إحرام العمرة أينما شاء من مكّة ، والأفضل وقوعه في الحزورة ۱ وبمنى في إحرام الحجّ ، أمّا الأوّل فهو مستحبّ على ما يظهر من خبر زرارة، ۲ وصرّح بذلك الشيخ في التهذيب حيث قال :
قوله عليه السلام : «وإن شاء تركه إلى أن يقدر فيشتريه» رخصة لتأخير شراء الفداء إلى مكّة أو منى؛ لأنّ من وجب عليه كفّارة الصيد فإنّ الأفضل أن يفديه من حيث أصابه .
واحتجّ عليه بقوله عليه السلام : «يفدي المحرم فداء الصيد من حيث صاد» ، ۳ وحملاً لقوله : «يفدي» على معنى يشتري الفداء كما أشرنا إليه .
وفي الدروس: «وأوجب الحلبيّ ۴ سياق الفداء من حيث قتل الصيد إلى محلّه، فإن تعذّر فمن حيث أمكن ». ۵
وأمّا الثاني فهوالمشهور بين الأصحاب، منهم الشيخان، ۶ والمنقول عن أبي الصلاح ۷ وابن البرّاج ۸ وسلّار. ۹
ولم يفرّق أكثرهم في العمرة بين المفردة وعمرة التمتّع، ولا في الفدية بين جزاء الصيد وباقي محرّمات الإحرام .
وفصّل ابن إدريس بين العمرتين، فأوجب ذبح ما وجب في عمرة التمتّع أيضا بمنى كما وجب في الحجّ ، ففي السرائر :
من وجب عليه جزاء ] صيد] ۱۰ أصابه وهو محرم، فإن كان حاجّا أو معتمراً عمرة متمتّعا بها إلى الحجّ نحر أو ذبح ما وجب عليه بمنى ، وإن كان معتمراً عمرة مبتولة نحر بمكّة أو ذبح قبالة الكعبة، فإن أراد أن ينحر أو يذبح بمنى نحر أيّ مكان شاء منها، وكذلك بمكّة ينحر حيث شاء ، غير أنّ الأفضل أن ينحر قبالة الكعبة في الموضع المعروف بالحزورة . ۱۱
وعن عليّ بن بابويه أنّه فرّق في خصوص جزاء الصيد بين العمرتين، فخيّر في عمرة التمتّع بين ذبح الجزاء بمكّة أو منى، فقال :
كلّ ما أتيته من الصيد في عمرة أو متعة فعليك أن تنحر أو تذبح ما يلزمك من الجزاء بمكّة عند الحزورة قبالة الكعبة موضع النحر ، وإن شئت أخّرته إلى أيّام التشريق فتنحره بمنى إذا وجب عليك في متعة ، وما أتيته ممّا يجب عليك فيه الجزاء في حجّ فلا تنحره إلّا بمنى . ۱۲
وعن ابن البرّاج أنّه قال بذلك التخيير في خصوص جزاء غير الصيد في العمرة المفردة، وأنّه قال :
كلّ من كان محرما بالحجّ وَ وجب عليه جزاء صيد أصابه وأراد ذبحه أو نحره فليذبحه أو ينحره بمنى، وإن كان معتمراً فعل ذلك بمكّة، أيّ موضع شاء منها، والأفضل أن يكون فعله ذلك بالحزورة مقابل الكعبة، وما يجب على المحرم بعمرة مفردة من كفّارة ليست كفّارة صيد فإنّه يجوز له ذبحها أو نحرها بمنى . ۱۳
وإليه ذهب الشيخ في التهذيب حيث ذكر أوّلاً المذهب المشهور وأخباره، ثمّ عارضها بصحيحة منصور بن حازم، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن كفّارة العمرة المفردة، أين تكون؟ فقال : «بمكّة، إلّا أن يشاء صاحبها أن يؤخّرها إلى منى ويجعلها بمكّة أحبّ إليّ وأفضل» . ۱۴
وأجاب عنها بأنّ هذا الخبر رخصة لما يجب من الكفّارة في غير الصيد ، فأمّا ما يجب في كفّارة الصيد فإنّه لا ينحر إلّا بمكّة . واحتجّ عليه بمرسلة أحمد بن محمّد . ۱۵
هذا ، ويدلّ على المشهور في خصوص جزاء الصيد صحيحة عبداللّه بن سنان ۱۶ وخبر زرارة ۱۷ ولم أجد لهم مستنداً في جزاء غير الصيد ، وكأنّهم حملوه على جزائه.
وقوله تعالى في جزاء الصيد «هَدْيا بَالِغَ الْكَعْبَةِ» وقوله : «ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ»۱۸ يقتضي جوازه بمكّة مطلقا، فلا يبعد حمل ما دلّ على ذبحه بمنى على الاستحباب ولو كان جزاء صيد وجب في الحجّ ، فتدبّر .
واختلف العامّة أيضا في محلّه ، فعن الشافعيّ أنّه الحرم مطلقا وعدم جوازه في غيره ولو كان موضع السبب . وعن أحمد جوازه في موضع السبب ۱۹ محتجّا بأنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر كعب بن عجرة بالفداء في الحديبيّة، ۲۰ ولم يأمره بالبعث .
واُجيب بأن أمره صلى الله عليه و آله بالفداء في الحديبيّة لا يستلزم ذبحه بها . ۲۱
هذا كلّه في ما عدا ما يجب على المحصور والمصدود من الهدي، وقد سبق حكم ما يجب عليهما .
1.الحزورة وزان قسورة ـ : موضع كان به سوق مكّة بين الصفا والمروة قريب من موضع النخّاسين. مجمع البحرين، ج ۱، ص ۵۰۰ (حزر)؛ معجم البلدان، ج ۲، ص ۲۵۵.
2.. الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي. ورواه الشيخ في التهذيب، ج ۵ ، ص ۳۷۳، ح ۱۳۰۰؛ والاستبصار، ج ۲، ص ۲۱۲، ح ۷۲۳؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۹۵ ۹۶، ح ۱۷۳۲۷.
3.كذا بالأصل، وفي المصدر: «حيث أصابه». تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۳۷۳.
4.الكافي في الفقه، ص ۱۹۹ ۲۰۰.
5.الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۳۶۲، الدرس ۹۵.
6.ذهب إليه الشيخ المفيد في المقنعة، ص ۴۳۸؛ والشيخ الطوسي في المبسوط، ج ۱، ص ۳۴۵؛ والنهاية، ص ۲۲۶.
7.الكافي في الفقه، ص ۲۰۰.
8.المهذّب، ج ۱، ص ۲۳۰.
9.المراسم العلويّة، ص ۱۲۱.
10.اُضيفت من المصدر.
11.السرائر، ج ۱، ص ۵۶۴ .
12.حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۱۷۹ ۱۸۰ . وتجد قريبا منها في فقه الرضا عليه السلام ، ص ۲۲۱.
13.المهذّب، ج ۱، ص ۲۳۰.
14.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۳۷۴، ح ۱۳۰۳. ورواه أيضا في الاستبصار، ج ۲، ص ۲۱۲، ح ۷۲۵؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۹۶، ح ۱۷۳۲۹.
15.وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۹۶، ح ۱۷۳۲۸، وقد تقدّم الحديث.
16.هي الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي. ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج ۵، ص ۳۷۳، ح ۱۲۹۹؛ والاستبصار، ج ۲، ص ۲۱۱، ح ۷۲۲. وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۹۵، ح ۱۷۳۲۶.
17.هو الحديث الرابع من هذا الباب. ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۳۷۲، ح ۱۳۰۰؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۱۲، ح ۷۲۳. وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۹۵ ـ ۹۶، ح ۱۷۳۲۷.
18.الحجّ (۲۲): ۳۳.
19.اُنظر: المغني لابن قدامة، ج ۳، ص ۵۶۹ ؛ فتح العزيز، ج ۸ ، ص ۸۷ ۸۸ ؛ الشرح الكبير، ج ۳، ص ۳۴۷.
20.صحيح البخاري، ج ۲، ص ۲۰۸. وقد تقدّم الحديث.
21.تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۲۵۳.