333
شرح فروع الکافي ج5

شرح فروع الکافي ج5
332

باب قطع تلبية الحاجّ

قد ذكرنا سابقا وجوب قطع التلبية على الحاجّ عند زوال عرفة . وقال طاب ثراه : هو مذهب أصحابنا . ۱ وأمّا العامّة فقد اختلفوا فيه ؛ فقيل بذلك، وقيل: إلى صلاة الظهر في ذلك اليوم، وقيل: عند رمي جمرة العقبة في يوم النحر ، والقائلون به اختلفوا، فقيل: يقطع بالشروع في الرمي، وقيل: بعد إتمام السبع ، وأكثر رواياتهم دلّت على القطع عند الرمي . ۲

باب الوقوف بعرفة وحدّ الموقف

قال العلّامة رحمه الله في المنتهى : «الوقوف بعرفة ركن من أركان الحجّ يبطل بالإخلال به عمداً، وهو قول علماء الإسلام ». ۳
واحتجّ عليه فيه بما رواه الجمهور عن عبد الرحمن بن نعيم الديلميّ، ۴ قال : أتيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعرفة فقال : «خذوا عنّي مناسككم ». وما روي أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله أمر رجلاً ينادي: «الحجّ عرفة ». ۵
ومن طريق الأصحاب ببعض الأخبار الواردة في الوقوف بها .
ولا يعارض ذلك ما رواه ابن فضّال، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «الوقوف بالمشعر فريضة، والوقوف بعرفة سنّة »؛ ۶ لأنّ السنّة فيه محمولة على ما ثبت وجوبه بالسنّة مقابل الفريضة، بمعنى ما علم وجوبه من القرآن ، كما حملها عليه الشيخ في التهذيب وبيّن الفرق بينهما: «بأنّ المشعر علم وجوبه بقوله تعالى : «فَاذْكُرُوا اللّه َ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ»۷ ، وليس في ظاهر القرآن أمر بالوقوف بعرفات» ۸ وكأنّه أراد نفي الأمرالصريح ، وإلّا فيفهم وجوب وقوف عرفات أيضا بقوله تعالى : «فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ» ؛ لدلالة الإفاضة منها على الكون بها ، ومن قوله سبحانه : «ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ الناسْ»۹ ؛ للأمر بالإفاضة منها، وهي مستلزمة للكون بها بناءً على ما نقله في كنز العرفان عن الباقر عليه السلام وعن ابن عبّاس وجماعة: «أنّ المراد الإفاضة من عرفات وأنّ الأمر لقريش وحلفائهم [ ويقال لهم الحمس] ؛ لأنّهم كانوا لا يقفون بعرفات مع سائر العرب ، بل بالمزدلفة ، كأنّهم يرون لهم ترفّعا على الناس فلا يساوونهم في الموقف، ويقولون: نحن أهل حرم اللّه ، فلا نخرج منه ، فأمرهم اللّه بموافقة سائر العرب ».
وأمّا على ما حكاه الجبائيّ ورجّحه ورواه عن الصادق عليه السلام من أنّها إفاضة المشعر فلا . ۱۰
وأراد قدس سرهبقوله : وحدّ الموقف، بيان أنّ عرفات بحدودها موقف، ويجوز الوقوف في المحدود كلّه .
قال في المنتهى :
عرفة كلّها موقف، يصحّ الوقوف في أيّ حدٍّ شاء منها ، وهو قول العلماء الأعلام ، روى الجمهور عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام : «أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله وقف بعرفة وقد أردف اُسامة بن زيد، فقال : هذا الموقف وكلّ عرفة موقف ». ۱۱ وقال عليه السلام : «عرفة كلّها موقف، وارتفعوا من بطن عُرَنة، والمزدلفة كلّها موقف، وارتفعوا عن وادي محسّر ». ۱۲
وما رواه الجمهور عن جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام ، عن أبيه الباقر عليهماالسلام ، عن جابر لمّا وصف حجّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال : «كلّ عرفة موقف، وكلّ منى منحر، وكلّ المزدلفة موقف، وكلّ فجاج مكّه طريق ومنحر ». ۱۳
ومن طريق الخاصّة: ما رواه الشيخ عن سماعة بن مهران، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وقف بعرفات، فجعل الناس يبتدرون أخفاف ناقته، فيقيمون ۱۴ إلى جانبها، فنحّاها رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ففعلوا مثل ذلك، فقال : أيّها الناس، أنّه ليس موضع أخفاف ناقتي بالموقف، ولكن هذا كلّه موقف وأشار بيده إلى الموقف فتفرّق الناس ، وفعل ذلك بالمزدلفة». ۱۵ وقال عليه السلام : عرفة كلّها موقف، ولو لم يكن إلّا ما تحت خفّ ناقتي لم يسع الناس ذلك ». ۱۶ رواه ابن بابويه رحمه الله . ۱۷ انتهى .
ويدلّ أيضا على ذلك ما رواه المصنّف قدس سره في الباب من حسنة معاوية بن عمّار ، ۱۸ وحكى في المختلف عن ابن إدريس ۱۹ وجوب الوقوف في ميسرة الجبل محتجّا بفعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله حيث أناخ ناقته أوّلاً في ميسرة الجبل .
وأجاب عنه : بأنّ قوله صلى الله عليه و آله أحقّ بالاتّباع، وهو صريح في التعميم ، ثمّ قال : نعم، يستحبّ ذلك في المشهور؛ لذلك، ولقوله عليه السلام في حسنة معاوية بن عمّار : «قف في ميسرة الجبل ». ۲۰
وأمّا الجبل ففي المختلف:
يكره الوقوف عليه بل المستحبّ الوقوف على السهل ، هذا هو المشهور . وعدّ ابن البرّاج في التروك المفروضة ألّا يرتفع على الجبل إلّا لضرورة . ۲۱
لنا: أنّ الأصل عدم التحريم، وأنّه داخل في حدّ عرفة .
وما رواه إسحاق بن عمّار في الصحيح، قال : سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحبّ إليك أم على الأرض؟ فقال : «على الأرض ». ۲۲
وفي الموثّق عن سماعة بن مهران، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : «إذا كانوا في الموقف وكثروا فضاق عليهم، كيف يصنعون؟ قال : «يرتفعون إلى الجبل » ۲۳ . ۲۴ انتهى .
وإليه ذهب الشيخ أيضا في التهذيب ۲۵ محتجّا بهذا الخبر .
وأنت إذا تأمّلت الخبر عرفت أنّ «إلى» فيه لانتهاء الغاية، وأنّ ما بعدها خارجة عن الموقف، وأنّ المراد بالارتفاع الارتفاع على الأرض من أعلى الجبل لا الصعود عليه .
ويدلّ عليه أوائل الخبر، فإنّ الخبر هكذا : قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إذا كثر الناس بمنى وضاقت عليهم، كيف يصنعون؟ فقال : «يرتفعون إلى وادي محسّر »، قلت : فإذا كثروا بجمع وضاقت عليهم، كيف يصنعون؟ قال : «يرتفعون إلى المأزمين »، قلت : فإذا كانوا بالموقف وكثروا، إلى آخره .
وإطلاق الارتفاع على البُعد في الأرض شائع ، بل إطلاق الصعود أيضا عليه، كما في قول الشاعر ۲۶ :
هواي مع الركب اليمانين مصعد[ جنيت وجثماني بمكّة موثق]
أي مبّعد في الأرض، ذاهب فيها .
لا يقال: قوله عليه السلام : «وخلف الجبل موقف» في صحيحة معاوية ابن عمّار التي رويناها في باب الغدوّ إلى عرفات وحدودها ۲۷ يدلّ على جواز الوقوف في خلفه أيضا ولو اختيارا، فيجوز عليه بالأولويّة .
لأنّا نقول: المراد بخلف الجبل عرفات، وكأنّه عليه السلام قال ذلك بمكّة أو غيرها، لا في عرفات ، فتأمّل .
وأمّا وقت الوقوف فقد أجمع الأصحاب على أنّه من زوال الشمس يوم عرفة إلى غروبها اختياراً واضطراراً إلى طلوع الفجر من يوم النحر ، ۲۸ والأخبار شاهدة لهما .
وقال الشيخ في الخلاف : «وقت الوقوف من حين تزول الشمس إلى طلوع الفجر من يوم العيد ». ۲۹
وأراد به الوقت الشامل للاختياري والاضطراري جميعا ؛ لما صرّح به في كتبه الاُخرى .
وقد قال فيه أيضا : «إنّ المغرب والعشاء الآخرة لا تصلّيان إلّا بالمزدلفة، إلّا لضرورة خوف فواتهما بمضيّ ربع الليل ». ۳۰
ولم يرد الوقت الاختياري فقط، كما فهمه ابن إدريس، ونسبه إلى مبسوطه أيضا، حيث قال :
وقال شيخنا في مسائل خلافه وفي مبسوطه : إنّ وقت الوقوف بعرفة من الزوال يوم عرفة إلى طلوع الفجر يوم العيد، والصحيح أنّ وقتها من الزوال إلى غروب الشمس من يوم عرفة ؛ لأنّه لا خلاف في ذلك، وما ذكره في الكتابين من مذهب بعض المخالفين . ۳۱ انتهى.
على أنّ الذي نسبه إلى المبسوط غير موجود في النسخة التي عندي، بل ظاهره فيه ما هو المشهور، فقد قال : «ولا يفيض من عرفات قبل غروب الشمس »، ۳۲ فمفهومه جواز الإفاضة بعده .
وقال في موضع آخر منه : «فإن ترك الوقوف بعرفات ناسيا وجب عليه أن يعود، فيقف بها ما بينه وبين طلوع الفجر من يوم النحر »، ۳۳ فتدبّر .
قوله في خبر مسمع : (وأفضل الموقف سفح الجبل ) .[ ح 1 / 7741] سفح الجبل حيث يسفح فيه الماء، وهو مضطجعه ، ۳۴ ولو وقف في سفح الجبل في ميسرته لكان أفضل؛ للجمع بين هذا الخبر وقوله عليه السلام : «وقف في ميسرة الجبل» في حسنة معاوية بن عمّار المتقدّمة . ۳۵
قوله في حسنة معاوية بن عمّار : (فإذا رأيت خللاً فسدّه بنفسك وراحلتك ) إلخ .[ ح 4 / 7744] وفي بعض النسخ: «فتقدّم فسدّه ». والخلل: الفرجَة، ۳۶ وإنّما يستحبّ سدّ الخلَل لاطمئنان النفس من السرّاق . والهضاب: جمع الهضبة، وهو الجبل الصغير . ۳۷ وقال طاب ثراه : «القُبُل بضمّ القاف والباء، ويجوز إسكان الباء: ما استقبل منها ، وقيل: مقابلها ».
قوله في خبر عمرو بن أبي المقدام : (فقالوا : هَه لغة بني فلان أنا فاسألوني ) . [ ح10/ 7750] يعني: أنّ هَهْ في لغة بني فلان بمعنى أنا، فاسألوني . ۳۸

1.اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۱۸۱؛ منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۱۸؛ مدارك الأحكام، ج ۷، ص ۲۹۴.

2.اُنظر: بداية المجتهد، ج ۱، ص ۲۷۲؛ المحلّى، ج ۷، ص ۱۳۶؛ مسند أحمد، ج ۱، ص ۴۱۷؛ السنن الكبرى للنسائي، ج ۲، ص ۴۴۰ ۴۴۱، ح ۴۰۸۶.

3.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۱۹.

4.كذا بالأصل، وفي بعض المصادر: «عبد الرحمن بن نعم الديلي». وفي بعضها: «عبد الرحمن بن يعمر».

5.اُنظر: المغني، ج ۳، ص ۴۲۸؛ الشرح الكبير، ج ۳، ص ۵۰۲ ۵۰۳ ؛ تلخيص الحبير، ج ۷، ص ۳۶۱؛ مسند أحمد، ج ۴، ص ۳۰۹؛ سنن ابن ماجة، ج ۲، ص ۱۰۰۳، ح ۳۰۱۵؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵ ، ص ۱۷۳.

6.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۸۷، ح ۹۷۷؛ الاستبصار، ج ۲، ص ۳۰۲، ح ۱۰۸۰؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۵۵۲ ، ح ۱۸۴۲۱.

7.البقرة (۲) : ۱۹۸ .

8.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۲۸۷ ۲۸۸.

9.البقرة (۲) : ۱۹۹ .

10.كنز العرفان، ج ۱، ص ۳۰۵ ۳۰۶.

11.مسند أحمد، ج ۱، ص ۷۲ و ۷۶؛ العلل للدارقطني، ج ۴، ص ۱۶، الرقم ۴۱۱.

12.الموطّأ، ج ۱، ص ۳۸۸، ح ۱۶۶؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵ ، ص ۱۱۵.

13.سنن أبي داود، ج ۱، ص ۴۳۳، ح ۱۹۳۷؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۵ ، ص ۱۲۲؛ المعجم الأوسط للطبراني، ج ۳، ص ۲۹۰؛ كنز العمّال، ج ۵ ، ص ۶۱ ، ح ۱۲۰۴۹.

14.كذا بالأصل، وفي المصدر: «يقفون».

15.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۸۰، ح ۶۰۴ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۵۳۵ ، ح ۱۸۳۹۰.

16.الفقيه، ج ۲، ص ۴۶۴ ۴۶۵، ح ۲۹۸۰.

17.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۲۲.

18.وهي الحديث الرابع من هذا الباب.

19.السرائر، ج ۱، ص ۵۸۷ .

20.اُنظر: مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۲۳۴.

21.المهذّب، ج ۱، ص ۲۴۶.

22.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۸۰، ح ۶۰۳ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۵۳۲ ، ح ۱۸۳۸۰.

23.الحديث ۱۱ من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۸۰، ح ۶۰۴ ؛ وسائل الشيعة، ج ۱۳، ص ۵۳۵ ، ح ۱۸۳۸۹ و ۱۸۳۹۰؛ وج ۱۴، ص ۱۹، ح ۱۸۴۸۷.

24.مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۲۳۶ ۲۳۷.

25.تهذيب الأحكام، ج ۵ ، ص ۱۸۰.

26.وهو جعفر بن علبة بن ربيعة الحارثي أبو عارم، شارع غزل مقل، من مخضرمي الدولتين الامويّة والعبّاسيّة، وهو من شعراء الحماسة لأبي تمام، وكانت إقامته بنجران، وحبس بها متّهما بالاشتراك في قتل رجل من بني عقيل، فقتله عامل المنصور على مكّة قصاصا. وقيل: قتله رجل من بني عقيل. الأعلام للزركلي، ج ۲، ص ۱۲۵.

27.الحديث الثالث من ذلك الباب.

28.اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج ۸ ، ص ۱۸۶؛ مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۲۳۷؛ مدارك الأحكام، ج ۷، ص ۳۹۴.

29.الخلاف، ج ۲، ص ۳۳۷، المسألة ۱۵۶.

30.الخلاف، ج ۲، ص ۳۴۰، المسألة ۱۶۰.

31.السرائر، ج ۱، ص ۵۸۷ .

32.المبسوط للطوسي، ج ۱، ص ۳۶۷.

33.المبسوط للطوسي، ج ۱، ص ۳۸۳.

34.صحاح اللغة، ج ۱، ص ۳۷۵ (سفح).

35.الحديث الرابع من هذا الباب.

36.صحاح اللغة، ج ۴، ص ۱۶۸۷ (خلل).

37.صحاح اللغة، ج ۱، ص ۲۳۸ (هضب).

38.اُنظر: مجمع البحرين، ج ۴، ص ۴۰۳ (ها).

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 228431
صفحه از 856
پرینت  ارسال به