27
شرح فروع الکافي ج5

باب المحرم يغطّي رأسه أو وجهه متعمِّدا أو ناسيا

لقد أجمع أهل العلم إلّا ما سيحكي على أنّه يحرم من المحرم تغطية الرأس عمدا دون الوجه ، وعلى المحرمة بالعكس .
ويدلّ عليه زائدا على ما رواه المصنّف في الباب ما رواه سابقا في حسنة عبداللّه بن ميمون، عن أبي جعفر عليه السلام ، ۱ وما رواه الشيخ في الصحيح عن حريز ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن محرم غطّى رأسه ناسيا، قال: «يلقي القناع عن رأسه ويلبّي، ولا شيء عليه». ۲
وعن ابن مسكان ، قال : حدّثني زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : المحرم يقع على وجهه الذباب حين يريد النوم ، أيغطّي وجهه إذا أراد أن ينام؟ فقال : «نعم» . ۳
وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن حريز أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم ينام على وجهه وهو على راحلته ، فقال : «لا بأس بذلك» . ۴
وعن منصور بن حازم ، قال : رأيت أبا عبداللّه عليه السلام وقد توضّأ وهو محرم ، ثمّ أخذ منديلاً فمسح به وجهه . ۵
ومن طريق العامّة عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال : «إحرام الرجل في رأسه ، وإحرام المرأة في وجهها» . ۶
وعنه صلى الله عليه و آله أنّه نهى عن العمائم والبرانس . ۷
وعن ابن عبّاس أنّ محرما وقصت ۸ به ناقته غداة عرفة فمات ، فقال النبيّ صلى الله عليه و آله : «خمِّروا وجهه ولا تخمّروا رأسه ، فإنّه يبعث يوم القيامة ملبّيا» . ۹
وحكي عن ابن أبي عقيل أنّه قال : «لا يغطّي المحرم وجهه أيضا ، وإن فعل فعليه أن يطعم مسكينا في يده» ۱۰ ، تعويلاً على صحيحة الحلبيّ ، قال : «المحرم إذا غطّى وجهه فليطعم مسكينا في يده» . قال : «ولا بأس أن ينام المحرم على وجهه على راحلته» ۱۱ ، وهو محكي عن أبي حنيفة أيضا محتجّا بما حكيناه عن ابن عبّاس بزيادة «وجهه» عطفا على «رأسه» . ۱۲
والجواب عن الصحيحة على تقدير استناده إلى معصوم بإمكان حمل الأمر فيها على الاستحباب ، ويؤيّده آخر الخبر .
على أنّ وجوب الفدية ليس مستتبعا لحرمة التغطية ، بل يجامع جوازها كما ذهب إليه الشيخ في التهذيب ، فإنّه قال : «تغطية الوجه مع الاختيار جائز ، غير أنّه تلزمه الكفّارة ، ومتى لم ينو الكفّارة لم يجزئه ذلك» ۱۳ ، واحتجّ عليه بهذا الخبر .
وعن خبر ابن عبّاس أنّه خلاف المشهور في نقله ، بل المشهور فيه ما نقلناه أوّلاً ، وعلى تقدير صحّة النقل يحتمل أن يكون المراد النهي عن تخمير مجموع الرأس والوجه ، بل هو الظاهر ؛ لقوله : «خمّروا وجهه» في آخر الخبر .
هذا ، ويجوز للمرأة سدل القناع على وجهها إلى طرف أنفها منفرجا عنه على ما هو المشهور بين الأصحاب .
قال العلّامة في المنتهى :
ولو احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها سدلت ثوبها من فوق رأسها على وجهها إلى طرف أنفها ، ولا نعلم فيه خلافا . وروى ذلك عن عثمان وعائشة ، وبه قال عطاء ومالك والثوريّ والشافعيّ وأحمد وإسحاق ومحمّد بن الحسن ۱۴ ؛ لما رواه الجمهور عن عائشة ، قالت : كان الركبان يمرّون بنا ونحن محرمات مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله فإذا جاوزنا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها ، فإذا جاوزنا كشفناه . ۱۵
ومن طريق الخاصّة ما رواه ابن بابويه في الصحيح عن حريز ، قال : قال أبو عبداللّه عليه السلام : «تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن» . ۱۶
وفي الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه قال : «تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها إلى النحر إذا كانت راكبة» ۱۷ . ۱۸
والمشهور بين الأصحاب شمول التغطية والستر لوضع اليد والشعر ونحوهما ؛ للعرف والعمومات ، خلافا للشيخ في المبسوط حيث قال : «فإن غطّاه يعني رأسه بيده أو شعره لم يكن عليه شيء» . ۱۹
وبه قال العلّامة أيضا في المنتهى ۲۰ معلّلاً بأنّ الستر بما هو متّصل به لا يثبت له حكم الستر ؛ ولهذا لو وضع يده على فرجه لم يجزه في الستر ولأنّ المحرم مأمور بمسح رأسه في الطهارة . وأيّده بصحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حرّ الشمس» . وقال : «لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض» . ۲۱
وقال الشهيد قدس سره في الدروس : «جوّز الفاضل ستر رأسه بيده لرواية معاوية : «لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض» وليس صريحا في الدلالة ، والأولى المنع» . ۲۲ انتهى .
ولا يبعد تأييده بصحيحة حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إذا اغتسل المحرم للجنابة صبّ على رأسه الماء ، وميّز الشعر بأنامله بعضه من بعض» . ۲۳
واعلم أنّ المشهور بين الأصحاب وجوب فدية شاة لتغطية الرأس للرجل ، بل يظهر من المنتهى قول علماء الإسلام به ، حيث قال : «مَن غطّى رأسه وهو محرم وجب عليه دم شاة ، ولا نعلم فيه خلافا» . ۲۴
ولم يتعرّض جماعة منهم المحقّق ۲۵ والشهيد في اللمعة ۲۶ للفدية لها رأسا ، و لولا الإجماع لأمكن القول بعدم وجوبها ؛ لأصالة العدم وعدم دليل صالح عليه ، وكأنّهم تمسّكوا فيه بمفهوم صحيح حريز قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن محرم غطّى رأسه ناسيا ، قال : «يلقي القناع عن رأسه يلبّي ، ولا شيء عليه» ۲۷ وهو مع ضعفه لكونه من كلام السائل ، لا يدلّ على المدّعى .
وفي حكمه الارتماس وتغطية المرأة وجهها من شهرة وجوب الشاة وعدم نصّ ، وسكوت بعض الأصحاب عنه ، وظاهر الأصحاب وفاقهم على تحريم ستر بعض الرأس أيضا عليه .
واحتجّ عليه في المنتهى بأنّ النهي عن إدخال الشيء في الوجود يستلزم النهي عن إدخال أبعاضه فيه ، وقال : «ولهذا لمّا حرّم اللّه تعالى حلق الرأس تناول تحريم حلق بعضه». ۲۸
واستثنوا مواضع : أحدها : ستره بعصام القربة ؛ لما رواه الصدوق في الصحيح عن محمّد بن مسلم أنّه سأل أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه إذا استسقي ، فقال : «نعم» . ۲۹
وثانيها : تعصيبه بعصابة الصداع وبعصابة القروح والجروح ؛ لصحيحة معاوية بن وهب، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «لا بأس أن يعصّب المحرم رأسه من الصداع» . ۳۰
أو لما رواه الصدوق رضى الله عنهقال : وسأل يعقوب بن شعيب أبا عبداللّه عليه السلام عن الرجل المحرم يكون به القرحة يربطها أو يعصّبها بخرقة؟ قال : «نعم» . ۳۱
وثالثها : ما يستر منه عند وضع الرأس على المخدّة للمنام ؛ لما رواه زرارة ، عن أحدهما عليهماالسلامقال : «له أن يغطّي رأسه ووجهه إذا أراد أن ينام» . ۳۲
ويؤيّد جوازه في هذه المواضع قوله تعالى : «وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»۳۳ ، والقاعدة المشهورة من أنّ الضرورات تبيح المحرّمات . ۳۴ ولا يبعد أن يقال : تجويز ستر بعض الرأس في هذه المواضع لعدم صدق ستر الرأس عرفا ، فيطّرد الجواز في غيرها أيضا ممّا لا يقال له ذلك عرفا ؛ لعدم نصّ على تحريم ستر بعض الرأس أصلاً ، وإنّما ورد النصّ فى¨ تحريم ستر الرأس ، فليرجع في ستر بعضه إلى صدق ستر الرأس ، فتأمّل .
واعلم أنّه اجتمع في المرأة وجوب كشف جزء من الرأس مقدّمة لكشف الوجه ، ووجوب ستر جزء من الوجه مقدّمة لستر الرأس ، وقد صرّح الشهيد في الدروس ۳۵ والعلّامة في المنتهى ۳۶ بترجيح الثاني محتجّين بأنّها عورة ، فالاحتياط في الستر ، واحتجّ أيضا في الدروس بحصول مسمّى الوجه بفوات الجزء اليسير منه .
وفيه : أنّه لو تمّ ذلك لعورض بحصول مسمّى الرأس بفوات اليسير منه ، والفرق تحكّم .
قوله في صحيحة زرارة : (والمرأة عند النوم) .[ ح 1 / 7253] لا بأس أن تغطّي وجهها كلّه عند النوم .

1.الكافي ، باب ما يجوز للمحرمة أن تلبسه من الثياب ... ، ح ۷ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۴۹۳ ، ح ۱۶۸۷۶ .

2.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۰۷ ، ح ۱۰۵۰ ؛ الاستبصار ، ج ۲ ، ص ۱۸۴ ، ح ۶۱۳ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۰۵ ، ح ۱۶۹۱۷ ؛ و ج ۱۳ ، ص ۱۵۳ ، ح ۱۷۴۶۱ .

3.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۸ ، ح ۱۰۵۳ . و رواه الصدوق في الفقيه ، ج ۲ ، ص ۳۵۶ ، ح ۲۶۸۷ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۰۶ ، ح ۱۶۹۲۱ .

4.الفقيه ، ج ۲ ، ص ۳۵۶ ، ح ۲۶۸۶ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۱۱ ، ح ۱۶۹۳۶ .

5.الفقيه ، ج ۲ ، ص ۳۵۴ ، ح ۲۶۷۹ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱ ، ص ۴۷۴ ، ح ۱۲۵۷ ، و ج ۱۲ ، ص ۵۱۲ ، ح ۱۶۹۳۹ .

6.المبسوط للسرخسي ، ج ۴ ، ص ۷ و ۳۳ ؛ بدائع الصنائع ، ج ۲ ، ص ۱۸۵؛ المغني لابن قدامة ، ج ۳ ، ص ۳۰۲ و ۳۰۴ ؛ الشرح الكبير ، ج ۳ ، ص ۲۶۸ ۲۶۹ و ۲۷۱ و ۳۲۳ .

7.المغني ، ج ۳ ، ص ۳۰۲ ؛ الشرح الكبير ، ج ۳ ، ص ۲۶۸؛ و هذا المعنى بلفظ آخر تجدها في : السنن الكبرى للبيهقي ، ج ۵ ، ص ۴۹ ؛ صحيح البخاري ، ج ۱ ، ص۴۲ ؛ صحيح مسلم ، ج ۴ ، ص ۲ .

8.الوقص : كسر النعق . مجمع البحرين ، ج ۴ ، ص ۱۹۰ (وقص) .

9.السنن الكبرى للبيهقي ، ج ۳ ، ص ۳۹۳ ؛ مسند الشافعي ، ص ۳۵۸ .

10.مختلف الشيعة ، ج ۴ ، ص ۱۷۱ .

11.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۰۸ ، ح ۱۰۵۴ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۰۵ ۵۰۶ ، ح ۱۶۹۱۸ .

12.المغني لابن قدامة ، ج ۳ ، ص ۳۰۴ ؛ الشرح الكبير ، ج ۳ ، ص ۲۷۱ ؛ المجموع للنووي ، ج ۷ ، ص ۲۶۸ .

13.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۰۸ ، ذيل الحديث ۱۰۵۲ .

14.المغني ، ج ۳ ، ص ۳۰۵ ؛ الشرح الكبير ، ج ۳ ، ص ۳۲۳ ۳۲۴ .

15.مسند أحمد ، ج ۶ ، ص ۳۰ ؛ سنن أبي داود ، ج ۱ ، ص ۴۱۱ ۴۱۲ ، ح ۱۸۳۳ ؛ السنن الكبرى للبيهقي ، ج ۵ ، ص ۴۸ .

16.الفقيه ، ج ۲ ، ص ۳۴۲ ، ح ۲۶۲۵ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۴۹۵ ، ح ۱۶۸۸۱ .

17.الفقيه ، ج ۲ ، ص ۳۴۲ ، ح ۲۶۲۶ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۴۹۵ ، ح ۱۶۸۸۳ .

18.منتهى المطلب ، ج ۲ ، ص ۷۹۱ .

19.المبسوط ، ج ۱ ، ص ۳۵۱ .

20.منتهى المطلب ، ج ۲ ، ص ۷۹۰ .

21.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۰۸ ، ح ۱۰۵۵ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۲۴ ، ح ۱۶۹۷۷ .

22.الدروس الشرعيّة ، ج ۱ ، ص ۳۷۹ ، الدرس ۱۰۰ .

23.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۱۳ـ ۳۱۴ ، ح ۱۰۸۰ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۳۶ ، ح ۱۷۰۱۱ .

24.منتهى المطلب ، ج ۲ ، ص ۸۱۴ .

25.اُنظر : شرائع الإسلام ، ج ۱ ، ص ۱۸۵ ، لكنّه قال في ص ۲۲۷ : «و في التظليل سائرا شاة ، و كذا الوغطّى رأسه بثوب ، أو طيّنه بطين يستره ، أو ارتمس في الماء ، أو حمل ما يستره» .

26.اللمعة الدمشقيّة ، ص ۵۹ .

27.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۰۷ ، ح ۱۰۵۰ ؛ الاستبصار ، ج ۲ ، ص ۱۸۴ ، ح ۶۱۳ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۰۵ ، ح ۱۶۹۱۷ ؛ و ج ۱۳ ، ص ۱۵۳ ، ح ۱۷۴۶۱ .

28.منتهى المطلب ، ج ۲ ، ص ۷۸۹ .

29.الفقيه ، ج ۲ ، ص ۳۴۶ ، ح ۲۶۴۲ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۰۸ ، ح ۱۶۹۲۵ .

30.الحديث العاشر من باب العلاج للمحرم من الكافي ؛ تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۰۸ـ ۳۰۹ ، ح ۱۰۵۶ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۰۷ ، ح ۱۶۹۲۳ .

31.الفقيه ، ج ۲ ، ص ۳۴۶ ، ح ۲۶۴۳ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۲۹ ، ح ۱۶۹۹۰ .

32.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۰۸ ، ح ۱۰۵۲ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۰۷ ۵۰۸ ، ح ۱۶۹۲۴ .

33.الحجّ (۲۲) : ۷۸ .

34.المعروف في لفظها : «الضرورات تبيح المحفظورات» . اُنظر : جامع الخلاف و الوفاق ، ص ۱۴۳ ؛ كشف اللثام ، ج ۷ ، ص ۲۹۸ ؛ الحدائق الناضرة ، ج ۷ ، ص ۱۴؛ و ج ۸ ، ص ۲۴۳ .

35.الدروس الشرعيّة، ج ۱، ص ۳۸۰، الدرس ۱۰۰.

36.منتهى المطلب ، ج ۲ ، ص ۷۹۱ .


شرح فروع الکافي ج5
26
  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 184186
صفحه از 856
پرینت  ارسال به