باب المحرم يصيب الصيد في الحرم
قال شيخنا المفيد قدس سره في المقنعة : «والمحرم إذا صاد في الحلّ كان عليه الفداء، و إذا صادَ في الحرم كان عليه الفداء والقيمة»؛ ۱ لتعدّد المسبّبات بتعدّد الأسباب، ولأخبار متظافرة ، منها : ما رواه المصنّف في الباب .
ومنها : ما رواه الشيخ في الحسن عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قلت له : محرم قتل طيراً فيما بين الصفا والمروة عمداً ، قال : «عليه الفداء والجزاء ويعزّر »، قلت : فإنّه قتله في الكعبة عمداً؟ قال : «عليه الفداء والجزاء ويُضرب دون الحدّ، ويُقلب للناس كي ينكل غيره ». ۲
وعن يزيد بن عبد الملك، عن أبي عبداللّه عليه السلام في رجل مرّ وهو محرم في الحرم، فأخذ عنزة ظبية، فاحتلبها وشرب لبنها؟ قال : «عليه دم وجزاء الحرم ثمن اللبن ». ۳
وقيل : يتضاعف عليه الفداء المقدّر للإحرام، حكاه في المختلف ۴
عن ابن الجنيد، وكأنّه تمسّك في ذلك بما رواه الشيخ عن معاوية بن عمّار عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «فإن أصبته وأنت حلال في الحرم فعليك قيمة واحدة، وإن أصبته وأنت حرام في الحلّ فعليك القيمة ، وإن أصبته وأنت حرام في الحرم فعليك الفداء مضاعفا ». ۵
ففيه: أنّه مع ضعفه لوجود إبراهيم بن أبي سمال في طريقه، وهو كان واقفيّا مجهول الحال، ۶ وعدم قابليّته للمعارضة، يحتمل أن يراد بالفداء فيه ما يعمّ القيمة، بل ظاهره اختصاصه بها، فلا يتمّ التقريب .
وحكاه فيه عن أحد قولي السيّد أيضا.
وكأنّه أشار بذلك إلى ما قال في الانتصار من قوله : «وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ المحرم إذا صاد في الحرم تضاعفت عليه الفدية ». ۷
وفيه: أنّ الظاهر أنّه أراد بالفدية المعنى العام، بدليل أنّه قال في الاحتجاج عليه :
والوجه في ذلك بعد إجماع الطائفة المحقّة أنّه قد جمع بين وجهين يقتضي كلّ واحدٍ منهما الفداء، وهو الصيد مع الإحرام ثمّ إيقاعه في الحرم ، ألا ترى أنّ المحرم إذا صاد في غير الحرم تلزمه الفدية، والحلال إذا صاد في الحرم لزمته الفدية، فاجتماع الأمرين يوجب اجتماع الجزائين. ۸
فتأمّل .
وحكى فيه عنه قولاً ثانيا أنّه يجب عليه الفداء والقيمة أو القيمة مضاعفة ، ۹ ولعلّه جمع بذلك بين ما ذكر من الأخبار الأوّلة، وبين ما دلّ على وجوب القيمة مضاعفة ، رواه الشيخ مرسلاً عن سليمان بن خالد، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام : ما في القمريّ والزنجيّ ۱۰ والسمانيّ والعصفور والبلبل؟ قال : «قيمته، فإن أصابه المحرم في الحرم فعليه قيمتان، ليس عليه دم ». ۱۱
وعن معاوية بن عمّار، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول في محرم اصطاد طيراً في الحرم، فضرب به الأرض فقتله ، قال : «عليه ثلاث قيمات : قيمة لإحرامه، وقيمة للحرم، وقيمة لاستصغاره [ إيّاه ] »، ۱۲ وهما مع عدم صحتهما مخالفان للقاعدة أيضا.
وهو ظاهر ابن إدريس، فإنّه قال في السرائر : «وإذا صاد المحرم في الحرم كان عليه جزاءان، أو القيمة مضاعفة إن كان له قيمة منصوصة ». ۱۳
وهؤلاء أطلقوا القول بالتضاعف من غير تقييد بما لم يبلغ الفداء بدنة ، وصرّح ابن إدريس بالتعميم، وظاهر ابن أبي عقيل عدم التضاعف مطلقا، حيث قال على ما حكي عنه ـ : «من قتل حمامة في الحرم وهو محرم فعليه شاة»، ۱۴
والظاهر أنّه يحكم بأكثر الكفّارتين .
وفصل الشيخ في التهذيب ۱۵ والمبسوط ۱۶ والنهاية، ۱۷ فحكم بالتضاعف ما لم يبلغ الفداء الإحرامى¨ بدنة ، وتبعه على ذلك أكثر المتأخّرين ۱۸ متمسّكين بمرسل الحسن بن عليّ، ۱۹ و هو مع عدم صحّته وعدم قابليّته لتخصيص الأخبار المتظافرة مخالف للقاعدة أيضا ، فتأمّل .
وظاهر الخبر اعتبار بلوغ الفداء نفس البدنة، فلا يسقط التضاعف على القول بسقوطه لو بلغ قيمتها؛ لإطلاق أدلّة التضاعف من غير مخصّص هذا التخصّص .
وفي الدروس :
لو لزمه أرش نعامة وهو محرم في الحرم ففي تضاعف القيمة هنا على القول بعدمه فيما يبلغ بدنة نظر، من المساواة بين الجزء و كلّه، ومن عدم بلوغ البدنة، وهو قوّي . ۲۰
وفي المسالك : المراد ببلوغ البدنة نفسها أو قيمتها. ۲۱
ولا يلحق بالبدنة أرشها ، فتدبّر .
1.المقنعة، ص ۴۳۸ .
2.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۳۷۱، ح ۱۲۹۱؛ و هذا هو الحديث السادس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۸۹ ، ح ۱۷۳۰۹ .
3.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۳۷۱، ح ۱۲۹۲، وص ۴۶۶، ح ۱۶۲۷؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۹۰، ح ۱۷۳۱۲ .
4.مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۱۲۶.
5.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۳۷۰، ح ۱۲۸۸؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۷۰، ح ۱۷۲۵۵ .
6.رجال الطوسي، ص ۳۳۲، الرقم ۴۹۵۳ .
7.الانتصار، ص ۲۴۹.
8.نفس المصدر.
9.جمل العلم والعمل (رسائل المرتضى، ج ۳، ص ۷۲) وفيه: «... كان عليه الفداء والقيمة مضاعفة».
10.كذا بالأصل والمصدر، وفي وسائل الشيعة: «الدبسي» ومثله في الكافي، باب كفارة ما أصاب المحرم من الصيد، ح ۷، وهو طائر صغير منسوب إلى دِبس الرطب: والأدبس من الطير الذي لونه غمبرة بين السواد والحمرة، وهذا النوع قسم من الحمام البرّي. مجمع البحرين، ج ۲، ص ۹ (دبس).
11.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۳۷۱، ح ۱۲۹۳، وص ۴۶۶، ۱۶۳۰؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۹۰، ح۱۷۳۱۳ .
12.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۳۷۰ ۳۷۱، ح ۱۲۹۰؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۹۱، ح ۱۷۳۱۵، ومابين الحاصرتين منهما .
13.السرائر، ج ۱، ص ۵۶۳ .
14.حكاه عنه العلّامة في مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۱۲۷.
15.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۳۷۱، ذيل الحديث ۱۲۹۳ .
16.المبسوط للطوسي، ج ۱، ص ۳۴۲.
17.النهاية، ص ۲۲۶.
18.اُنظر: المختصر النافع، ص ۱۰۵؛ تبصرة المتعلّمين، ص ۹۳؛ قواعد الأحكام، ج۱، ص ۴۶۶ ۴۶۷؛ تحرير الأحكام، ج ۲، ص ۵۰ ؛ مسالك الأفهام، ج ۲، ص ۴۳۶؛ جامع المقاصد، ج ۳، ص ۳۳۵.
19.الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۹۲، ح ۱۷۳۱۶ .
20.الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۳۶۲، الدرس ۹۵.
21.مسالك الأفهام، ج ۲، ص ۴۶۵ .