299
شرح فروع الکافي ج5

باب المتمتّع تعرض له الحاجة خارجا من مكّة بعد إحلاله

المشهور بين الأصحاب أنّ عمرة التمتّع مرتبطة بالحجّ، يجب الحجّ بعدها في عامها وإن كانا مندوبين، فلا يجوز له الخروج عن مكّة بعدها إلّا بنيّة العود .
ويدلّ عليه زائداً على ما رواه المصنّف قدس سرهفي الباب قوله صلى الله عليه و آله : «دخلت العمرة في الحجّ هكذا» وشبّك بين أصابعه، في الخبر الثابت من الطريقين ، ۱ وقد سبق .
وخبر معاوية بن عمّار، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : من أين افتراق المتمتّع والمعتمر؟ فقال : «إنّ المتمتّع مرتبطٌ بالحجّ، والمعتمر إذا فرغ منها ذهب حيث شاء ». ۲
ورواية حفص، عن عليّ، قال : سأله أبو بصير وأنا حاضر عمّن أهلَّ بعمرة في أشهر الحجّ، له أن يرجع؟ فقال : «ليس في أشهر الحجّ عمرة يرجع فيها إلى أهله، ولكنّه يجلس بمكّة حتّى يقضي حجّه؛ لأنّه إنّما أحرم لذلك ». ۳
وحكى العلّامة قدس سره في المختلف عن ابن إدريس ۴ أنّه نفى التحريم محتجّا بعدم الدليل ، وردّه بدلالة ما ذكر من الأخبار عليه . ۵
وأمّا مع نيّة العود فقد قال الشيخ في المبسوط :
لا ينبغي للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أن يخرج من مكّة قبل أن يقضي مناسكه كلّها إلّا لضرورة، فإن اضطرّ إلى الخروج خرج إلى حيث لا يفوته الحجّ، ويخرج محرما بالحجّ، فإن أمكنه الرجوع إلى مكّة، وإلّا مضى إلى عرفات، فإن خرج بغير إحرام ثمّ عاد، فإن كان عوده في الشهر الذي خرج فيه لم يضرّه أن يدخل مكّة بغير إحرام ، وإن كان عوده إليها في غير ذلك الشهر دخلها محرما بالعمرة إلى الحجّ، وتكون العمرة الأخيرة هي التي يتمتّع بها إلى الحجّ . ۶
ومثله في التهذيب ۷ والنهاية ، ۸ وفي النافع ۹ أيضا، إلّا أنّه صرّح بكراهة الخروج، وهو الظاهر من أكثر أخبار الباب وممّا رواه الصدوق رضى الله عنه قال : قال الصادق عليه السلام : «إذا أراد المتمتّع الخروج من مكّة إلى بعض المواضع فليس له ذلك، لأنّه مرتبط بالحجّ حتّى يقضيه إلّا أن يعلم أنّه لا يفوته الحجّ، فإذا علم وخرج ثمّ رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل مكّة محلّاً، وإن دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرما ». ۱۰
والشيخ قدس سره في الصحيح عن ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري وأبان بن عثمان، عن رجل، عن أبي عبداللّه عليه السلام في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم، قال : «إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام، وإن دخل في غيره دخل بإحرام ». ۱۱
واختلفوا في المدّة التي يعتبر في وجوب تجديد العمرة ، فاعتبر الشيخ والمحقّق على ما عرفت دخول شهر آخر وإن كانت العمرة السابقة في آخر الشهر السابق، كما هو ظاهر الأخبار المشار إليها، وهو مبني على أنّ لكلّ شهر عمرة .
ويدلّ عليه صريحا التعليل في موثّقة إسحاق بن عمّار: «يرجع إلى مكّة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي يتمتّع فيه؛ لأنّ لكلّ شهر عمرة »، ۱۲ واعتبر أكثر المتأخّرين الفصل بشهر هلالي أو عددي بين العمرتين ، ۱۳
ولم أرَ شاهداً لهم على ذلك .
وعلى أيّ حال، فهل المعتبر إحرام العمرة الاُولى أو الإحلال عنها؟ الأوّل هو المستفاد من بعض الأخبار، إذ يفهم من بعضها كفاية وقوع إحرام العمرة في شهر في كونها من ذلك الشهر، وإن وقعت أفعالها في شهر آخر ، ففي موثّق إسحاق بن عمّار، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يجيء معتمراً ينوي عمرة رجب، فيدخل عليه الهلال قبل أن يبلغ العقيق، أيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أو يؤخّر الإحرام إلى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال : «يحرم قبل الوقت لرجب، فإنّ لرجب فضلاً ،[ و هو الذي نوي]». ۱۴
وفي صحيحة معاوية بن عمّار، قال : سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول : «ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقّته رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلّا أن يخاف فوت الشهر في العمرة ». ۱۵
واعتبر المحقّق في الشرائع ۱۶ في الجواز الخروج على وجه لا يفتقر إلى تجديد عمرة بأن يخرج محرما أو يرجع قبل شهر .
ونسبه في المدارك ۱۷ إلى الشهرة بين الأصحاب، واشترط فيها الخروج محرما .
ويردّهما إطلاق أكثر ما ذكر من الأخبار.
وتقييد الخارج بغير إحرام بالجهل في حسنة حمّاد بن عيسى ۱۸ لا يوجب تقييد ذلك الإحرام؛ لكونه في كلام السائل .
وعلى تقدير تحديد الإحرام وصيرورة عمرته الاُولى مفردة فظاهر إطلاق الأخبار وأكثر الفتاوى عدم وجوب استدراك طواف النساء لها .
ويؤيّده أنّه قد حلّ له النساء بالتقصير شرعا، فلا يعود التحريم بدون دليل يعتدّ به .
واحتمل بعض الأصحاب افتقارها إليه؛ معلّلاً باقتضاء صيرورتها مفردة ذلك .
واعلم أنّه يفهم من قول الشيخ: «فإن كان عوده في الشهر الذي خرج فيه لا يضرّه أن يدخل مكّة بغير إحرام»، ۱۹ جواز دخوله حينئذٍ محرما، فيحرم للحجّ لا للعمرة بناءً على عدم جواز عمرتين في شهر ، بل قد صرّح باستحبابه بقوله : «ومن خرج من مكّة بغير إحرام وعاد في الشهر الذي خرج فيه فالأفضل أن يدخلها محرما بالحجّ، ويجوز له أن يدخلها بغير إحرام حسب ما قلناه ». ۲۰
وبه صرّح العلّامة أيضا في المنتهى حيث قال : «ولو خرج من مكّة بغير إحرام وعاد في الشهر الذي خرج فيه استحبّ له أن يدخلها محرما بالحجّ ، ويجوز له أن يدخلها بغير إحرام». ۲۱
ويدلّ عليه موثّق إسحاق بن عمّار، ۲۲
وهو مناف لما هو المشهور بين الأصحاب من أنّ ميقات حجّ التمتّع مكّة ، بل يظهر من المنتهى وفاقهم عليه، فإنّه قال :
أمّا ميقات حجّ التمتّع فمكّة لا غير ، ولو أحرم من غيرها اختياراً لم يجزه، وكان عليه العود إلى مكّة لإنشاء الإحرام ، ذهب إليه علماؤنا، ولا نعرف فيه خلافا إلّا في رواية عن أحمد ۲۳ أنّه يخرج إلى الميقات، فيحرم منه للحجّ، وليس بصحيح . ۲۴
وظاهره عدم جواز ذلك ولو دخل مكّة بإحرامه، لكن الظاهر من المحقّق في الشرائع وقوع خلاف فيه فإنّه قال : «ولو أحرم بحجّ التمتّع من غير مكّة لم يجزه، ولو دخل مكّة بإحرام على الأشبه و وجب استئنافه منها، وكأنّه أشار إلى قول الشيخ ذلك ». ۲۵
وربّما قيل : قد يشير في كتابه إلى خلاف العامّة أو إلى ما يختاره من غير أن يكون خلافه مذهبا لأحد ، فيظهر أنّ فيه خلافا والاحتياط بمقتضى العود حينئذٍ بغير إحرام وإيقاع الإحرام بمكّة ، ثمّ الظاهر من أكثر الأخبار اختصاص تحريم الخروج بغير إحرام، ووجوب العود بعمرة جديدة على تقدير الخروج بالتجاوز عن المواقيت، لا مجرّد الخروج عن الحرم ، ولم أرَ تصريحا بذلك في كلام أحد .

1.الكافي، باب حجّ النبى صلى الله عليه و آله ، ح ۴؛ علل الشرائع، ص ۴۱۴، الباب ۱۵۳، ح ۳؛ وسائل الشيعة، ج ۱۱، ۲۳۶، ح ۱۴۶۷۶؛ مسند أحمد، ج ۱، ص ۲۵۳ و ۲۵۹؛ سنن ابن ماجة، ج ۲، ص ۱۰۲۴، ح ۳۰۷۴؛ سنن أبي داود، ج ۱، ص ۴۲۶، ح ۱۹۰۵؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵ ، ص ۷ . وللحديث بدون ذكر تشبيك الأصابع مصادر كثيرة.

2.الكافي، باب العمرة المبتولة في أشهر الحجّ، ح ۴؛ تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۴۳۷، ح ۱۵۱۹؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۳۲۸، ح ۱۱۶۳؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۱۱، ح ۱۹۲۸۶.

3.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۴۳۷، ح ۱۵۲۰؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۳۲۸، ح ۱۱۶۴؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۱۲، ح ۱۹۲۹۰.

4.السرائر، ج ۱، ص ۶۳۳ ۶۳۴ .

5.مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۳۶۲.

6.المبسوط للطوسي، ج ۱، ص ۳۶۳ ۳۶۴.

7.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۶۳، بعد الحديث ۵۴۵ .

8.النهاية، ص ۲۴۶.

9.المختصر النافع، ص ۹۹.

10.الفقيه، ج ۲، ص ۳۷۸ ۳۷۹، ح ۲۷۵۲؛ وسائل الشيعة، ج ۱۱، ص ۳۰۴، ح ۱۴۸۷۰.

11.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۶۶، ح ۵۵۴ ؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۲۴۶، ح ۸۵۹ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۲، ص ۴۰۷، ح ۱۶۶۳۷.

12.الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۶۴ ۱۶۵، ح ۵۴۹ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۱، ص ۳۰۳ ۳۰۴، ح ۱۴۸۶۸.

13.اُنظر: مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۳۵۸ ۳۶۰.

14.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۵۳ ، ح ۱۶۰؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۱۶۲ ۱۶۳، ح ۵۳۲ ؛ ورواه الكليني في الكافي، باب من أحرم دون الوقت، ح ۹؛ وسائل الشيعة، ج ۱۱، ص ۳۲۶، ح ۱۴۹۲۷.

15.الكافي، باب مَن أحرم دون الوقت، ح ۸ ؛ تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۵۳ ، ح ۱۶۱؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۱۶۳، ح ۵۳۳ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۱، ص ۳۲۵ ۳۲۶، ح ۱۴۹۲۶.

16.شرائع الإسلام، ج ۱، ص ۱۷۴.

17.مدارك الأحكام، ج ۷، ص ۱۷۳ ۱۷۴.

18.الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي.

19.النهاية، ص ۲۴۶ ۲۴۷.

20.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۶۴، بعد الحديث ۵۴۸ .

21.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۱۱ وفي ط الحديث، ج ۱۰، ص ۴۴۹. ومثله في تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۱۵۲.

22.الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۶۴ ۱۶۵، ح ۵۴۹ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۳۰۳ ۳۰۴، ح ۱۴۸۶۸.

23.المغني لابن قدامة، ج ۳، ص ۳۷۹؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج ۳، ص ۳۱۹.

24.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۶۶۷ .

25.شرائع الإسلام، ج ۱، ص ۱۷۴.


شرح فروع الکافي ج5
298
  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 228488
صفحه از 856
پرینت  ارسال به