239
شرح فروع الکافي ج5

باب من طاف فاختصر في الحجر

قد عرفت وجوب إدخال حجر إسماعيل عليه السلام في الطواف إجماعا، فلو اختصر الشوط وطاف من داخل الحجر أعاد ذلك الشوط؛ لما رواه المصنّف في الباب، والصدوق في الصحيح عن الحلبيّ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : رجل طاف بالبيت واختصر شوطا واحداً في الحجر، كيف يصنع؟ قال : «يعيد الطواف الواحد ». ۱
وعن إبراهيم بن أبي سفيان، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام : امرأة طافت طواف الحجّ، فلمّا كانت في الشوط السابع اختصرت، فطافت في الحجر، وصلّت ركعتي الفريضة وسعت وطافت طواف النساء، ثمّ أتت منى ، فكتب عليه السلام : «تعيد ». ۲
وإنّما شرع إدخال الحجر في الطواف لحرمة مَن به من الأنبياء وهاجر، لا لكون الحجر أو شيء من البيت؛ لعدم دليل عليه يعتدّ به ، بل قد روي عن الأئمّة عليهم السلام أنّه ليس من البيت ولا قلامة ظفر منه ، وأهل البيت هم أدرى بما فيه ، رواه المصنّف قدس سرهفي الصحيح عن معاوية بن عمّار، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن الحجر، أمِنَ البيت هو أو فيه شيء من البيت؟ فقال : «لا ولا قلامة ظفر ، ولكن إسماعيل دفن اُمّه فيه فكَرِه أن توطأ فحجّر عليه حجيراً، وفيه قبور الأنبياء ». ۳
وروى الشيخ في الصحيح عن زرارة عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : سألته عن الحجر، هل فيه شيء من البيت؟ قال : «لا ولا قلامة ظفر ». ۴
وفي الموثّق عن يونس بن يعقوب، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي كنت اُصلّي في الحجر، فقال لي رجل : لا تصلِّ المكتوبة في هذا الموضع، فإنّ الحجر من البيت ، فقال : «كذب صلِّ فيه حيث شئت». ۵
وهذا هو المشهور والمذهب المنصور ، بل كاد أن يكون إجماعا .
وقال جدّي قدس سره في شرح الفقيه : «وما ذكره بعض الأصحاب من أنّ الحجر من البيت محمول على السهو أو على عدم التتبّع» ۶ ولم أعثر على قائله . ۷
وزعم العامّة أكثرهم دخول الحجر كلّه في البيت، وبعضهم دخول نحو من ستّة أذرع منه فيه ، وفرّعوا على ذلك إدخال الحجر كلّه أو هذا القدر منه في الطواف ، ففي العزيز :
ينبغي أن يدور في طوافه حول الحجر الذي ذكرنا أنّه بين الركنين الشاميّين، وهو موضع محوّط عليه بجدار قصير، بينه وبين كلّ واحد من الركنين فتحة . وكلام جماعة من الأصحاب يقتضي كون جميعه من البيت، وهو ظاهر لفظ المختصر ، لكنّ الصحيح أنّه ليس كذلك بل الذي هو من البيت منه قدر ستّة أذرع متّصل بالبيت ، روي أنّ عائشة قالت: نذرت أن اُصلّي ركعتين في البيت، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «صلِّي في الحجر، فإنّ ستّة أذرع منه من البيت »، ومنهم من يقول: ستّة أذرع أو سبعة، كأنّ الأمر فيه على التقريب ، ولفظ المختصر محمول على هذا القدر ، فلو دخل إحدى الفتحتين وخرج من الاُخرى فهو ماش في البيت، لا يحسب له ذلك، ولو خلف القدر الذي هو من البيت، ثمّ اقتحم الجدر وتخطّى الحجر على السمت صحّ طوافه . ۸ انتهى .
وروى البخاريّ بإسناده عن الأسود بن يزيد، عن عائشة، قالت : سألت النبيّ صلى الله عليه و آله عن الجَدر أمن البيت هو؟ قال : «نعم »، قلت : فما لهم لم يدخلوه في البيت؟ قال : «إنّ قومك قصرت بهم النفقة »، قلت : فما شأن بابه مرتفعا؟ قال : «فعل ذلك قومك يدخلوه مَن شاؤوا، ولولا أنّ قومك حديثوا عهد بالجاهليّة فأخاف أن تنكر قلوبهم أن اُدخل الجَدْر في البيت وأن ألصق بابه بالأرض ». ۹
وبإسناده عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، قالت : قال لي رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «لولا حداثة قومك بالكفر لنقضت البيت، ثمّ لبنيته على أساس إبراهيم، فإنّ قريشا استقصرت بناءه وجعلت له خَلفا ».
وقال أبو معاوية : حدّثنا هشام خلفا يعني بابا . ۱۰
وبإسناده عن سالم بن عبداللّه : أنّ عبداللّه بن محمّد بن أبي بكر أخبر عبداللّه بن عمر عن عائشة: أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال لها : «ألم تري أنّ قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم»؟ فقلت : يا رسول اللّه ، ألا تردّها على قواعد إبراهيم؟ قال : «لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت ».
قال عبداللّه : لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ما أرى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ترك استلام الركنين اللذين يليان الحجر، إلّا أنّ البيت لم يتمّ على قواعد إبراهيم . ۱۱
وبإسناده عن جرير بن حاتم، عن يزيد بن رومان، عن عائشة: أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله قال لها : «يا عائشة، لولا أنّ قومك حديثوا عهدٍ بالجاهليّة لأمرت بالبيت فهُدِم، فأدخلت فيه ما اُخرج منه وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين بابا شرقيّا وبابا غربيّا، فبلغت به أساس إبراهيم ». فذلك الذي عمل ابن الزبير على هدمه .
قال يزيد : وشهدت ابن الزبير حين هدمه بناه وأدخل فيه من الحجر ، وقد رأيت أساس إبراهيم حجارة كأسنمة الإبل .
قال جرير : قلت : فأين موضعه؟ قال : أريكه الآن ، فدخلت معه الحجر، فأشار إلى مكان فقال : هاهنا ، قال جرير : فحرزت من الحجر ستّة أذرع أو نحوها . ۱۲
وقد سبق منّا روايات اُخر عنهم في هذا المعنى كلّها ينتهي إلى عائشة، والشجرة تنبئ عن الثمرة .
قوله في حسنة حفص بن البختريّ : (يقضي ما اختصر من طوافه) .[ ح 1 / 7565] الطواف في هذا الخبر ونظائره: الشوط، كما قال جدّي قدس سره في شرح الفقيه ، ۱۳ ويشعر بذلك قوله عليه السلام : «ما اختصر »، وقوله عليه السلام : «يعيد الطواف الواحد» في جواب قول السائل : واختصر شوطا واحداً، ۱۴ صريح فيه، وإطلاق الطواف على الشوط منه شائع ، بل هو أفصح من الشوط على ما قال الشيخ قدس سره في الخلاف: «الأفضل أن يقال: طواف، وطوافان، وثلاثة أطواف، وإن قال شوطا وشوطين وثلاثة أشواط جاز ». ۱۵
وحكي عن الشافعيّ ومجاهد أنّهما كرها ذكر الشوط ، ۱۶ وظاهره أنّهما أرادا بالكراهة عدم الجواز، حيث احتجّ على ما ذهب إليه بأصل الإباحة بعد الإجماع ، فالزيادة الواقعة في الطواف بهذا الشوط المختصر مفقودة .

1.الفقيه، ج ۲، ص ۳۹۸، ح ۲۸۰۶. ورواه الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۰۹، ح ۳۵۳؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۳۵۶، ح ۱۷۹۳۸ .

2.الفقيه، ج ۲، ص ۳۹۹، ح ۲۸۰۸؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۳۵۷، ح ۱۷۹۴۱ .

3.الكافي، باب حج إسماعيل و إبراهيم و... ، ح ۱۵؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۳۵۳، ح ۱۷۹۲۸.

4.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۴۶۹، ح ۱۶۴۳؛ وسائل الشيعة، ج ۵ ، ص ۲۷۶، ح ۶۵۳۵ ؛ وج ۱۳، ص ۳۵۵، ح ۱۷۹۳۳ .

5.تهذيب الأحكام، ج ۴، ص ۴۷۴، ح ۱۶۷۰؛ وسائل الشيعة، ج ۵ ، ص ۲۷۶، ح ۶۵۳۴ .

6.روضة المتّقين، ج ۴، ص ۱۷.

7.نسبه الشهيد قدس سره في الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۳۹۴، الدرس ۱۰۳ إلى المشهور.

8.فتح العزيز، ج ۷، ص ۲۹۶ ۲۹۷.

9.صحيح البخاري، ج ۲، ص ۱۵۶ كتاب الحجّ؛ وج ۸ ، ص ۱۳۲، كتاب التمنّي. ورواه مسلم في صحيحه، ج ۴، ص ۱۰۰؛ والبيهقي في السنن الكبرى، ج ۵ ، ص ۸۹ ، باب موضع الطواف.

10.صحيح البخاري، ج ۲، ص ۱۵۶. ورواه مسلم في صحيحه، ج ۴، ص ۹۷؛ وأحمد في مسنده، ج ۶ ، ص ۵۷ ؛ والدرامي في السنن، ج ۲، ص ۵۳ ۵۴ ؛ والنسائي في السنن، ج ۵ ، ص ۲۱۵؛ وفي السنن الكبرى، ج ۲، ص ۳۹۱، ح ۳۸۸۵ .

11.صحيح البخاري، ج ۲، ص ۱۵۶، كتاب الحجّ؛ وج ۴، ص ۱۱۸، كتاب بدء الخلق؛ و ج۵ ، ص ۱۵۰، كتاب تفسير القرآن؛ ورواه الشافعيّ في مسنده، ص ۱۲۹، كتاب المناسك؛ و أحمد في مسنده، ج ۶ ، ص ۱۱۳ و ۱۷۷ و ۲۴۷؛ ومسلم في صحيحه، ج ۴، ص ۹۷؛ و النسائي في السنن الكبرى، ج ۲، ص ۳۹۱، ح ۳۸۸۳؛ وج ۶ ، ص ۲۹۰، ح ۱۰۹۹۹.

12.صحيح البخاري، ج ۲، ص ۱۵۷؛ و رواه البيهقي في السنن الكبرى، ج ۵ ، ص ۸۹ ، باب موضع الطواف.

13.روضة المتّقين، ج ۴، ص ۵۵۱ .

14.هذه العبارات من رواية الصدوق في الفقيه، ج ۲، ص ۳۹۸، ح ۲۸۰۶؛ والشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۰۹، ح ۳۵۳. وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۳۵۶، ح ۱۷۹۳۸.

15.الخلاف، ج ۲، ص ۳۲۲، المسألة ۱۲۸.

16.المجموع للنووي، ج ۸ ، ص ۵۵ ۵۶ .


شرح فروع الکافي ج5
238
  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 184200
صفحه از 856
پرینت  ارسال به