543
شرح فروع الکافي ج5

شرح فروع الکافي ج5
542

باب تحريم المدينة

أجمع أهل العلم على أنّ للمدينة حرما ، والمشهور أنّه ما بين ظلّ عائر وفي?وَعير، ۱ وهما جبلان يكتنفان بها شرقا وغربا، وهو بريد في بريد. ۲
وقيل: هو ما بين ظلّ عائر وثور. ۳
واختلفوا في حكمه ، فظاهر العلّامة رحمه اللهفي المنتهى إجماع الأصحاب على تحريم قطع شجره وقتل صيده مطلقا، حيث قال : «للمدينة حرم كحرم مكّة، لا يجوز قطع شجرة، ولا قتل صيده ، ذهب إليه علماؤنا، وبه قال أحمد ومالك والشافعي ، وقال أبو حنيفة : لا يحرم ». ۴ وهو غريب.
والذي يظهر من الأخبار تحريم قطع شجره مطلقا، وتحريم صيد ما بين الحرّتين منه: حرّة ليلى وحرّة واقم لا مطلقا ، وإليه ذهب الشيخ في المبسوط ۵ والنهاية ۶
والتهذيب . ۷
وبذلك يجمع بين ما دلّ على تحريم صيد حرمها كصحيحة حسّان بن مهران ۸ وغيرها، وما ظاهره حلّيّة صيده مطلقا كخبر أبي العبّاس ۹ وصحيحة معاوية بن عمّار . ۱۰
والدليل على هذا التفضيل خبر الحسن الصيقل، ۱۱ وما رواه الشيخ بسند آخر عنه عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «كنت جالسا عند زياد بن عبداللّه وعنده ربيعة الرأي، فقال له زياد : يا ربيعة، ما الذي حرّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله من المدينة؟ فقال : بريد في بريد ، فقال أبو عبداللّه عليه السلام : فقلت لربيعة : وكان على عهد رسول اللّه صلى الله عليه و آله أميال! فسكت ولم يحسن، فمال عليَّ زياد فقال : يا أبا عبداللّه عليه السلام ، فما تقول أنت؟ قلت : حرّم رسول اللّه صلى الله عليه و آله من المدينة من الصيد ما بين لابتيها ، فقال : وبين ما لابتيها؟ قلت : ما أحاطت به الحرتان ، قال : وما الذي يحرم من الشجر؟ قلت : «من عائر إلى وعير ». ۱۲
ونسب في المسالك ۱۳ إلى المشهور بين الأصحاب القول بكراهة قطع شجر حرمها وصيده، وإليه ذهب المحقّق في الشرائع، ۱۴ وهو طريق آخر للجمع .
ثمّ ظاهر المحرّمين عدم وجوب فدية للصيد ولا للقطع، حيث إنّهم لم يتعرّضوا لها ، بل صرّح به جماعة منهم الشيخ في المبسوط، ۱۵ والعلّامة في المنتهى . ۱۶
ويدلّ عليه أصالة العدم، وعدم دليل على وجوبها، ويكفي في النهي عنهما حصول الإثم بهما.
وهو منقول عن مالك وعن الشافعيّ في الجديد، وعن أحمد في إحدى الروايتين عنه، وعن قديم الشافعيّ، ورواية اُخرى عن أحمد إيجابهما للفدية. ۱۷
وكذا الظاهر حلّيّة أكل صيده وإن حرم الفعل؛ لعدم دليل على كونه ميتة ، بل هو الظاهر من صحيحة معاوية بن عمّار، ۱۸ وإليه ذهب العلّامة في الإرشاد ۱۹ على كراهيّة؛ مخصّصا لتحريم الصيد بما بين الحرّتين، فقال : حرم المدينة ما بين عائر إلى وعير لا يعضد شجره ولايؤكل صيده، إلّا ما صيد بين الحرّتين على كراهية .
وظاهر الشيخ في المبسوط والنهاية تحريمه، فقد قال فيهما : «ولا بأس أن يؤكل صيدها، إلّا ما صيد بين الحرّتين ». ۲۰
هذا، وقال طاب ثراه :
الظاهر أنّ اللابتين غير داخلتين في التحريم ، وقال بعض العامّة بدخولهما ، وقال الآبي : ولعلّ ذلك دليل آخر وإلّا فإنّما اختلف إذا قال من كذا إلى كذا، هل يدخل مابعد إلى، وأمّا إذا قال ما بين كذا وكذا فإنّ المعبّر عنه بكذا وكذا لا يدخل قطعا، وربّما امتنع دخوله عقلاً لو قال جلست ما بين زيد وعمرو، فإنّه يستحيل دخول مكانيهما في الجلوس .
قوله في صحيحة حسّان بن مهران : (لا يريدها جبّار ) . [ ح 1 / 8137] قال طاب ثراه : الظاهر أنّ الضمير راجع إلى المواضع الثلاثة .
قوله في خبر أبي العبّاس : (عضاها ) .] ح 2 / 8138] قال طاب ثراه :
قال عياض : العضا: كلّ شجر له شوك كالطلح والعوسج والينبوب . وقال الآبي : قيل: هو اُم غيلان، وكلّ شجرة عظيمة لها شوك ، والواحدة: عضدة بالتاء وأصلها عضضة ، وقيل : أصلها عضاهة . ۲۱
قوله في خبر الحسن الصيقل : (ما بين لابتيها ) .] ح 3 / 8139] حكى طاب ثراه عن البغويّ أنّه قال : قال الأصمعيّ : اللّابة الأرض ذات الحجارة السود وجمعها في القليل اللّابات، وفي الكثير اللّوب ، ۲۲ وقيل : اللابة خاصّة بالمدينة، فلا تقال في غيرها . ۲۳
والظاهر أنّ «عَير» تصحيف «عاير» ۲۴ كما في باقي الأخبار، وكأنّ منشأؤه كتبته على رسم الخطّ من غير ألف .
وحكى طاب ثراه عن الآبي أنّه قال : قال الزبيريّ : ليس بالمدينة «عَير» ۲۵ وإن ذكره أكثر رواة البخاريّ .
وأمّا «وعير» فالمشهور ضمّ واوه مصغّراً ، ۲۶ وقد صُحِّح به في بعض النسخ المصحّحة، وصحّحه الشهيد في الدروس بفتح الواو . ۲۷
قوله في صحيحة معاوية بن عمّار : (حرّمها إبراهيم عليه السلام ) إلخ . [ ح 5 / 8141] قال طاب ثراه :
أي بلّغ تحريمها، فلا يعارض ما تقدّم من قوله تعالى: «وحرّمتها يوم خلقت السماوات والأرض» على ما ورد في بعض الأخبار . ۲۸
وحكى عن الآبي أنّه قال : اوى بالقصر والمدّ متعدّيا وقاصراً في الوجهين، والقصر في القاصر أظهر، والتعدّي في الممدود أشهر . ۲۹
وعن عياض أنّه قال : روى محدثا بكسر الدال وفتحها، فمن فتح أراد الإحداث نفسه، ومن كسر أراد فاعل الحدث . ۳۰ ومعنى اواه: ضمّه إليه ومنعه ممّن له حقّ عليه . ۳۱
وقد روى الخبر مسلم في صحيحه بإضافة: «فعليه ۳۲ لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين ». ۳۳
وعن عياض أنّه قال: لعنه اللّه : طرده عن رحمته ، ولعنة الملائكة والناس: دعاؤهم عليه بالإبعاد من رحمة اللّه ، وقد تكون لعنة الملائكة ترك الدعاء له وإبعاده عن جملة المؤمنين في الاستغفار لهم . انتهى .
والحدث شامل لكلّ ظلم، وذكر القتل على التمثيل .
وأوّل من آوى محدثا فيها في حياة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وبعد وفاته، عثمان بن عفّان، فقد آوى عمَّيه طريدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أحدهما في حياته والآخر بعد وفاته ، أمّا الأوّل فهو المغيرة بن أبي العاص، فقد هدر رسول اللّه صلى الله عليه و آله دمه، ولعن من يؤويه ويحمله ويطعمه ويسقيه ويجهّزه ويعطيه سقاء وحذاء ورشاء ووعاء، فآواه أوّلاً ، ثمّ لمّا رأى تشدّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله في قتله حمله وأطعمه وسقاه، وأخرجه من المدينة على ما مرّ في باب النوادر من كتاب الجنائز . ۳۴
وأمّا الثاني فهو الحكم بن أبي العاص، فقد طرده رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن المدينة، ونفاه إلى الطائف، حيث حكى بعض حركاته ومشيته صلى الله عليه و آله وكان فيه إلى أن نصب عثمان للخلافة، فأرسل إليه وطلبه وقرّبه وسلّطه على المسلمين . ۳۵

1.اُنظر: تذكرة الفقهاء، ج ۷، ص ۳۵۷، المسألة ۲۹۵؛ مختلف الشيعة، ج ۴، ص ۳۸۱.

2.اُنظر: منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۹۹؛ الدروس الشرعيّة، ج ۲، ص ۲۱، الدرس ۱۲۷؛ مسالك الأفهام، ج ۲، ص ۳۸۱؛ مدارك الأحكام، ج ۸ ، ص ۲۷۴؛ جامع المقاصد، ج ۳، ص ۲۷۶؛ مجمع البحرين، ج ۳، ص ۲۸۳.

3.المبسوط للطوسي، ج ۱، ص ۳۵۴.

4.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۷۹۹. وانظر: المجموع للنووي، ج ۷، ص ۴۹۷؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج ۹، ص ۱۳۸؛ عون المعبود، ج ۶ ، ص ۱۷؛ نيل الأوطار، ج ۵ ، ص ۱۰۵؛ المغني والشرح الكبير لابني قدامة، ج ۳، ص ۳۶۹.

5.المبسوط، ج ۱، ص ۳۸۶.

6.النهاية، ص ۲۸۷.

7.تهذيب الأحكام، ج ۶ ، ص ۱۳، ذيل الحديث ۲۴.

8.الحديث الأوّل من هذا الباب من الكافي؛ تهذيب الأحكام، ج ۶، ص ۱۲، ح ۲۱؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۶۰، ح ۱۹۳۸۶.

9.الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۶۴، ح ۱۹۳۹۴.

10.الحديث الخامس من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۶۲، ح ۱۹۳۹۱.

11.الحديث الثالث من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۶۳، ح ۱۹۳۹۲.

12.تهذيب الأحكام، ج ۶ ، ص ۱۳ ۱۴، ح ۲۶.

13.مسالك الأفهام، ج ۲، ص ۳۸۲.

14.شرائع الإسلام، ج ۱، ص ۲۰۹.

15.المبسوط، ج ۱، ص ۳۵۸.

16.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۸۰۰ . ومثله في تذكرة الفقهاء، ج ۷، ص ۳۸۰.

17.اُنظر: المجموع للنووي، ج ۷، ص ۴۷۷ و ۴۹۷؛ المغني لعبد اللّه بن قدامة، ج ۳، ص ۳۷۰؛ الشرح الكبير لعبد الرحمن بن قدامة، ج ۳، ص ۳۷۳.

18.وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۶۲، ح ۱۹۳۹۱.

19.إرشاد الأذهان، ج ۱، ص ۳۳۹.

20.المبسوط، ج ۱، ص ۳۸۶؛ النهاية، ص ۲۸۷.

21.اُنظر: لسان العرب، ج ۹، ص ۲۶۳ (عضه).

22.وحكاه عنه ياقوت في معجم البلدان، ج ۵ ، ص ۳. اُنظر: التمهيد، ج ۶ ، ص ۳۱۱؛ النهاية، ج ۴، ص ۲۷۴ (لوب).

23.اُنظر: تاج العروس، ج ۲، ص ۴۱۰ (لوب).

24.اُنظر: المجموع للنووي، ج ۷، ص ۴۸۶؛ معجم البلدان، ج ۴، ص ۷۳.

25.نيل الأوطار، ج ۵ ، ص ۱۰۲؛ شرح صحيح مسلم للنووي، ج ۹، ص ۱۴۳؛ فتح الباري، ج ۴، ص ۷۰؛ الديباج على مسلم، ج ۳، ص ۴۱۱.

26.مجمع البحرين، ج ۴، ص ۵۲۲ (وعر).

27.الدروس الشرعيّة، ج ۲، ص ۲۱، الدرس ۱۲۷.

28.تفسير السمعاني، ج ۴، ص ۱۵۰؛ تفسير البغوي، ج ۱، ص ۱۱۵.

29.شرح صحيح مسلم للنووي، ج ۹، ص ۱۴۰.

30.نفس المصدر.

31.اُنظر: فتح القدير، ج ۴، ص ۲۹۲.

32.في الأصل: «ففيه»، والتصويب من المصدر.

33.صحيح مسلم، ج ۴، ص ۱۱۴ و ۱۱۵.

34.الكافي، كتاب الجنائز، باب النوادر، ح ۸ .

35.اُنظر: شرح نهج البلاغة، ج ۳، ص ۳۲، شرح الكلام ۴۳؛ وج ۶ ، ص ۱۴۹، شرح الكلام ۷۲.

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 184213
صفحه از 856
پرینت  ارسال به